من جديد.. وليست مرة أخرى

> بعد عدة أيام ستكمل الأرض دورتها حول الشمس، معلنة انقضاء عام آخر من وجودنا على ظهر البسيطة. وكيفما كانت تواريخ ميلادنا مختلفة فجميعنا شركاء في توديع عام واستقبال عام جديد. تختلج في جوانحنا مشاعر متناقضة هي مزيج من الأحاسيس المضطربة والمتقلبة، فمن جهة تراودنا آمالنا وأحلامنا التي نسعى إليها، تلك التي لم نستطع أن نحققها خلال العام الذي يسحب ظله ويتجه صوب بوابة التاريخ ليلج بوابة الماضي فلا يتبق لنا منه سوى الذكريات. من الجهة الأخرى ترفرف في صدورنا آمالنا التي نتمنى أن تخرج إلى الحياة، كيما تشعرنا بقدرتنا على الفعل، وعلى جعل حياتنا و من نحبهم من أهلنا وقومنا أفضل وأجمل مما هي عليه. وتنسحب تلك الآمال لتغطي مساحات بحجم الوطن وناسه. العبارة الأخيرة أدركناها بعد أن كبرنا وأفهمتنا الحياة أن لا مجال للسعادة إلا اذا شملت الآخرين. فلا مجال للشعور بالسعادة في وسط أو بيئة أتعسها الشقاء.

الحقيقة أن بمقدور المرء أن ينظم نشاطه وأفعاله بشكل مستقل في الحياة شريطة أن تكون الحياة عمومًا مستقرة ومنظمة في الجغرافيا (أي البلد) الذي تحيا فيها. نعم تحيا وليس تعيش فيها، ذلك أن فعل (تحيا) يقترن بحياة الإنسان وحده، بمتطلباتها المادية والروحية، أما العيش والمعيشة فتستخدم لبقية المخلوقات.
الحقيقة أننا في ظروف مثل التي تعيش فيها بلادنا في حالة فصام مع التخطيط لحياتنا زمنيا وماديا نتيجة التداخل القوي الحاصل بين الخاص والعام. لذلك يَجِبُ ألاّ نكتئب أو أن نحبط نتيجة لذلك التداخل.

ونحن نعيش آخر أيام العام 2020 من حقنا أن نحلم وأن نبني أحلامنا على قاعدة أننا كغيرنا من البشر نعيش على قاعدة الأمل بأن كل شيء طيب يحتفي بالحياة، أمر قابل للتحقيق والاستقرار، وأن كل شيء سيء يضر بحياة الإنسان أيا كان مصدره، فالحياة بمن فيها سيجعلون مصيره العدم.. هكذا وعدنا الخالق وهكذا تنص القوانين المسيرة للحياة.

لعل ما نراه اليوم في عدن على وجه التحديد من محاولات طيبة لتحسين أوضاعها الخدمية يمثل أملا طال انتظاره وظهرت من هذه المحاولات الإيجابية لإصلاح الأمور، إشارات منطقية على إمكانية اتخاذ خطوات أكثر جرأة تجاه إصلاح الأحوال والنجاحات التي نشاهدها بقوة في مديريات الشيخ عثمان والمنصورة وكريتر وغيرها لتعد أكبر دليل على أن انتشال البلد والمواطن من المستنقع الذي وضعونا فيه من لا يستحقون الذكر من القيادات الفاسدة أمر ممكن طالما وليت (بشد وكسر اللام) زمام الأمور عقول نظيفة و شابة وغير ملوثة بالفساد. وآن لذوي القرار من إدراك هذه الحقيقة، المتمثلة في اختيار الإنسان، فالإنسان المسؤول والنظيف هو محور الصلاح والتنمية.

على الصعيد الشخصي أتمنى أن يكون العام القادم عاما جديدا بكل المعاني وأن يكون عام الحسم والاستفاقة من الغيبوبة التي وضعت فيها البلاد والعباد خلال السنوات السابقة ولا تزال، وأن لا يكون تكرارا لما قبله، فلقد آن الأوان لذلك. أريده عاما لانتصار قوى الخير، أريده عاما للإنجاز لكل الطيبين، مليئا بالبهجة والفرح والانتصار للقضية الجنوبية التي تتكالب عليها كل قوى الشر والتخلف. أريده كما قال لي أستاذ الرياضيات في الجامعة الذي كان يدعوني إلى لوحة الكتابة باستمرار لحل مسائل فحاولت أن أجلس بعيدا في مؤخرة القاعة بعيدا عن عينه (كوني لم أحضر جيدا للدرس)، لكنه أمرني بالذهاب للوح، وفي أثناء خروجي من الصف الذي يقع فيه مقعدي تمتمت بالروسية بما معناه : مرة أخرى ظانا انه لم يسمعني، وسرعان ما أتاني رده مجلجلا: "جديدا.. وليس مرة أخرى".

أريده عاما جديدا.. وليس تكرارا، مليئا بالخير والحب والسعادة لكل الناس. وكل عام والأيام وقرائها وكل أبناء شعبنا الصابر والمنهك بألف صحة وخير وسعادة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى