"المركزي" ومعركة يكون أو لا يكون

> حكمة قالها الشيخ سنان أبو لحوم في مذكراته في وصف حال أبناء الجنوب أنهم عاطفيون جدا، ينجرون سريعا خلف عواطفهم.

أتذكر ذلك وأنا أرى كثيرا من الناس يندفعون خلف أي دعوة أو منشور يلامس هاجسا لديهم تجاه قضية ما أو شخص معين، وبدون تمحيص أو بحث عن الحقيقة، لمجرد أن الصحفي فلان أو السياسي علان قال أو كتب ضد فلان، أو شن حملة ضد هذه الجهة أو تلك، أو تبنى حملة لإقالة هذا المسؤول من الناس دون، تحقق من القضايا المثارة حوله سوى لغرض في نفس يعقوب... وهذا يقودنا إلى تذكر ما كان يروى عن الإمام أحمد حين دعا شعبه إلى القطرنة، فإذا بهم يتدافعون للتقطرن لمجرد أن الإمام قال لهم ذلك.

واليوم عندما تسال أحدهم لمَ كتبت هذا الموضوع أو أنزلت هذا المنشور؟ يرد عليك: رأيت فلانا كتب، وقال اكتبوا إن هذا المسؤول فاسد. وحين تسأله : هل تعرف هذا المسؤول؟ وهل لديك خلفية عن عمله ومهمة واختصاص مؤسسته؟ يقول لك: لا والله.

احترم كل رأي أو وجهة نظر صادرة من أي شخص صحفي أو إعلامي أو سياسي أو ناشط أو غيره يبدي فيها موقفا موضوعيا صريحا من قضية ما تهم الناس، شريطة أن تكون مبنية على أسس ومستندة على أدلة وبراهين، وتأتي بهدف تصحيح وضع ومساعدة تلك الجهة، وتنبيهها لخلل ما في أدائها، وليس لغرض التشهير والإساءة والنيل الشخصي؛ لأن هذا الشخص ما دخل مزاجي، أو تصفية حسابات وثارات.

راودتني هذه الاستذكارات وأنا أتابع مجموعة التناولات المتشابهة تجاه البنك المركزي اليمني، واتهامات لإدارته بكثير من أوجه الفساد والدعوة لإقالة محافظه ونائبه تحت ذريعة عدم قيام البنك بصرف مرتبات القطاع العسكري والأمني. والمشكلة أن جملة هذه التناولات لم تبين للقارئ والمتابع أي أدلة قانونية أو براهين تستدل بها على ما ذهبت إليه في مطالبها واتهاماتها. وانجر كثيرون خلف هذه المنشورات، وصاغوا على منوالها دون أن يكون لديهم معرفة أو اطلاع أو رؤية وموقف، سوى أن فلان قد كتب في هذا الأمر. مع أن البنك ليس من مسؤوليته توفير الرواتب قدر ما تنحصر مهمته في صرف الرواتب وفق ما يصله من توجيهات من وزارة المالية، التي هي أساسا مسؤولة عن توفير الإيرادات عبر مرافقها المختصة، وإلزام تلك المرافق بتوريدها للبنك المركزي ليتمكن لاحقا من تنفيذ ما يتعلق به من استكمال عملية الصرف.

لا شك أن عمل البنك المركزي ليس كاملا مئة بالمئة، فكل جهد وعمل - وهذه حالة طبيعية- ترافقه بعض الشوائب والقصور، التي يكون مرجعها ظروف وملابسات في ما هو موضوعي منها وفي ما هو ذاتي. لكن هذا لا يعني أن يتم القياس عليها بالنظر إلى حجم العمل والجهد. وأن يتم وفقها الحكم على أداء هذه المؤسسة أو تلك، وبالتأكيد أن البنك المركزي يرافق عمله بعض أوجه القصور أو التعثرات، لكن ينبغي عند تقويم أداء البنك أن نخضع هذا القصور إلى جملة الظروف المحيطة التي يعمل تحت ظلها البنك والتجاذبات السياسية والأمنية، وإلى الوضع الراهن للبلاد، وانعكاسات ذلك، ليس على أداء البنك المركزي فحسب، بل وعلى أداء وعمل كافة قطاعات وأجهزة الدولة، وبالتالي فإنه ينبغي ذكر التحسن والارتقاء في أداء عمل البنك قياسا - مثلا - خلال العامين الماضيين بما قبلهما فيما يتعلق أساسا بموضوع صرف الراتب المرتبات التي يراها كثيرون بيت القصيد. مع أن هناك قضايا ذات جدوى وأهم، ويمكن أن ينعكس أثرها الإيجابي لاحقا على مجمل القضايا، مع تحقيق النجاح والتقدم فيها.

اعترف أني لست خبيرا مصرفيا، وليس لدي اطلاع واسع على وضع البنك المركزي وظروفه، ولكن لدي من المعلومات الكافية ما يجعلني أقول وبثقة إن البنك المركزي يخوض معركة حاسمة ليكون أو لا يكون، في ظل كثير من قوى متربصة وأشواك وأحجار عثرة وأكوام رمال متحركة تقف في الضد. وأي إخفاق في هذه المعركة، وإن كانت ثمارها المجنية بطيئة، فإنها بلا شك ستقع معاناتها وويلاتها على رأس الجميع، ولن يتضرر منها نفر محدود كما يظن البعض.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى