حروب بلا نصر في اليمن «غير السعيد»

> شريف عطية

> حضارة اليمن، هي الأقدم في جنوب شبه الجزيرة العربية، قبل انحسارها بالمقارنة مع ازدهار أمم الجوار، لأسبابهم، إلى أن انتصف القرن العشرين.. وكأنها لا تزال تحبو على عتبات القرون الوسطى تحت حكم «الأئمة»، ما دفع الشعب إلى الثورة غير مرة قبل أن يلتف حول انتفاضة طليعة عسكرية في سبتمبر 1962، أطاحت بآخر الأئمة «البدر» خارج الحدود هرباً إلى السعودية التي احتضنت محاولاته استرداد عرشه، بمساعدة من قبائل موالية، دعت الحكام الجدد إلى طلب المساعدة من مصر التي سارعت بالاستجابة لدواع جيوسياسية أمنية في هذه المنطقة.. تعود تاريخياً إلى عهد الفراعنة ثم الرومان فالأيوبيين، وليس آخراً في عهد «محمد علي»، كما كانت تلبية النداء بالدعم في إطار مقتضيات الحرب الباردة بين الغرب والشرق، وليصل حجم القوات المصرية باليمن في فترة وجيزة إلى نحو سبعين ألف مقاتل.. في مواجهة قبائل متمردة تتلقى مساعدات لوجيستية ومالية غير محدودة من قوى إقليمية ودولية متعددة، لا تستهدف بطبيعة الحال عودة الإمام إلا بالقدر المستهدف للنيل من قدرات مصر العسكرية والاقتصادية، ومن دورها القومي الذي تجاوز الخطوط الإستراتيجية- من وجهة نظر إمبريالية- ليقارب منابع النفط وطرق مواصلاته في مناطق نفوذ تقليدية للغرب، وذلك على النحو الذي جرى التخطيط له ضد مصر في العام 1967، الأمر الذي لم يغب عن الصهيونية الدولية توظيفه لصالح توسيع حدود الدولة العبرية لتشمل كل أراضي فلسطين التاريخية، إضافة إلى شبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان السورية، ما يعني تهديد مجمل مقدرات مستقبل العالم العربي الذي سارع إلى لملمة خلافاته، كي يتفرغ الجيش المصري لمواجهة الهجمة الصهيونية، بالتوازي مع سحب قواته من اليمن، لكن من دون أن تذهب تضحياته لنحو سبع سنوات سدى، إذ تبدأ جمهورية اليمن عهداً جديداً من الحداثة التي غربت عن ربوعه قروناً، وإلى استقلال الجنوب عن بريطانيا قبل توحد شطريه في التسعينيات، لكن دون أن يحول ذلك عن نشوب حروب سياسية ذات نزعة قبلية من حين لآخر طوال أربعة عقود تالية انتهت بصدور (فرمان) المبادرة الخليجية في العام 2011، وعزل الرئيس «صالح» الذي سارع بالتحالف – قبل اغتياله- مع «الحوثيين»، الذين نجحوا في صيف 2014 من الاستيلاء على العاصمة صنعاء وميناء الحديدة، وعلى مساحات شاسعة من أقاليم اليمن، بدعم غير محدود من إيران، الساعية بدورها للامتداد الجيوسياسي نحو جزيرة العرب، ربما على غرار مصر في الستينيات، وفي إطار مشابه للحرب الباردة المتجددة بين الشرق والغرب خلال العقد الأخير حول منابع النفط والممرات البحرية الدولية.

إلى ذلك السياق، كان من الطبيعي لمصر معاودة دورها القومي.. واقتراح تشكيل قوة عربية مشتركة، تحدد التصديق على تفاصيل دراساتها منتصف مارس 2015 في مقر الجامعة العربية بالقاهرة، إلا أن مراسم التوقيع تأجلت بطلب من السعودية، لأسباب غير معلنة، ولأجل غير مسمى، بينما قامت الأخيرة على التو بالدعوة إلى تشكيل تحالف إقليمي دولي بقيادتها لدعم الشرعية اليمنية في حربها مع الحوثيين، من المفترض مساهمة الولايات المتحدة في مجهودها العسكري والسياسي، إلا أن واشنطن فاجأت الجميع في منتصف يوليو 2015 بقبول التوقيع مع المجموعة الدولية 5+1 على الاتفاق النووي الإيراني، وما هي إلا شهور ويطالب الرئيس الأميركي «أوباما» من خلال حديث صحفي مطول 2016 – عرب الخليج بعد تحميلهم مسئولية اللا استقرار في المنطقة- بـ «اقتسام النفوذ مع إيران»، ذلك قبل أن يخلفه «ترامب» في العام 2017، ويعمل على تجميد الاتفاق النووي مع إيران بالتوازي مع ابتزازه السعودية ودول الخليج مالياً بذريعة الدفاع عنهم في مواجهة الخطر الإيراني، إلا أن الرئيس المنتخب «بايدن» يبدو عائداً على بدء إلى سياسات سلفه الأسبق «أوباما» بالنسبة للعلاقات الأميركية- الإيرانية- الخليجية، سواء من حيث استئناف العمل بالاتفاق النووي المجمد مع إيران، بناء على رغبة أطراف المجموعة الدولية 5+1، أو من حيث مطالبة الخليج باقتسام النفوذ مع إيران، وبذريعة صون حقوق الإنسان، ذلك في اتجاه عكسي لنهج ترامب في ابتزاز دول الخليج، إلا من سعي الأخير خلال الأسابيع المتبقية على مغادرته البيت الأبيض، وبمشاركة من إسرائيل، إلى استفزاز إيران من خلال سلسلة من الاغتيالات لقياداتها النووية والتنظيمية، توطئة لخطأ ردة فعل إيرانية، تتيح لهما الذريعة لتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران تنهي برنامجها النووي، ما سوف يعرض عندئذٍ استراتيجية «بايدن» المقبلة إزاء ضفتي الخليج للفشل.

إلى ذلك، يتضح أن الحرب الدائرة في اليمن بين الشرعية- بدعم من تحالف السعودية- وبين الحوثيين- بدعم من إيران- لا تقتصر على طرفيها المشار إليهما فحسب، وليس أيضاً لتوكيد هيمنة (فرمان) «المبادرة الخليجية» 2011 على مقدرات اليمن.. الذي يرفض مجلس التعاون الخليجي –للمفارقة- منذ إنشائه مطلع الثمانينيات القبول بعضويته، لأسبابهم، رغم كونه من المداميك التاريخية الإستراتيجية لجزيرة العرب، إذ باتت الحالة اليمنية في ضوء ما سبق، سواء في ستينيات القرن الماضي أو سواء من خلال العشرية الثانية للقرن الحالي، قضية غير محلية بقدر كونها إقليمية ذات طبيعة دولية تتصل بمنافسات الدول العظمى على منابع النفط وطرق مواصلاته، وفي السيطرة على الممرات البحرية العالمية، الأمر الذي يتيح للولايات المتحدة- إن أرادت- الربط لصالحها بين ملف العلاقات الأميركية مع دول ضفتي الخليج العربي/ الفارسي من ناحية.. وبين تطويع طبيعة ملف العلاقات الروسية- الصينية مع كل من السعودية وإيران من ناحية أخرى، إذ بإمكان واشنطن إنجاز ذلك خلال المباحثات المزمعة مع إيران، لربط تحسين علاقتيهما بتطويع موقف طهران من الدعم الذي تقدمه للحوثيين، لولا برجماتية الموقف الإسرائيلي إزاء التطبيع مع دول الخليج من حيث العمل على توظيف استمرار النزاع بين أطراف إقليمية ودولية من أجل تحقيق غاياتها العليا «غير الواقعية» في الشرق الأوسط، سواء بالخصم من رصيد مصر كما السابق في الستينيات أو بالخصم من رصيد السعودية ودول الخليج كما اليوم، وفي أن تنوب - صنعاء- عن المنطقة، من بعد بغداد ودمشق وبيروت، في تحمل أعباء حروب بلا نصر، لسبع سنوات متجددة، في اليمن غير السعيد.

*عضو مكتب مستشار رئيس الجمهورية للأمن القومي في السبعينيات

"المال المصرية"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى