الشهيد الإنسان «جعفر عدن» الحي في قلوبنا

> لا يزال الجرح غائرا، وما تزال عدن مكلومة، صامتة، حزينة، متألمة، نادمة ومتحسرة، على فقدان الشهيد الحي الإنسان، الرجل، الشجاع، طيب القلب، نقي السريرة، ذو الوجه البشوش، والفكر النير، والعقلية العبقرية، اللواء جعفر محمد سعد رحمه الله وطيب ثراه وأسكنه الجنة مع الأبرار.

ابن عدن البار، الذي أحب عدن حتى الثمالة، لم تنسيه هجرته الاضطرارية، واغترابه الإجباري، ومنفاه القسري، حب عدن، فلقد ظل طيلة تلك السنوات العجاف، متلهفا لعدن، مشتاقا لجبالها وبحارها وشوارعها وأزقتها وأحياءها وجنباتها، متولعا بأبنائها وبناتها، شغوفا لاحتضان ترابها، منتظرا اللحظة التي سيعود فيها من بريطانيا إلى عدن لتعود إلى جسده الروح التي تركها خلفه في عدن لأكثر من 20 عاما.

لم يكن يعلم ماذا يخبئ له القدر، رغم إيمانه العميق بالله تعالى وبقضاء الله وقدره، لكن ما كان يعلمه جيدا ويدركه تماما أن عدن نادته، أن عدن تئن باسمه، أن عدن تبكي بانتظاره ليكفكف دمعتها، أن عدن تنزف مترقبة إياه ليضمد جراحها، وأن عدن تستباح متلهفة للخلاص على يديه، فلم يخلف الشهيد الحي جعفر ذلك الموعد الذي انتظره طويلا.

قاد الشهيد جعفر معركة تحرير عدن إلى جانب عدد من القيادات العسكرية، بمساعدة ودعم الأشقاء في دولة الإمارات العربية، فكان النصر حليف عدن، بفضل من الله وتوفيقه، وحنكة ودهاء وحب وعشق هذا الرجل العظيم الذي تربطه بعدن قصة حب حقيقية غير مسبوقة، قل مثيلها.

كان يدرك رحمه الله، أن عدن لا زالت بحاجة له، يعلم أن عدن تستغيث به، وتطلب نجدته، فوافق أن يتقلد منصبا سياسيا كمحافظ لهذه المدينة التي تتوق لأحد أبناءها ومحبيها لقيادتها والمحافظة عليها، تتلهف للتطهير وتثبيت الأمن، تتشوق لعودة الاستقرار والسكينة في أرجاءها وبين جنباتها وحواريها.

لم يدر في خلده يوما رحمه الله أن أكثر من 20 عاما من الهجرة القسرية وفراق عدن، يمكنها أن تغير عدن وتركيبتها ونسيجها وثقافة وأخلاق ساكنيها القدامى والجدد، فقد كان على سجيته عفويا متسامحا طيبا خلوقا محترما مع الجميع، شديدا صارما حازما وحاسما مع كل من يمس عدن أو يفكر في أن يخدش مدنيتها وجمالها وسلامها وطبيعتها وتعايشها، حاول وسعى لإعادة عدن إلى وضعها ومكانتها، تحرك كثيرا في وقت قصير في سباق مع الزمن لإعادة إشراقة عدن ورسم البسمة على محياها ووجوه أبناءها، لكنه اصطدم بواقع مغاير، واقع جديد لم يألفه ولم تألفه عدن أيضا، مشاهد جديدة في عدن بعيدة كل البعد عن عدن تلك التي تركها جعفر ورسمها في مخيلته ووضعها في حدقتي عينيه.

ربما تكون مسيرة الشهيد الإنسان الخالد في ذاكرة عدن والتاريخ، محرر عدن وراسم بهجتها ومخلصها، اللواء جعفر محمد سعد انتهت في صبيحة يوم مظلم مشؤوم أسود في 6 ديسمبر 2015 بعملية إجرامية غادرة نكراء إرهابية أودت بحياته وأصعدت روحه الطاهرة البريئة إلى خالقها، لكن ذكراه وتاريخه وإنسانيته وشجاعته وأعماله وحبه لعدن، وحب عدن وأبنائها له، كل ذلك ما يزال باق، وسيبقى أبدا ما حيينا، حتى يرث الله الأرض وما عليها في يوم تشخص فيه الأبصار.

وفي الوقت الذي ندعو الله أن يرحمه ويتقبله مع الشهداء والصالحين، لا زالت أعيينا تترقب القصاص في الدنيا من قتلته وكشفهم للملأ، مؤمنون بقضاء الله وقدره وقوله الحق في كتابه الكريم: "وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمًا". صدق الله العظيم

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى