"الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة".. من عين للشعب إلى أداة بيد الحاكم

> تقرير/ عبدالقادر باراس:

> تبعية الجهاز للرئاسة حوله من جهة محاسبة إلى جهة "مسامحة"
في كلمته التي ألقاها رئيس الوزراء د. معين عبدالملك، خلال اجتماعه مع قيادة الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في يناير المنصرم بعدن، يبرز وعود الحكومة في محاربتها للفساد، ومحاولة كسب ما تبقى من ضعف ثقة الشارع بفقدان مصداقيتها طوال العقود الثلاثة، عندما قال: "الفرصة باتت متاحة الآن كجهاز رقابي بعد تشكيل الحكومة الجديدة لترجمة التقارير والملاحظات على أداء أجهزة ومؤسسات الدولة إلى واقع عملي، ومحاسبة المقصرين والفاسدين عملياً، وتطبيق ذلك على الجميع من دون أي استثناءات أو اعتبارات، ولن يكون هناك أي مبرر من الآن لغياب الجهاز في أي وحدة حكومية، وأي جهات تحاول عرقلة أعمالكم، يمكنكم إبلاغنا، ومرحلة عمل الحكومة الحالي هي تعزيز النزاهة ومحاربة الفساد بجميع أنواعه المالية والإدارية بشكل حاسم لا مساومة فيه، الحكومة حريصة على دعم استقلالية عمل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ومنظومة الشفافية وبكل الوسائل لترسيخ مفهوم النزاهة كقاعدة، والفاسدون لن يجدوا بعد اليوم مظلة لحمايتهم، أو مراكز قوى تتستر على أفعالهم المدمرة والمضرة بالوطن والمواطنين، وإلى أهمية أن يرتبط برنامج الحكومة بالنتائج ويلمسها الناس، لأنها ستعطي الثقة للمواطنين".

هذا، الكلام لدى الشارع ليس بجديد ولا يخرج عن دائرة التسطيح والتنظير كونه متجاهلاً أو غير مدرك لواقع الجهاز نفسه ومدى قدرته فعلاً على ترجمة تلك الأقوال إلى أفعال، وبات محسوباً في السياق الاستهلاكي بالإعلام، كأن الحكومة تظهر مساعيها ببناء الدولة ومحاربتها للفساد، وهي ما زالت دون عتبة الأمم بعد أن تحوّلت مؤسساتها إلى أوكار للفساد.

الجميع يعلم بأهمية ومكانة الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، كسلطة رقابية تمكنها في محاربة الفساد بمختلف أشكاله بكل مرافق أجهزة الدولة، إلا أن من أبرز المعوقات الهيكلية في عمل الجهاز أنه لم يكن يوماً واقعاً تحت جناح السلطة التشريعية كما هو معمول به حتى في أعتى النظم الشمولية في العالم، بل هو خاضع لرئاسة الجمهورية، مما أفقده استقلاليته ليتحول معها من عين للشعب إلى أداة بيد حاكم، ومؤسسة لم تنتج سوى الفساد طوال الثلاثة العقود السابقة تستخدم فيها الجهاز فقط لغرض عقاب المناوئين والمخالفين لها، ومع كل التقدير والاحترام لكوادر الجهاز الكفؤة والمخلصة، إلا أنه لم يقم مهامه على مدى الثلاثة العقود الماضية، وأصبح في أحسن الأحوال مجرد جهاز صوري تغيرت وظيفته من رقابة ومحاسبة إلى "رقابة ومسامحة" لم نشهد في تاريخه فاسداً يحاسب ولا سارقاً يعاقب ولا مهملاً يساءل.

وإزاء هذا الوضع يتساءل المواطن، ماذا حقق الجهاز في مراقبته للأداء الإداري والمالي في جميع مؤسسات الدولة؟ كونه بقي مقتصرا في عمله على الأمور الشكلية والروتينية الإدارية المعتادة دون مكاشفة ومجاهرة الفاسدين، حيث تم تعطيل صلاحيات الجهاز منذ بداية الوحدة في الثلاثة العقود الماضية ولم يكن مستقلاً، نتيجة خضوعه للمؤسسة الرئاسية، وبقي دوره صورياً تقاريره دورية جوفاء لم يخرج تأثيرها عن حاجز الحبر التي تطبع بها، وإنفاق نثريات على حضور اجتماعات ومؤتمرات وسفريات وورش وكلام، بينما الفساد مستشرٍ في كل مؤسسات الدولة.

وقد أفاد عدد من الموظفين في فرع عدن، الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم، أن وضع الفرع مزرٍ للغاية، فالفنيون العاملون في الميدان لا يتجاوز 10 % من إجمالي الموظفين الموجودين في كشوفات الراتب، بينما البقية هم متقاعدون ومتوفون، بالإضافة إلى جيش الموظفين الإداريين من مدراء وسكرتارية ومراسلين وحراس، مما كان له أثر سلبي على أداء الفرع وتراجعه في السنوات الأخيرة وخاصة التي تلت الحرب عن أداء واجباته على أكمل وجه، ناهيك عن تعرض مقر الفرع للسلب والنهب خلال وبعد حرب 2015م. وهو بحاجة إلى رفد فرعه بموظفين مستجدين لشغل الوظائف الفنية في الجهاز مثلما عمدت قيادة ومحافظة حضرموت في العام 2017م بتوظيف نخبة من الشباب ليتولوا مهام العمل، وكان من المفترض أن يتم فتح باب الوظائف لأبناء المحافظات المحررة لشغل الوظائف، كون فروع الجهاز في مكاتب المحافظات بحاجة إلى موظفين مؤهلين، وليس إحلال موظفين من خارج المحافظات، خاصة أن رئاسة الجهاز تُعتمد لها ميزانية ضخمة.

وقد تأمل الجميع خيراً بانتقال رئاسة الجهاز إلى العاصمة المؤقتة عدن كغيرها من وزارات وهيئات ومؤسسات الدولة بعد الانقلاب الحوثي في صنعاء، إلا أن رئاسة الجهاز لم تغير من هذا الواقع السيء شيئاً، بل مما زاد الطين بلة هو تكالب أبناء المحافظات الشمالية على رئاسة الجهاز، وانتقلت معهم عقلية الفساد الذي كان مستشرياً في رئاسة الجهاز بصنعاء، حيث يتم صرف لهم ما يسمى نثريات ومواصلات عند كل مهمة عمل دون غيرهم من أقرانهم في فرع عدن وغيرها من الفروع في المحافظات المحررة، وقد وصل التمايز الواضح للموظفين العاملين في إطار الجهاز الواحد حتى في صرف إكرامية رمضان والعيدين والمواصلات المقطوعة في غير مهام العمل، بالإضافة إلى الإضافي المقطوع الذي يصل إلى عشرات الآلاف، في حين لا يتجاوز ما يستلمه الموظف في فرع عدن (2500 ريال يمني) فقط إضافي مقطوع ناهيك عن تمتع كافة الموظفين الذين يأتون من المحافظات الشمالية ببدل سكن، وكأنه تدمير ممنهج لفرع عدن وإزالته من الوجود، ثم إغراق الجهاز وتوطينه بأبناء المحافظات الشمالية، حيث لم يستفد من موازنة الجهاز التشغيلية التي تم إعادة صرفها إلا تلك الفئة القليلة الذين لم يضيفوا أي شيء لواقع العمل ولم يأتوا إلا من أجل "اللهف والهبر" كما يقول أحد الموظفين في فرع عدن، ولم تتخذ رئاسة الجهاز أي إجراءات لتغيير هذا الواقع المزري لفروع الجهاز لأعلى المستوى المهني أو الوظيفي.

وقد حاولت "الأيام" معرفة نشاط الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في ظل وضعه الحالي ما بعد الحرب، والصعوبات والمعوقات التي تواجه سير عمله، ووضع تلك المشاكل والتساؤلات على رئيس الجهاز، وتقدمت الصحيفة بطلب خطي للقاء برئيس الجهاز فضيلة القاضي أبوبكر السقاف، ومديرة الفرع في عدن الأستاذة علوية بن بريك، وطرح أسئلة واستفسارات لهما، وبعد محاولات عدة، فشلت الصحيفة الأمل بالاستجابة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى