الحالة السالبة

> حول موضوع قدرة الفرد في صناعة التأريخ، بسالبه وموجبه، سواء لأمته أو للإنسانية عمومًا، يوجد رأيان. يقول أهل الرأي الأول إن الفرد صاحب القدرات يستطيع أن يغير مجرى ومصير أمته، وربما الإنسانية بأجمعها، وأن دور الفرد في صناعة التأريخ حاسم ونهائي. ويدللون على ذلك بأمثلة من التاريخ الإنساني لقادة وعلماء من مختلف أنحاء العالم، استطاعوا أن يغيروا أو يصنعوا تاريخا لشعوبهم والإنسانية جمعاء. أما هل الرأي الثاني فيقولون إن دور الفرد أيا كانت قدراته هو أمر نسبي لا يمكن أن يكون أكبر من دور الجماعة أو الشعب أو الأمة، وإن إدارة عجلة التاريخ إنما تقوم به الشعوب، ويوردون من الأمثلة ما لا يمكن إنكاره أو التقليل من شأنه. بالنسبة لكاتب هذه الأسطر، فأنا ممن لا ينكر أهل الرأي الأول ولا يخطئ أهل الرأي الثاني. وأرى أن دور الفرد ودور الجماعة يكملان بعضهما بعضا.

من خلال ما قرأناه في تاريخ الأمم والشعوب، وجدنا أن الصدف التاريخية حين تأتي بأهل القدرات القيادية والفكرية في ظروف معينة وبيئة معينة، قد نضجت فيها الظروف الذاتية والموضوعية، يحدث حينها أن يلتحم دور القائد مع إرادة الشعب ورغبته وتطلعاته فيحدثا بذلك زخما فاعلا يصنع أو يغير من مجرى الأمور والتاريخ، وإذا ما شبهنا ذلك علميا فسيكون أشبه باجتماع موجتين تسيران في اتجاه واحد، وتنتجان موجة أقوى هي محصلة جمع قوتي الموجتين. هذه الحالة التي تكلمنا عنها هي الحالة المثلى، ومن غيرها تأتي حالات هي الأغلب، كأن يأتي الفرد ذي الرؤية والكاريزما الشخصية في بيئة مجتمع لم تنضج فيها الأمور بعد لإحداث التغيير، فينتكس صاحب الرؤية، مثل قولنا إن فلانا قد سبق زمانه، وبالعكس يمكن أن تبتلى أمة أو شعب بشخص كارثي بكل المعاني، وعديم القدرات، يكون وبالا على شعبه، والتاريخ يخبرنا بأمثلة عديدة تشبه ما أسلفنا قوله.

إذن فنجاح القائد في أداء دوره التاريخي مرهون بامتلاكه القدرة والرؤية لكيفية المستقبل وكذلك مرهون بحسن اختياره لمن حوله وكذا في قدرته (وهذه الأهم) على حشد الجماهير حول تلك الرؤية.

في الحالة اليمنية السالبة، يمكننا القول إن فقدان أو امتلاك القيادة للرؤية المستقبلية المشوهة للبلاد والعباد، وتغلب العوامل الموضوعية الإقليمية، واستلابها للقرار السياسي اليمني (بشطريه) الصادق والحر، وإهمالها للعوامل الذاتية قد أوصل حياتنا كمجتمع وخصوصا في المحافظات المحررة إلى ما نحن فيه، فنحن حالة سالبة في الطاقة والمياه والأمن والتعليم والصحة وقس على ذلك.

إنصافا للحقيقة نحن في محافظة عدن، مدينون بالشكر للصدفة التاريخية التي أهدتنا – على رغم سوء حظنا- الأستاذ أحمد حامد لملس كمحافظ لعدن، وهو شخصية وطنية غنية عن التعريف ويصنع تاريخه، وهو الأمر الذي لن يجعلنا نسرد مناقبه أو تاريخه. فبرغم كل التدهور الذي آلت إليه المحافظة خلال السنوات السابقة، استطاع خلال الفترة القليلة الماضية (عدة أشهر) أن يشخص كثيرا من العلل في إدارة المحافظة ومؤسساتها، واستطاع أن يعيد لنا كمواطنين الثقة في إمكانية إصلاح المحافظة وتصحيح أوضاعها. نعلم يقينا أن عصابات ومافيات الدولة العفاشية وما تلاها من ابتلاءات داخلية وخارجية لا يزالون يقومون بأدوارهم القذرة، ويتجلى ذلك بوضوح في وضع العراقيل والمعوقات أمام شخص المحافظ وإدارته بغية إفشاله. ولعل مافيات الكهرباء في عدن هي الأكثر شراسة في حربها له ولنا، بعد أن وصلت الانقطاعات إلى ثمان وسبع ساعات في فصل الشتاء، وهذا دليل يثبت خوفهم و جزعهم من مقدرة الرجل على تفكيك شبكات الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة. وللأخ المحافظ نقول سر بنا ومعنا نحو نموذج عدن، المدينة الباسلة والجميلة التي نحلم بها. قارع واضرب كل فاسد، ونحن معك جنودا للوطن، فليس لدينا ما نخسره، ولا يمكن أن تصبح الأمور أكثر سوءا مما هي عليه في بلد أصبحت الأغلبية فيه تأكل وجبة واحدة في اليوم، والكثير من أهلها لا يجدون رواتبهم.

أخيرا أقول لنفسي إنني لم أمدح يوما ما أي س أو ص من القادة، غير أننا في زمن غلب فيه الظلام، فاكتفيت أن أشيد بشمعة تحاول أن تضيء للناس ما استطاعت في الحالة السالبة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى