"سناء".. جامعية من ذوي الهمم تطمح للدراسات العليا

> تقرير/ هشام عطيري

> أبصرت النور بقلبها وتجاوزت حاجز الإعاقة..
لكل امرئ من اسمه نصيب، ونصيب سناء من اسمها النور الذي أضاء فكرها وقلبها، لتثبت ألا حدود للطموح ولا مكان للمستحيل.
الكفيفة سناء علي ناصر دهمس تحدت الصعاب واجتازت التحديات بنجاح وجدارة، فالعيب الخَلقي الذي ولدت به لم يمنعها من تحقيق طموحها الذي تعترضه عقبات أخرى قد تصعب حتى على غيرها من كاملي الخِلقة.

استطاعت سناء ذات الـ24 ربيعا العام الماضي الحصول على شهادة البكالوريوس في علم الاجتماع بعد أربع سنوات قطعتها ذهابا ومجيئا من محافظة لحج إلى كلية الآداب بالعاصمة عدن، فسناء تسكن وأسرتها في قرية نائية تسمى المحط واقعة في الجزء الجنوب شرقي من مدينة تبن، وهي ثاني فرد كفيف يتحصل على شهادة البكالوريوس في أسرتها المكونة من 8 أفراد، 4 منهم فاقدو البصر أيضا منذ الولادة هي أصغرهم.

في العام 2008م بدأت أولى خطوات النجاح بانضمامها إلى جمعية رعاية وتأهيل المكفوفين بدعم من قبل رئيس الجمعية فضل مرزوق والمدير التنفيذي للجمعية إقبال قشاش الذين كان لهم الدور الأكبر في إبراز الملكات الخاصة بهذه الفتاة التي جاءت إلى عالم جديد لا تعلم عنه شيئا.

خلال فترة دراستها في الجمعية تعلمت سناء الكتابة والقراءة بطريقة بريل واكتسبت خبرات كبيرة، ثم بدأت بدراسة المنهج التعليمي حتى حصولها على شهادة التعليم الأساسي ثم الثانوي من مدرسة عباس الحسيني، حيث كانت تتلقى دروسها شفهيا عبر التلقين، لعدم وجود مناهج خاصة بالمكفوفين في المدارس الحكومية، وسجلت ضمن مئات الطلاب والطالبات بكلية الآداب جامعة عدن متحدية الإعاقة والمسافة والظروف.

حب سناء للتعليم وشجاعتها دفعت الأسرة للموافقة على دخولها الجامعة، فهي دائما تقول إن الكفيف يتملك الكثير من القدرات، ولكن أصعب ما قد يواجهه هو نظرة المجتمع السلبية له.
"عند دراستي في الكلية كنت أخرج من القرية الساعة السادسة والنصف صباحا يرافقني أخي، ولكن في السنة الرابعة اعتمدت على نفسي فكنت انتقل لوحدي دون مساعدة من أحد حتى نلت شهادة البكالوريوس، لا أنسى أن زملائي في الجامعة شجعوني على الاستمرار في الدراسة وساعدوني كثيرا".

واجهت سناء عندما أفصحت عن رغبتها في دخول الجامعة العديد من الصعوبات والرفض والانتقادات من قبل أسرتها وأقربائها، كون الكلية في مدينة عدن، وما يضاعف الصعوبة إلى جانب المسافة هو أن سناء كفيفة لن تتمكن بمفردها التنقل والذهاب إلى الكلية يوميا، لكنها أصرت وأثبتت جدارتها وقدرتها على خوض التجربة بتخرجها وحصولها على الشهادة.

طموح سناء لم يقف عند هذا الحد، فهي تتمنى استكمال الدراسات العليا، لكن ظروفها المادية وانعدام الإمكانات المسهلة لتحقيق حلمها حالت دون ذلك، كما تتمنى أن يغير المجتمع نظرته للكفيف، "يجب أن تدعم الدولة الكفيف لإخراج ما لديه من قدرات وأن تنظر إليه نظرة ممِيزة وليس العكس".
وتنتشر الإصابة بالعمى في قرية سناء بسبب زواج الأقارب، حسب إقبال قشاش، التي أشارت إلى دور الجمعية في تسليط الضوء على المكفوفين، وعن سناء قالت: "الخريجة سناء كانت طالبة مجتهدة ولديها طموح عالٍ مكنها من تجاوز الصعوبات التي اعترضت طريقها".

وأكدت أن سناء ليست الوحيدة التي تخرجت من الكلية، بل هي ضمن 12 كفيفا وكفيفة من أعضاء الجمعية الذين تخرجوا في سنوات متفاوتة من الجامعة وبتخصصات مختلفة، إضافة إلى 6 مكفوفين يدرسون حاليا في السنة الثانية والثالثة مساق البكالوريوس.
سناء مثال لذوي الهمم الذين يحتاجون من المجتمع والسلطة المحلية مد يد المساعدة لإبراز ما بداخلهم من إمكانات تفوق إمكانات الأشخاص العاديين، وتم تكريمها من قبل مبادرة إنسان بلحج، نظير دورها المتميز وطموحها الدائم لتحقيق أعلى الدرجات العلمية خلال برنامج أعدته المبادرة خاص بالمكفوفين.

وعادت سناء إلى جمعية رعاية وتأهيل المكفوفين بمدينة الحوطة لتواصل رسالتها مع أقرانها في التدريس حتى تحقيق حلمها باستكمال دراستها العليا وتوفير الدعم اللازم لها وللجمعية ولذوي الإعاقة البصرية الذين يواجهون العديد من الصعوبات والتحديات في جميع المجتمعات ولا سيما في اليمن، التي تحدثت عنها الباحثة في مجال علم النفس لميس صالح ثابت قائلة: "صعوبة الحركة والتنقل باستقلالية دون الحاجة إلى مرافق ملازم في كل خطوة عائق في طريق ذوي الهمم المكفوفين خاصة في اليمن بسبب نظرة المجتمع التي تتيح مجالا لكفيف ليندمج بالمجتمع تحت مبرر الخوف عليهم".

ومع تعدد النماذج الناجحة نستطيع القول بأن هناك فئة استطاعت التغلب ومواجهة تلك الصعوبات والإحباط وتحدت الظروف، لتثبت وجودها محاولة تغيير نظرة المجتمع بفضل مساندة وتشجيع المحيطين بهم وتهيئة الظروف لهم، بل إن بعضهم أدهش مجتمعه بقدراتهم ومهاراتهم التي فاقت مهارات وقدرات المبصرين، مثال على ذلك الكفيفة سناء وغيرها من ذوي الإعاقة البصرية الذين استطاعوا إثبات وجودهم في مجالات متعددة ومواصلة دراستهم الجامعية رغم كل الصعوبات التي تواجههم سواء في بيئتهم المحيطة كالأسرة أو المجتمع، رغم أن الدولة والجامعة لم تهيأ لهم الجو المناسب من طرقات أو مكتبات خاصة بالمكفوفين إلا أنهم تغلبوا على كل ذلك وحققوا ما لم يحققه المبصرون وسعوا لهدف تغيير نظرة المجتمع بأنهم يستطيعون الاندماج والتعايش وإيصال فكرة أن الإعاقة ليست عائقا، لكن للأسف ثقة المجتمع فيهم قليلة، لا يؤمن بقدراتهم وإمكاناتهم ولم يعطهم الفرصة لتقديم ما لديهم حتى إنه لم تهيأ لهم فرص عمل تتناسب وظروفهم الخاصة ليندمجوا مع المجتمع ويمارسوا حياتهم بشكل طبيعي، إلا من حالفهم الحظ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى