حول قضية الجنوب وروافعها

> بعد نحو ربع قرن من ظهور القضية الجنوبية، أصبحت لدينا تجربة طويلة يمكن دراستها وتحليلها، والحصول على نتائج بشقيها الإيجابي والسلبي، وبالتالي فإن تطوير الإيجابي منها ومراجعة الأخطاء وتصحيحها أصبح ضرورة، يستدعيها الواقع والمنطق، سعيا نحو الوصول للهدف الحقيقي، المتمثل في انتصار القضية.

مباشرة نقول إن القضية الجنوبية التي أعلنت عن نفسها بوضوح لمن يعقل ولمن لا يعقل أو يحاول التدليس والإضرار بها -حتى وإن ادعى مناصرتها- لا يمكن لنا اليوم إلا أن نعيد قراءتنا للمآلات التي صارت فيها قضيتنا وأن نفصح كفئة محسوبة على الفئة المثقفة أو المتنورة في المجتمع الجنوبي، وهي الفئة التي في تقديرنا تعتبر القوة الجنوبية الحقيقية الأساس في الصراع المشتعل والمعقد اليوم الذي نمر به.. والتي تغيب أو بالأحرى غُيبت أو لم تستثمر كما يجب في الصراع (أو المعركة) بين الجنوب وأعدائه. على هذه الفئة التي أسميها بـ(إرادة العقل الجنوبي) كواحدة من روافع الثورة الجنوبية المتعددة (العسكرية والأمنية والاقتصادية والإعلامية وغيرها) أن تفصح عن ما تقرأه كمستقبليات للصراع في معركة التحرر الثانية مما هو أشد من الاستعمار الخارجي.

في تقديرنا الخاص أننا وقبلنا ومعنا القيادة السياسية الانتقالية لم نوظف بعد تلك الروافع الأساسية بكامل طاقتها وقدراتها، أو لنقل لم تستثمر كما يجب في الصراع (أو المعركة) بين الجنوب وأعدائه. على هذه الفئة المتنورة التي يمكن أن أسميها بـ(قوة العقل الجنوبي) أن تفصح عن ما تقرأه كمستقبليات للصراع في معركة التحرر الثانية ممن هو أشد من الاستعمار الخارجي الذي عرفناه تاريخيا، وأن على طلائع الأمة من أهل القدرات أن تستحث وأن تنشط بصورة تتلاءم مع المتغيرات السريعة التي تحدث من حولنا.

إن من الضرورة بمكان أن نجعل الوعي العام لجماهير الشعب في تماس مباشر مع التأصيلات النظرية للسياسات التي يتبعها الانتقالي في نضاله نحو هدف استعادة الدولة، كما علينا أن نبين للقيادة الانتقالية أن الابتعاد عن الجماهير وعزلها معلوماتيا عما يدور سيؤدي إلى عزلته هو نفسه وفقدانه للجماهير التي هي وقود حركته من ناحية، كما سيخلق ذلك ظروفا مناسبة لاختراق الوعي العام وتفتيت اللحمة الوطنية الجنوبية.

علينا أن ندرك أن أدواتنا في الصراع خلال الفترة الماضية، قد شابها قصور أظهرت فشلا في جوانب، وعجزا في جوانب معينة أخرى من العملية السياسية أدت إلى تعقيد الصراع في نواحي بعينها، كما أنه في تقديرنا الخاص أن على القيادة السياسية إعادة النظر في خارطة تحالفاتها في ظل المتغيرات الأخيرة التي حدثت وتحدث في سياسات دول التحالف وموقفها من الحركات الإرهابية المتأسلمة والاستفادة من ذلك، وكذا إعادة النظر في بناء التحالفات الداخلية الجنوبية التي نسمع جعجعتها ولا نرى طحينا منتجا، فبدون خلق تمتين تحالفات حقيقية مع الصادقين من أبناء الجنوب وبناء تحالفات غير قابلة للاختراق مع هذه القوى أيا كان حجمها سيبقى عملنا النضالي مبتورا وناقصا.

إن طاقة الدفع التي بدأ بها الانتقالي حركته، قد انخفضت وقل زخمها وهي بحاجة للتغذية المستمرة من خلال عمل العقول المؤمنة بالقضية وتجديد الدماء في جسد الانتقالي. وبالتالي في تقديرنا يصبح لزاما علينا استخلاص وإدراك ما يلي:

1 - أن العدو بكافة فئاته يعمل على تشتيت وتفتيت الجنوب في كيانات وتكوينات متعددة لضرب وحدة الصف الجنوبي، وهذا أسلوبه القديم لكنه هذه المرة مدعوم ماليا وقدراتيا وتعبويا.

2 - أن وحدة الصف الجنوبي لا يمكن أن تتأتى بل لا يمكن حدوثها بالطرق المتبعة حاليا من خلال محاولة لملمة التكوينات والمجموعات بواسطة حوارات فضفاضة مع س أو ص من تلك المكونات التي تتفرخ عن بعضها بصورة مثيرة للشكوك. إننا ندعو لعمل سياسي جاد ووطني كبير يلم المفتت من تكوينات وناشطي الجنوب يحتوي الصادقين منهم على قاعدة واحدية الهدف وفي أسرع وقت وعمل مثل هذا عند صدق النية لا يحتاج لزمن طويل ويمكن تنفيذه بأسرع وقت مع المخلصين من أبناء الجنوب.

3 - أن بناء وتشكيل وتفعيل روافع القدرات الجنوبية من خلال تفعيل وتنظيم هذه القدرات النوعية البشرية من ذوي الكفاءات المهنية والتخصصات العلمية والمجتمعية والسياسية والاقتصادية والإعلامية وتفعيل طاقة الشباب الجامعيين وتنظيم هذه القوة وترتيبها لتصبح القوة المجتمعية الأولى والمرجحة في خط المواجهة الجنوبية والمسؤولة عن العمل مع بقية فئات المجتمع. فالمعركة تحتاج لمثل هذا التحشيد بالضرورة.

4 - كل ذلك لا يعني إغفال اتجاهات المواجهة مع أعداء الجنوب عسكريا فنحن نقرأ المعطيات التي تشير إلى حتمية العمل والفعل العسكري كعامل حاسم في المواجهة، وبناء على ذلك يجب إيلاء هذا الجانب كامل الدعم والعناية.

5 - علينا أن ندرك أن الوقت لا ينتظر أحدا.. فما هو ممكن فعله اليوم قد يكون في الغد غير ممكنا. ونحن في كثير من أمورنا كجنوبيين لسنا على ما ينبغي أن نكون عليه. ولا مجال هنا للتوهان وترديد شعار كله تمام. لسنا متشائمين رغم الكثير من المحبطات لكننا صادقين مع أنفسنا وشعبنا ونأمل في صحوة قيادتنا لا سيما المغتربين منها، وإدراكها لما يجب أن نكون عليه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى