عمال يتضورون جوعا ونقابات تطرب فرحا

> جمال مسعود

> > النقابات الجنوبية، منذ نشأتها إبان الحراك الجنوبي السلمي، ومن بعده الثورة الجنوبية، كانت وهجا مشعا يتسع شعاعه ومداه، وتزداد حلقاته تشابكا والتحاما، وعادت كثير من النقابات المرتبطة بصنعاء إلى حضن الجنوب، وانفصلت عن مثيلاتها في صنعاء. ولأن القيادات النقابية في كثير من المرافق شاركت في فعاليات الحراك الجنوبي والثورة الجنوبية، اكتسبت من هذا الصقل حماسا وتفاعلا مكنها من الوقوف بحزم وتمثيل الموظفين، وفازت بثقتهم واختيارهم في اللجان النقابية.

تخوف كثير من ذوبان الحماس الجنوبي للنقابات بسبب طول فترة الانتقال من الثورة إلى السلطة وبناء الدولة في الجنوب، التي أظهرت تعليق كل إجراءات التغيير والتعديل وتصحيح الأوضاع. إن طول الفترة بين الانتصار في الحرب وبين ممارسة السلطة وإدارة الدولة نتج عنها فجوة إنسانية اتسعت دائرتها يوما بعد يوم، وازدادت فيها معاناة الموظفين والعمال، وتدهورت حالتهم المعيشية، فبدل أن تنطلق النقابات ممثلة العمال والموظفين ومحامي الدفاع عنهم لتفاوض من أجل حقوقهم، وانتزاعها من صراع القوى المنتصرة في الحرب على الحوثيين في عدن ومحافظات الجنوب، ألهتها أطراف النزاع السياسي في دوامة إعادة التشغيل والبناء الداخلي في وقت أكثر ما تحتاجه النقابات إلى وحدة الصف وقوة المواقف.

وبساعة غفلة من القيادات النقابية سقطت العديد من النقابات في هذه الفجوة، ومارست الحكومة سياسة التجويع والتجريع للعمال والموظفين بإهمال مستحقاتهم ومعالجتها، كما مارست سياسة التأطير والتقليم والتطويع للنقابات الجنوبية لتعيدها إلى عهد الوصاية والتحكم السياسي بقراراتها لتتحول من نقابات حقوقية مستقلة بذاتها تصنع قراراتها في مبنى الاتحاد العام للنقابات لتسلب الأطراف السياسية القرار النقابي، وتحول مبنى الاتحاد العام للنقابات المدعوم لوجستيا وسياسيا لإقامة فعاليات الأهازيج والاحتفالات الممجدة للساسة وإنجازاتهم في تجريع العمال والموظفين وتجويعهم وحرمانهم من كافة مستحقاتهم الوظيفية المادية والمعنوية، وبالتالي يختفي تماما الدور الفاعل والمؤثر للنقابات على المشهد، مما أتاح للسياسيين التحرك بأريحية تامة وتعطيل العمل بقانون الأجور والمرتبات والتخلي عن واجب الدولة في صرف بدل غلاء المعيشة نتيجة التدهور الفاحش للمعيشة وانهيار العملة.

إن النقابات الجنوبية اليوم في أسوأ مرحلة نضالية حقوقية تشهدها الساحة النقابية المحلية والعربية والدولية على وجه الإطلاق، فالانتهاكات لا حدود لها بحق العاملين والموظفين. تغيب الدور الحكومي تجاه حقوق العمال نتيجة الحرب وما قبلها وما بعدها، واستمرار تفاقم الأزمة السياسية وانعكاساتها الكارثية على معيشة الناس أدخلت موظفي الدولة في القطاعين المدني والعسكري خط الفقر وما تحت خط الفقر، والنقابات الجنوبية بمعزل عما يعتصر حياة العمال، بلا رؤية ولا روية. قيادات ديكورية لا ترى بالعين المجردة، نقابيا، تمر بين أيديهم سياسات التجريع والتجويع دون إدراك للواجب النقابي تجاه العاملين والتصدي لتفاقم معاناتهم وإيقافها أو الحد منها على الأقل.

إن ما يمر به موظفو الدولة من معاناة شاركت فيها القوى السياسية الفاشلة المنشغلة بترتيب أوضاعها، وتستمر في الصراع من أجل ذلك، والقيادات النقابية المهترئة المنشغلة في إعادة هيكلتها والمتفرغة تماما لتطبيق ذلك في ظروف معيشية هي الأسوأ في التاريخ، رواتب متوقفة، وحقوق مجمدة، وسباق بين تدهور العملة وزيادة الغلاء من جهة، وتجمد رواتب الموظفين وتدنيها من طرف آخر، لتصل الفجوة إلى أن يفقد الموظف والعامل ٧٠ ٪ من قيمة راتبه الشهري في ظل غياب تام لفاعلية العمل النقابي إزاء ذلك.

فمتى تستفيق النقابات وتظهر بشخصية لها هيبتها وسيادتها، وتعي حقيقة واجبها النقابي تجاه العمال والموظفين، وتؤدي ما عليها أمام تداعيات لم تمر بها الحركات النقابية منذ نشوئها، أن تتوقف رواتب موظفين، وتتجمد مستحقاتهم، وتتعطل حياتهم، ويتجاوزون خط الفقر، والنقابات تقيم الأنشطة والاحتفالات بديلا عن الدولة لتتبناها باسمها والعمال يتضورون جوعا، وهي تمثلهم لتحتفل باسم السلطة تطرب فرحا بالأعياد المجيدة والأيام السعيدة، وهي في حال يجب أن تقيم الحداد على أوضاع العمال المعيشية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى