من مسرح الحياة

> مما تعلمته في مرحلة الشباب إبان فترة دراستي الجامعية في موسكو وحتى ما بعد المرحلة الجامعية، ارتياد المسارح العديدة والمتنوعة التي تعرض مسرحياتها المختلفة من الروايات الكلاسيكية حتى الموجات الفنية الحديثة، في العروض المسرحية التي من بينها المسرح الارتجالي الذي لا يلتزم بنص مسرحي، بل يكون موضوع المسرحية هو ما تنتجه اللحظة، في عقول الممثلين (وهم من الفنانين الذين يحملون ثقافة عالية وأصحاب رؤية للحياة)، من قضايا أو أفكار أو مواضيع مستمدة من الحياة التي تعيشها مجتمعاتهم أو الحياة الإنسانية بشكل عام. ولهذا النوع من الفن معجبون وأنصار كثر.

ما جعلني استحضر هذه الذكريات هو ما نشاهده ونراه في حياتنا العامة وحياتنا السياسية بشكل خاص. إن ما نراه في حياتنا يشبه مسرحية ارتجالية أبطالها (كلمة أبطالها مجازية) فاقدة للنص الجيد والحبكة الدرامية، بل كل شروط العمل الفني، ويؤديها، بالمجمل، أشخاص معدومو الوطنية، وإن ادعوها، وغير مؤهلين، لا سياسيا ولا فكريا ولا ثقافيا. وهو الأمر الذي يدفعك إما لمغادرة المسرح الذي اسمه الوطن، أو البحث عن حل لإنهاء العبث بطريقة من الطرق المشروعة.

إن مشاهدة مسرحية عبثية مدمرة للفكر والحياة مستمرة منذ ست سنوات (منذ 2015 حتى اليوم) وكان عمرها الافتراضي عامين لا أكثر، قد خلقت أجيالا تحمل أفكارا سلبية ومدمرة، والأعجب في الأمر هو أن الآخر في العالم المحيط القريب منه والبعيد، يواصل استمتاعه بمشاهدة ما يحدث في هذه البلاد من عبث قد يكتوي بناره هو الآخر والقرائن اليوم تدلل على ذلك.

سألني أحدهم عن رأيي فيما نشاهده اليوم من تغيرات عسكرية وسياسية، فأجبته أنني لا أرى سوى تغيير لأماكن الممثلين في تموضعهم على المسرح، وربما سيضاف أبطال آخرون من نفس نوعية الممثلين الفاشلين، مع بقاء النص والمضمون العبثيين سيدا الموقف.
وأنت تنظر إلى واقعنا السياسي المَعِيش ترى مخرجي المسرحية في حالة من الشتات الذهني والسياسي، ولن أذكر كلمة الفكري، إذ لا يحمل المخرجون إلاّ فكرا مشوها لا يحمل في طياته إلا سوادا، لا ينتج سوى الفشل لدى الآخرين، والأمثلة على ذلك كثيرة، ولن نخوض فيها لكثرتها.

قلت لصديقي أترى سير الأمور عندنا منطقية؟ فأجاب أنه لا يرى حتى ما يشبه خارطة طريق للكيفية التي يمكن للبلاد أن تتجاوز محنتها. نعم، لا يبدو في الأفق خارطة طريق للخلاص من هذه المحنة بل لا تلوح في الأفق إشارات توحي حتى بتطبيع الحياة المضطربة جدا التي نعيشها في بلد هزم الفقر فيها الأمة بسوادها الأعظم. نحن -وللأسف الشديد- مبتلون بعقول عاجزة مريضة، تقودنا حسب أهواء مصالحها الشخصية والمناطقية، ولا تعترف، بل ولا تستطيع أن ترتقي إلى مستوى العقول التي تنتج مشاريع بحجم وطن بهذه السعة وبهذا العدد من السكان. هل للآخر شأن فيما يحدث لدينا؟ نعم له الشأن الأكبر والاسم للأسف، أضف إلى ذلك أن أقصى ما يستطيع فعله أشباه الممثلين وعديمي القدرات، هو محاولة تكييف مصالحهم مع مصالح ذوي الشأن، وتحقيقها على وفق هذا الواقع البائس، أقصد المخرجين لهذه المسرحية الفاشلة والهابطة.

لن نفقد الأمل، وسنبقى نناضل كل حسب استطاعته، نحو حياة ومستقبل أفضل لأولادنا وأحفادنا، وإن سأل سائل عن الأسباب التي تدعو للتفاؤل، فسنجيبه أن قانونا كونيا وآية من القرآن تفيدان أن الأرض والحياة لا تقبلان الجيف والموتى حتى إن امتلكوا كل ثروات الدنيا كموبوتو الزائيري أو تشاوشيسكو الروماني مثلا. وأشك أن أحدا منهم يعرف كيف انتهت حياة (الذي يركب كل الدجاج. هذه ترجمة اسمه) موبوتو سيسي سيكو، وهذا طاغية انتهى كما ينبغي أن ينتهي كل طاغية، ولم تُجدِه نفعا كنوز الألماس التي اكتنزها من بلاده، التي تعتبر أكثر البلدان إنتاجا للألماس.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى