​​جمهورية العائلات

> أحيانا، في معترك الحياة المليئة بالصراعات، تفوت تفكيرنا أبجديات أو بديهيات منطقية حياتية أو سياسية، فنذهب بعيدا في شعاب متفرعة ومسالك صعبة ربما، بل من المؤكد أنها لا توصلنا للهدف المرجو أو المطلوب تحقيقه. مثال ذلك الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب. فالدولتان المتحدتان، مختلفتان في كل شيء تقريبا، من التركيبة الاقتصادية إلى السياسية إلى القضائية والقانونية والتعليمية وحتى مستوى التطور المدني للمجتمعين، مختلفان. سأقول أكثر من هذا، والحديث هنا عن طبيعة النظامين، نعم كل من الدولتين تسمي نفسها بالجمهورية، وسنؤكد هنا أن الجنوب نظام جمهوري حقيقي وإن كانت فيه السلطة محتكرة لحزب واحد. لكن إن انتهجنا الموضوعية فالجمهورية العربية اليمنية  قد سميت زيفا بالجمهورية وكانت اتفاقية خمر المشهورة هي نهاية النظام الجمهوري لمصلحة القبيلة والعائلة والمؤسسة الدينية و العائلات الكبيرة التي ضمنت كوتاتها وحصصها في مناصب الدولة بشكل ثابت وريثا عن وريث ولن نعطي أمثلة، لأننا نتكلم عن مبدأ أو حقيقة تاريخية لا يستطيع أحد إنكارها. لذلك فالوحدة لم تقم على إذابة دولتين، بل على ابتلاع الشمال للجنوب، الذي حسم الأمر عسكريا مع الجنوب رغم كل الاتفاقات التي شهد عليها العالم كُلَّه.

جاءت مرحلة ما بعد حرب 1994 تكريسا للنظام الشمالي، وأضيفت إلى النظام، القوى الرأسمالية سواء كانت مدنية أو سياسية أو عسكرية، ووجدوا في خيرات الجنوب ما جعلهم يعيشون أعظم طفرة اقتصادية في تاريخهم.
ثار الشعب في 2011 واسقط صالح و عائلته، وجاء الحوثي بديلا ومعه عائلته وحلفائهم الهاشميون، واستطاع أن يشتت كل أو معظم النظام العائلي العفاشي وحلفائهم، ورافق ذلك بزوغ أنجم عائلات جديدة، وبنيت التحالفات الجديدة فيما بينه وبقية الدولة العميقة. ذلك كان في شمال اليمن.

أما في الجنوب فقد جاء البقايا من نظام صالح، من عسكريين ومدنيين تحت يافطة المبادرة الخليجية ذات المنشأ العائلي، وفي استمرارية غريبة لظاهرة الحكم العائلي؛ لتظهر إلى السطح عائلات جديدة، وكأن الأقدار مستمرئة الحفاظ على الحكم العائلي والسيطرة الاقتصادية لها، فبديل العائلة المبعدة، عائلة جديدة، ليست أقل نهبا للوطن من عائلة عفاش.

من ناحية أخرى وعلى نفس الصعيد، وفي الجنوب تبلورت القوى الحراكية المطالبة باستعادة الدولة الجنوبية عن ولادة المجلس الانتقالي، الذي لم يستطع استيعاب كل الجنوب في تكويناته وتشكيلاته، ليبدو أكثر سعة في رؤيته، فحلت المناطقية بديلا عن العائلة مع ظهور بدايات لتأثير الفكر العائلي على قياداته سياسيا وعسكريا، ونأمل أن لا تستشري لاحقا، مثلما نأمل أن يتحول الجنوب إلى مثلث كبير بحجم مساحة وسكان الجنوب.

في الشمال حتما وأمر مسلم به، تماما أن الحكم الهاشمي الزيدي مسيطر على كل المحافظات المنتمية للشمال، وتبدو بشكل واضح انسيابية السيطرة وعدم مقاومة السكان لتلك السيطرة، ومنها نستنتج أن النظام العائلي مسيطر باقتدار على أكثر من خمسة وعشرين مليونا من البشر، وفيهم الأغلبية السنية.
يتبقى لنا المحافظات المكونة للجنوب وطبيعة النظام الحاكم فيها بافتراض وجوده على الأقل شكليا، هل نستطيع أن نسمي هذا النظام في المحافظات المحررة بالنظام الجمهوري؟
سؤال يمكن الإجابة عليه في تقديرنا بسهولة بناء على معطيات الواقع، شريطة امتلاكنا للموضوعية وفهمنا لعدم وجود فروق كبيرة بين العائلي الجمهوري ورديفه الانتماء المناطقي. نقول قولنا هذا ونحن مُقرُّون بحق الشعوب في اختياراتها لحكامها، عائلات كانت أم جمهورا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى