أمريكا والحرب باليمن والأمل في تصحيح الأخطاء

> للتذكير فقط، عندما سيطرت جماعة أنصار الله بالتحالف مع الزعيم علي عبدالله صالح على السلطة في صنعاء كان أول رد فعل الإدارة الأمريكية الديمقراطية بأن الذي يهمها في اليمن فقط هو محاربة الإرهاب، وكان قد صرح الانقلابيون أنهم في طريقهم إلى عدن لمحاربة الدواعش والقاعدة، هكذا قرروا أن شعب الجنوب كله دواعش وقاعدة وكأنهم ابتلعوا الطعم وكانت الكارثة.

في الساعات الأخيرة من عمر الإدارة الأمريكية الجمهورية تتخذ قرارا بتصنيف حركة أنصار الله كمنظمة إرهابية، وهذا يذكرنا بمبادرة كيري التي أطلقها أيضا قبل مغادرة إدارته الديمقراطية في نهاية عام 2016، وكل إدارة تعرف أن ذلك لن ينفذ وبمجرد تبدل إدارة أخرى تصبح هذه القرارات في خبر كان وأصبحت اليمن لعبة بين الإدارتين، وها هي الإدارة الجديدة مددت أولاً شهرا لعدم تنفيذ أي إجراءات ضد الحركة الحوثية باعتبارها منظمة إرهابية وبعدها سرعان ما تم إلغاء تصنيفها كمنظمة إرهابية حتى إنها تخلت عن ورقة هامة بيدها يمكن استخدامها في الضغط على الحركة للقبول بالتسوية أو حتى استخدامها في مفاوضاتها القادمة مع إيران كورقة ضغط عليها في حوارها حول أزمتها النووية مع العالم ومشاكلها مع المحيط الإقليمي، ولا أحد يعرف ما معيار الإرهاب إذا لم يكن من ضمنها ضرب للتجمعات البشرية بالصواريخ والطائرات المسيرة كما حدث بالجنوب وآخرها مطار عدن الدولي، وفي السعودية ضرب منشئات أرامكو النفطية وآخرها مطار أبها الدولي.

أخذت الإدارة الأمريكية الديمقراطية الجديدة على عاتقها وقف الحرب في اليمن وتناست بأنها كانت داعمة للحرب عند اندلاع عاصفة الحزم عبر مشاركتها بالدعم اللوجستي وتدفق الأسلحة للتحالف، وأيضاً ساهمت عبر مجلس الأمن في استصدار قرارات عدة، فاليمن أصبح في قلب الأزمة التي نشأت وتحولت إلى صراع إقليمي الذي يعبث بالجيوستراتيجيات العالمية ويحدث تغييرا خطيرا في الجيوساسات الإقليمية، وهذا ما نتج عن إطالة الحرب بدخول لاعبين جدد ويصبح من الصعب إيجاد حلول لنهاية هذه الحرب لتعدد واختلاف الأجندات للاعبين.

تعتقد أمريكا بأنها صاحبت قرار الحرب ويبدو أن لديها أوراق ضغط على المتحاربين وحلفائهم، وقد أعلنت بعض الإجراءات منها عدم التعاون في العمليات العسكرية مع التحالف في مجال اللوجستي المتنوع ومع وقف تدفق الأسلحة، ولا نعرف ما هي وسيلة الضغط على أنصار الله والتي لم تعلن عنها أمريكا حتى الآن، وفِي نفس الوقت عينت مبعوثا أمريكيا خاصا لليمن، ولا أحد يدري لماذا تأخرت أمريكا عن اتخاذ مثل هذه المواقف وخاصة وقد كانت نفس الإدارة الحالية قد دعمت التحالف في تنفيذ عاصفة الحزم مع علمها بأن إيران تقف إلى جانب أنصار الله بكل إمكانيتها منذ البداية ولَم يكن ذلك بخافٍ على أحد، ومع ذلك لم يتدخل أحد غير بعض التصريحات هنا وهناك، حتى إن الرئيس هادي كان لديه تأكيد من الإدارة الأمريكية عبر سفيرها بأن لا أحد سيتدخل لإعادته إلى السلطة، وهذا ما صرح به أثناء وجوده في عدن، ولهذا كان مترددا في اتخاذ خطوات جادة لمجابهة الخطر القادم من الشمال، وكما أن بيانها الذي أصدرته لأول وهلة يوحي بأن أنصار الله وحلفاءهم مكلفون لمحاربة الإرهاب، وَلَكِن بعد اندلاع عاصفة الحزم جرى إصدار الكثير من القرارات الدولية لصالح الشرعية بموافقتها كعضو أساسي في مجلس الأمن، وكل تلك القرارات كانت مع وقف التنفيذ واستمرت إيران بإمداد الأسلحة لأنصار الله، وكل حركة في البر والبحر والجو في منطقة العمليات القتالية في اليمن جميعها تحت المجهر ولم يتم اعتراض إلا الشيء اليسير منها، كما لم يتم إطلاق سراح وزير الدفاع ورفاقه، كما كنا نشاهد نفس الإدارة تهرع لتقديم المبادرات عند ما يكون أنصار الله في مأزق للتنفيس عليهم وممارسة الضغط على الشرعية والتحالف وأبرزها منع القوات الجنوبية من تحرير الحديدة والتذرع بالعوامل الإنسانية.

بعد حرب ست سنوات ماذا استجد؟ تمكنت حركة أنصار الله من تثبيت وضعها على الأرض وخاصة بعد أن أظهرت الشرعية عدم جديتها وضعفها في استعادة العاصمة صنعاء وتراخي المجتمع الدولي معها بعدم ممارسة الضغط أو تنفيذ القرارات التي أصدرها مجلس الأمن، وخلال السنتين الأخيرتين توقفت العمليات العسكرية بين الشرعية وأنصار الله بل تمت انسحابات من الجبهات التي تديرها الشرعية ولم تتبقَّ من الجبهات المشتعلة غير التي توجد فيها قوات جنوبية في الضالع والساحل الغربي مع مشاركة حراس الجمهورية والمقاومة التهامية، والسؤال مع من سيتم وقف إطلاق النار أو وقف الحرب إذا الشرعية قد أوقفت الحرب منذ أكثر من سنتين؟

الجميع يجنح للسلام حتى الشرعية التي تم الانقلاب عليها بالقوة، طيب ليش هذا السلام ما كان موجودا منذ الوهلة الأولى وتكون الشرعية ومن يدعمها قد وفروا كل الدماء التي سالت والخراب والدمار الذي حل باليمن وكان من البداية تحجز الشرعية مكانا لها على الطاولة وتدير حوارا بناء وهادفا لحقن الدماء وغير ذلك؟ والسؤال الآخر ليش الشرعية مصرة على إدارة الحرب بالجنوب وتراق فيه الدماء حتى اليوم؟ لماذا لا تنحو نحو السلام مع الجنوب وتدعوهم إلى الحوار الجاد؟ مع الأسف لا أحد يصدق ما يدور في اليمن، سلام مع من طرد الشرعية من العاصمة صنعاء، وحرب مع من أعاد للشرعية شرعيتها، ولهذا أي وقف للحرب دون إيجاد حلول جادة وعادلة للقضايا اليمنية ومنها القضية الجنوبية يعني نقل الحرب إلى الجنوب بتفويض أممي ودعم إقليمي خاصة والشرعية التي يسيطر عليها حزب الإخوان المسلمين لا يأبه اليوم لما يدور في مأرب مِن معارك وهي على وشك السقوط بأيدي أنصار الله ولَم يحرك جندي واحد من الجيش الوطني الرابض على منابع النفط والغاز في حضرموت وشبوة أو في منطقة شقرة لحماية مأرب من السقوط، ولكنه حرك الألوية لدعم حصار عدن وإسقاطها، ولا أحد يفهم لماذا يتماهى التحالف العربي والمجتمع الدولي مع الشرعية على هذا السيناريو الخطير؟

لم نجد في إحاطات المبعوث الدولي التي يعرضها دوريا لمجلس الأمن أي إشارات جادة تجاه الجنوب أو ما يجري عليه من حصار من قبل الشرعية حتى البيان المشترك الذي أعده لوقف الحرب تجاهل ما يجري في الجنوب، ونأمل ألّا يكرر المبعوث الأمريكي هذا الخطأ الفادح وأن ينظر بعين واقعية وأمينة لتطلعات شعب الجنوب ومعاناته وحقه في العيش بأمن وسلام مع جيرانه الأقربين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى