عودة الإمامة في اليمن تحت يافطة الجمهورية

> في 19 سبتمبر مات الإمام أحمد والمعروف بطاغية اليمن، وتم تنصيب ابنه البدر يوم 21 سبتمبر من عام 62م، وفِي يوم 26 سبتمبر 62م تمت الإطاحة به من قبل حركة الضباط الأحرار بانقلاب عسكري دعمته مصر بقواتها المسلحة على الفور، وفِي يوم 21 سبتمبر من عام 2014م تم الانقلاب على الشرعية الممثلة بالرئيس الجنوبي هادي من قبل تحالف أنصار الله مع الزعيم علي عبدالله صالح، وعلى الفور اندفعت إيران بقوة لدعم الانقلاب وسيرت لذلك جسرا جويا لم يسبق له مثيل بالتاريخ.

السؤال هل كان سير تسلسل الأحداث صدفةً أم أن ذلك كان مخططاً له حسب مقولة أحدهم بأنهم سيلجؤون إلى إخوة كرام بفارس لاستعادة مملكتهم إن لم تساعدهم المملكة السعودية بذلك؟

تم الانقلاب على هادي الرئيس الجنوبي الذي اختارته النخب المتصارعة في صنعاء كرئيس توافقي انتقالي مدته سنتان تنتهي صلاحياته في 21 فبراير 2014، هل كان الانقلاب استباقا لكي لا يوطد هادي الجنوبي سلطته في صنعاء؟ أو كان ذلك استباقا لعدم تنفيذ مخرجات الحوار الذي يسير نحو تحويل اليمن إلى عدد من الأقاليم حيث ستنتهي سلطة المركز المقدس للطائفة الزيدية في صنعاء؟ وهناك أسئلة كثيرة تحتاج إلى تعمق في تحليلها والخروج باستنتاجات صحيحة لما يجري اليوم في اليمن.

كان الاعتقاد بأن زمن الانقلابات قد ولى وإلى غير رجعة، ولكن في حالة اليمن كان الوضع فريدا لم يستنكر أحد من العالم بل أصبح على أي انقلاب يعلن محاربة الإرهاب والقاعدة والدواعش، وستجد من يتناغم معه ويقول بأن أولوياتهم باليمن هي محاربة الإرهاب، وهذا كأن أول رد فعل من قبل أركان البيت الأبيض الأمريكي في إدارة أوباما، وتوالت الأحداث لنجد بعدها بأن العالم والإقليم باركوا ما تم الاتفاق عليه تحت رعاية بن عمر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، والذي قادهم إلى توقيع اتفاق السلم والشراكة بين الانقلابيين والرئيس وممثلي الأحزاب اليمنية والذي بموجبه تقاسموا الكعكة وكان الخلاف مع الرئيس حول الترتيبات التي ستتم فيما بعد من قبل الحوثيين بشكل منفرد والذي شعر بأنه أصبح أو سيصبح جسراً لتمرير أجندات الانقلابيين، عندها أعلن تقديم استقالته وتم سجنه في منزله مع رئيس حكومته أيضا وجميع الوزراء من أصل جنوبي الذين ظلوا في منازلهم تحت الإقامة الجبرية إلى أن تتم ترتيب السلطة وتقاسمها بين الانقلابيين وبقية أحزاب المشترك.

كيف كان المشهد في ذلك الوقت؟

رئيس سابق حصل على حصانة من أي ملاحقة قانونية خلال فترة حكمه وظل يمارس السياسية من باب زعامة حزبه، وظل تحت إمرته جهاز دولة بما في ذلك جيش مجهز يمثل نخبة القوات المسلحة يقدر بحوالي 54 لواء يحيط بالعاصمة ومدن أخرى تحول تحت إمرة الانقلابيين.
قائد فرقة العسكرية المدرعة الذي أعلن حمايته لثورة الشباب لم يجد أمامه غير أن يفر بجلده وكان تحت إمرته 35 لواء وترك العاصمة والرئيس لمصيرهما. وفي المقابل رئيس توافقي جنوبي لا يملك غير حراسته الشخصية ولا تأتمر القوات اليمنية لا له ولا لرئيس حكومته ولا لوزير الدفاع الجنوبي ولا يملكون غير حراستهم الشخصية.

ما الدلالات والاستنتاجات للوضع؟
من وجهة نظري لا يوجد غير تفسير واحد وهو بأن المركز المقدس قرر مع سبق الإصرار القيام بالانقلاب على الرئيس المنتخب ومخرجات الحوار الوطني، لكي يحافظ على استمرارية سلطته لليمن، وكانت تلك الثنائية من التحالف خاصة، وقد كان واضحا بأن ذلك المركز قد أصبح أقلية في حالة إجراء انتخابات على ضوء الدستور الجديد والذي أدخل عليه إصلاحات غير معتادة من خلال وجود أقاليم متعددة وحكم محلي غير مرتبط بشكل وثيق بالمركز، وبهذا ستكون السيطرة على مفاصل الدولة بيد الأغلبية السكانية سواء كانت على المستوى العام أو على المستوى المحلي، ولن يجد المركز المقدس غير إقليم أزال والذي هو خالٍ من أي ثروات غير الجبال (امحيود) أو حتى من منافذ بحرية، وستكون الثروات الطائلة والشركات والأراضي والبحار والنفط والغاز وغيرها التي تم الاستحواذ عليها من قبل النخب الحاكمة للمركز المقدس عبر السلطة ستذهب من بين أيديهم وسيعودون إلى وضعهم السابق البائس، ولهذا كانت عملية الانقلاب الذي تصالحت فيه القبائل الجمهورية مع ممثلي الإمامة الجدد لتسليمهم الراية ليتقدموا الصفوف في استعادة مركزهم في السلطة وكل الشعارات والتي ظلوا يستخدمونها طوال فترة حكمهم كانت لتضليل عامة الناس أصبحت لا معنى لها وفارغة المحتوى والمضمون.

السؤال ماذا تبقى لنا نحن كجنوبيين أن ننتظر في المستقبل؟ وهذا السؤال موجه لجنوبي الشرعية ولمختلف توجهاتهم بعد كل ما حصل من سجن الرئيس الجنوبي وكل المسؤولين الجنوبيين في الحكومة بمباركة حتى منهم اليوم متواجدين في سلطة الشرعية من الطرف الشمالي الذين ذهبوا إلى فندق موفمبيك لكي يقوموا بنقل السلطة تحت رعاية بن عمر، هل هذا ليس بكافٍ لكي يتم استخلاص الدروس التي يجب أن يتنبه إليها البعض بأن التمسك بالوظيفة أو المصلحة الشخصية لا تؤمن لك وطنا، وأن تلك المصالح الخاصة زائلة، وأن الوطن أغلى وأكبر من كل ذلك؟

مررنا بست سنوات حرب، أول ما قام به الانقلابيون في صنعاء أنهم وجهوا جيوشهم نحو الجنوب وسارت جيوشهم بنفس الدروب التي سارت عليه جيوشهم في غزو الجنوب في العام 94م، ولكن هذه المرة كانت جيوشهم شمالية خالصة ولا يوجد جنوبي مشارك معهم، لأن كل الجنوبيين حسب وجهة نظرهم دواعش وقاعدة، ولكن بفضل الله ثم بسواعد الجنوبيين ودعم التحالف تم تحرير الجنوب خلال ثلاثة أشهر.

هل أحد سأل نفسه لماذا توجهت كل تلك الجيوش إلى الجنوب؟ الجواب بلا أدنى شك هو لحماية المصالح غير المشروعة في الجنوب وليس كما يدعون محاربة القاعدة والدواعش أو حتى من أجل الوحدة، لكن بالمقابل شكلت الشرعية جيشا وطنيا على عجل من الأحزاب والقبائل في المناطق الشمالية وانضمت إليه آلاف مؤلفة خاصة وقد نمى إلى علمهم بأن خزائن دول الخليج قد فتحت لهم وكانت النتيجة أن ذلك الجيش الوطني الذي تقوده الشرعية (الشمالية) لم يستطع تحرير محافظة شمالية بكاملها رغم الدعم الهائل الذي قدمه التحالف حتى وصلت الأمور في نهاية المطاف إلى إخلاء مواقع الجيش الوطني وتسليمه للانقلابيين.

هناك سؤال يطرح نفسه لماذا انحرفت بوصلة الشرعية نحو الجنوب ومتى؟ وهل دعاوي استعادة الدولة في الجنوب كانت مشروعة؟ وهل ذلك كان مبررا كافيا لتسيير الجيوش بما في ذلك عناصر الإرهاب والدواعش نحو عدن؟ أعتقد جازماً بأن تغيير الأولويات بدلاً من إسقاط الانقلاب بدأ منذ سيطرة حزب الإصلاح على مفاصل الشرعية، وهذا كان العنصر الحاسم في خلط الأوراق، كونها فشلت أولاً في العمليات القتالية في الجبهات التي كانت تقودها في جغرافية الشمال، ومقابل ذلك كانت هناك نجاحات في الجبهات التي تتواجد فيها

القوات الجنوبية في جغرافية الجنوب والشمال معاً، وثانيا خوفاً من خروج الجنوب عن سيطرتهم، وبهذا قامت بتوجيه اتهامات ملفقة لدولة الإمارات التي كانت تقف وراء تلك النجاحات العسكرية الجنوبية حتى استطاعت أن تخرجها من الجنوب، واعتقدت أن الجنوب أصبح ممهدا لغزوه من جديد، حيث وجهت الجيش الشمالي مع خليط من أصحاب المصالح الشخصية الضيقة من الجنوبيين الذين يفضلون الوظيفة على الوطن باتجاه عدن، وكادت أن تصل ولكنها واجهت شعب الجنوب وقواته المسلحة، ولم تستطع أن تتجاوز صحراء شقرة.

اليوم وقد وصلنا إلى توافق بين الجنوب والشمال باقتسام الحقائب الوزارية وبغض النظر عن دوافع البعض بترشيح جنوبيين من حصة بعض الأحزاب الشمالية المنشأ لا يغير من حال أن الجنوبي يجب أن يضع مصلحة الجنوب فوق كل اعتبار والوطن أغلى من الأحزاب والوظائف والمصالح الشخصية.

اليوم الجميع أمام المحك إما أن نعيد وضع الحصان قبل العربة وتسير نحو أهدافها المرسومة في اتفاق الرياض، بمعنى أن تقوم الحكومة بجناحيها الجنوبي والشمالي في دفعها إلى الأمام في تحريك قوات الجيش الوطني من أرض الجنوب نحو الجبهات في الشمال، وأن تصرف المرتبات وتدير عملية التنمية بالمناطق المحررة بجدارة، أو أن تنتكس العملية برمتها وتعود حليمة لعادتها القديمة في وضع العراقيل، ومنها إبقاء العربة قبل الحصان وبعدها لا أحد يعرف مدى تطور الأوضاع.

الحكومة إن أرادت أن تنجح عليها تحييد متطلبات الناس من الصراعات والمماحكات السياسية بين الأطراف، وعملها هو انعكاس حقيقي لمن تمثله في هذا الائتلاف وتكشف نواياه في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه وإظهار الجدية في زحزحة الوضع نحو الانفراجة في المناطق المحررة وإدارة الوضع العسكري في المناطق التي ما زالت تحت سيطرة الانقلابيين كمهمتين مختلفتين، وهذه من أعقد المهام التي ستواجهها.

لدى الحكومة ميزة إضافية وهي الاستفادة من أجواء المصالحة الخليجية والعربية التي نتجت عن قمة مجلس التعاون في مدينة العلا بالمملكة العربية السعودية عبر تجفيف منابع الصراع بين الأطراف والتي يجد انعكاسا له في الساحة اليمنية عبر الأذرع التي تنشط هنا وهناك ليصب في مصلحة تأمين سير التوافق الوطني الذي رسمه اتفاق الرياض للمرحلة الراهنة.

اعتماد الإدارة الأمريكية الانقلابيين في صنعاء كمنظمة إرهابية يعتبر سلاحا ذا حدين، إما تستفيد منه الحكومة كما ينبغي أو يرتد عليها بالسلب وستكون هي الخاسر الأعظم، وعليها أن لا تترك حادثة مطار عدن تمر كما مرت الحوادث السابقة، وأن تظهر مصداقيتها بالتحقيق الجاد بإشراك محققين دوليين، وأن تكون جادة في تنفيذ اتفاق الرياض وبالذات التعامل مع متطلبات الجنوب بمسؤولية وهي معروفة للقاصي والداني والتصدي للمهام الكبيرة في المناطق التي ما زالت تحت هيمنة الانقلابيين.

كلمة أخيرة

لا يوجد فائض وقت أمام الحكومة إما أن تخوض صراعا مسلحا بقوام جيشها العرمرم وتحدث تغييرا في ميزان القوى على جغرافية الشمال لإنهاء الإمامة الجديدة المرتبطة بإيران، وإن لم تقم بذلك فلا جدوى لتواجدها
في عدن.

ملحوظة
بعد أن انتهيت من إعداد المقال سمعنا بقرارات رئيس الجمهورية الأخيرة نعتقد أنها لا تتفق مع التوافقات الأخيرة، وستزيد صب الزيت على النار المشتعلة جنوباً وتعطي انطباعا بأن التوجه نحو إسقاط الانقلاب في صنعاء لم يصبح من اهتمام الشرعية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى