​زلزال عدن والتحديات القادمة

> تفاجئ العالم بجريمة بشعة تضاف إلى الجرائم السابقة بهطول صواريخ على مطار عدن الدولي بعد هبوط طائرة حكومة المناصفة بين الشمال والجنوب.
تلك الصواريخ سقطت على جموع بشرية مدنية أتت لتستقبل الحكومة العتيدة التي خرجت للتو بعد مخاض عسير. استبشر الناس في الجنوب والعالم أجمع بالتوافق الذي تم على أن تبدأ مرحلة جديدة لتنفيذ بقية بنود اتفاق الرياض، وتوفير الأمن والاستقرار للمناطق الجنوبية المحررة، وتوحيد الجهود نحو إسقاط الانقلاب في صنعاء، وكان نتيجة ذلك سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين الأبرياء.

لم تكن الحادثة الأولى، فقد أطلقت صواريخ في السنوات السابقة نحو تجمعات كثيفة على مناطق جنوبية أخرى في الضالع والعند ومعسكر الجلاء، لكن للأسف لم نسمع عن أي نتائج للجان تحقق في مثل هذه الجرائم، ولَم يقدم أحداً للمحاكمة ولَم نرَ أي إجراءات احترازية لتلافي مثل هذه الحوادث، ومثل هذه الجرائم ترتقي إلى جرائم حرب من المفروض أن يذهب مرتكبوها إلى المحاكم الدولية، وطالما لم تحدد تلك الجهات ولَم يطالها العقاب ستستمر مثل هذه الحوادث، ولهذا على الجهات المسؤولة في الشرعية والتحالف أخذ التحقيق بجدية كاملة بما في ذلك الاستعانة بمحققين دوليين لإظهار الحقيقة وردع المعتدي، فللحرب قوانينها وقواعد اشتباك محددة ومعروفة فمطار عدن الدولي مؤسسة مدنية عالمية يرتادها المسافرون المحليون  والدوليون، وليس ساحة حرب لأحد لتجري تصفية الحسابات فيها.

ماذا كان يعني اتفاق الرياض؟
- بالدرجة الرئيسيّة إعادة ترتيب معسكر التحالف العربي نحو توجيه بوصلته لإسقاط الانقلاب في صنعاء من خلال تحشيد القوات المتواجدة في أبين وشبوة وحضرموت والمهرة، ونقلها إلى جبهات القتال.
- تشكيل حكومة مناصفة بين الجنوب والشمال تقوم بتنفيذ بنود اتفاق الرياض والرامية إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المحافظات الجنوبية المحررة، والقيام بمهام توفير الخدمات ودفع الرواتب وغير ذلك.

إذاً من له مصلحة في تعطيل هذا الاتفاق سنجد أن هناك دوافع كثيرة للتعطيل، منها المحلية والإقليمية، وعلى النطاق المحلي تشير أصابع الاتهام بدرجة رئيسية إلى انقلابيي صنعاء ممثلي طهران في اليمن هذا أولاً، ومن ناحية أخرى تشير إلى تلك القوى العالقة بالشرعية، والتي  كانت تضع العراقيل عند البحث على طاولة الحوار لتشكيل الحكومة، ومنها محاولتها تفجير الموقف في جبهة أبين عدة مرات من خلال خرق اتفاقات الهدنة وعدم الإذعان لسحب القوات من مشارف أبين وفق اتفاق الرياض، وهي تحاول تحقيق مكاسب على الأرض لنسف المفاوضات في الرياض، والتي وجدت لها صدى في إسطنبول والدوحة، وغيرها من القوى التي يفترض أن تضع على طاولة بحث لجنة تحقيق محترفة لإظهار من هو المجرم الحقيقي لينال جزاءه العادل.

وعلى المستوى الإقليمي فهناك ترويكا (طهران، وأنقرة، والدوحة) تعتبر قوى إقليمية أظهرت معارضة واضحة، وتحمل مشاريع سياسية مناهضة للرباعية العربية (الرياض، أبوظبي، القاهرة، المنامة)، والتي تتزعم المشروع العربي في الوقت الراهن ومصلحة الترويكا في تعطيل اتفاق الرياض يكمن في أن تنفيذه يعني بداية انحسار للمشاريع الأجنبية المناهضة للعرب ليس في اليمن وحسب، لكن في المنطقة العربية كاملة.

ما المهام التي على الحكومة القيام بها؟
أمام الحكومة تحديات كبيرة وما عليها إلا أن تقوم بواجباتها في تنفيذ اتفاق الرياض، وعدم استدراجها لوضع العربة قبل الحصان، أو الدخول في المناكفات أو المماحكات غير المجدية. أمامها اليوم أن تقوم بحشد كل القوات التابعة للجيش الوطني من محافظات أبين وشبوة وحضرموت والمهرة نحو الجبهات لتحرير الأرض، ويعتبر ذلك أولوية قصوى وبدون تغيير الموازين على الأرض في مناطق سيطرة الحوثيين لصالح الشرعية، فأي مشاريع سياسية تطرح مستقبلاً سيكون على حساب شرعيتها إذا لم تفرض وجودها على الأرض في جغرافية الشمال.

ومن الناحية الأخرى عليها توفير المرتبات، ودفع المتأخرات منها على وجه السرعة، وأيضاً توفير خدمات لائقة ومستدامة في المناطق المحررة، وقبل كل شيء عليها محاربة الفساد وتثبت ذلك قولاً وعملاً، وعليها جمع كل الإيرادات من المنافذ وكل المناطق، ومنها إيرادات النفط إلى البنك المركزي في عدن، وأيضاً كل الإعانات والهبات والمرتبات التي تصرف للحكومة بالعملة الصعبة تورد إلى البنك المركزي، وتصرف مقابلها مرتبات لهم بالريال اليمني حسب ما هو محدد في لائحة الخدمة المدنية، وهذا العمل اختبار لمصداقيتها ونزاهتها، كما عليها تقليص الكادر الدبلوماسي في السفارات والاقتصار على طاقم صغير في كل سفارة من الكوادر المجربة والضرورية فقط.

مع الأسف.. لم يتعلم أحد من دروس الماضي الأليم وما زال البعض لديه أوهام العظمة والغرور، ويريد أن يستخدم أدوات الاٍرهاب لكي يحقق مصالح سياسية، وما زال البعض يتوهم أنه بإسالة دماء غزيرة للأبرياء يستطيع أن يوقف عجلة التصالح والتوافق والاتفاقات، وهذه مأساة اليمن التي لم تستطع أن تخرج من عنق الزجاجة التي وضعت نفسها فيها. هناك قادة لا يستطيعون التفاهم على حلول وسط أحزاب سياسية تحولت إلى أشباح تلهث وراء تحقيق مكاسب شخصية لقادتها ولا تراعي مصالح الأمة، وأمراء حرب أعجبتهم لعبة الحرب والثراء السريع الفاحش على حساب الأمة ومستقبلها.

السؤال هنا: كيف يتم تنفيذ هذه العملية الإرهابية على مطار عدن الدولي، حيث إن المدنيين سيكونون هم الضحايا، وأن المطار منشأة عامة يمر فيها الجميع بما في ذلك ضيوف البلاد من الأجانب؟. هنا تكمن الكارثة عندما يقرر نفر من شذاذ الإفك تنفيذ عملية إرهابية في وضح النهار، والأدهى من ذلك أن هناك من يريد من الفرقاء السياسيين أن يستغل هذه العملية الإرهابية لتصفية حساباته مع خصمه السياسي دون وازع من ضمير ودون أن يبحث بعمق من وراء هذا العمل الإرهابي ودوافعه ومن يخدم لهذا. يجب أن يترفع الجميع ويعمل بجدية لإظهار  الحقائق للناس وبينهم عائلات الضحايا، ليعرف العالم من يقف وراء الاٍرهاب ومن يدعمه محلياً وإقليمياً ودولياً حتى يتم اجتثاثه من جذوره.

كل واحد يفتش ضميره في داخله أين يقف من هذه العملية الإرهابية التي حصدت أرواح أبرياء؟، وهل نحتاج إلى مزيد من تلك العمليات لكي تصحو ضمائر الساسة المتهورين، والذين لا يضعون مصالح أوطانهم وشعوبهم في مقدمة اهتماماتهم، ومثل هذه العمليات تصب الزيت على نار الحرب المستعرة منذ ست سنوات، وتزيد الفرقة بين مكونات المجتمع، وتلهب مشاعر العنف والعنف المضاد، وكأن هذا الذي ينقصنا في الوقت الراهن.

مهمة تثبيت الأمن تقع على عاتق كل المتواجدين في المدينة من قوات أمنية جنوبية، والتي حررتها من براثن الغزو الحوفاشي، وتحتاج هذه القوات إلى إعادة تأهيل وتنظيم ودمج وطني جنوبي، لكي تقوم بمهماتها على أكمل وجه.
أصبح حكام صنعاء اليوم بعد ست سنوات حرب مهيمنين على الأجواء بامتلاكهم الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية يضربون بها حيث يشاؤون ووقت ما يشاؤون، وامتلكوا ناصية السيطرة والتوجيه لهذه الأسلحة بمساعدة إيران وخبراء حزب الله بدعم مالي قطري، وموجهة على مناطق في المملكة، أو على مناطق في الجنوب والشواهد كثيرة على تنفيذ هجمات قتالية ضد المملكة وضد الجنوب آخرها هجمة المطار الدولي، ولهذا تقع المسؤولية على الشرعية والتحالف العربي لإيجاد وسيلة لحماية عدن والمنشآت الحيوية فيها من تلك الهجمات الإرهابية بالطائرات المسيرة أو الصواريخ البالستية، وحمايتها من أي نوع من الهجمات الأخرى من الجو والبر والبحر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى