محلج القطن بأبين.. مؤسسة اقتصادية دمرتها الحروب والعبث

> تقرير/ عبدالله الظبي:

> يعد محلج القطن بمحافظة أبين أول محلج في جنوب الجزيرة العربية والخليج العربي، تأسس في عام 1954م تحت إشراف لجنة أبين الخاصة بمنطقة الدلتا أبين، يقع محلج القطن في منطقة الكود بمديرية خنفر والتي تبعد عن العاصمة زنجبار بنحو 12 كيلو، وبلغ عدد العمال فيه عند افتتاحه 200 عاملا وعاملة في عهد الاستعمار البريطاني، حيث تولى طاقم بريطاني إدارة المحلج عند افتتاحه.

يرتكز عمل المحلج على حلج القطن وتنقيته وإعداده للتصدير، ويقوم المزارعون بتسليم إنتاجهم من القطن إلى إدارة المحلج وبدوره يقوم بتصدير القطن بعد حلجه وتنقيته من البذور ووضعه في قوالب خاصة يصدّر من خلالها إلى الخارج بالعملة الصعبة (الدولار)، حيث يعد القطن أحد أهم المنتجات الزراعية ذات القيمة الاقتصادية. إلى جانب حلج القطن (الذهب الأبيض) وتصديره يقوم المحلج بالاستفادة من بذور القطن لاستخراج الزيوت المفيدة منها ومشتقات أخرى لا تقل أهمية عن الزيوت.

وقد استمر المحلج في نشاطه تحت إشراف لجنة دلتا أبين التي شكلت من قبل حكومة اتحاد الجنوب العربي إبان حكم الاستعمار البريطاني حتى عام 1974م، عقب الاستقلال تم إلغاء لجنة أبين وضم المحلج إلى وزارة الزراعة، وكان ذلك من القرارات الارتجالية التي أثرت على سير إنتاج المحلج، لكنه تجاوزها بعد حصوله على تسهيلات لاستمرار نشاطه كمؤسسة مستقلة، وظل يرفد خزينة الدولة بالعملة الصعبة من عائدات القطن بعد تصديره إلى الخارج.

في كل موسم إنتاج يستوعب المحلج المئات من العمال بالأجر اليومي، نظرا لكثافة العمل ويكفل أسرا كثيرة ليس لها دخل ثابت ويعتمد أربابها على هذا المحلج فضلاً على الموظفين الثابتين في فيه.

نهب وتخريب
عام 2000م قررت الحكومة خصخصة المحلج، ولقي قرار مجلس الوزراء في حينه معارضة من قبل المزارعين الذين عبروا عن رفضهم للخصخصة، واستمر العمل في المحلج حتى العام 2011م؛ العام الذي وقعت فيه حرب مدمرة شهدتها محافظة أبين، ووجد ضعفاء النفوس فرصة سانحة للانقضاض على هذه المؤسسة ونهب محتوياتها من مكائن وآلات عمل ومستودعات وحراثات وسيارات، لتصبح الإدارة خاوية على عروشها، بل تعدى ذلك إلى التخريب المتعمد لمكائن محلج القطن وأخذ قطع نحاسية صغيرة منها قيمتها زهيدة جدا ولكنها خربت مكائن وآلات قيمتها ملايين الريالات.

ومنذ العام 2011م يعاني المحلج من دمار كبير وفقدان آلات ومعدات، واضطر العاملون فيه للبحث عن مصدر عيش آخر، وأصبحت حياتهم المعيشية في مهب الريح.

معوقات متعددة وخسائر تجاوزت مليار ريال
محمد سالم
محمد سالم
محمد سالم عاطف، مدير عام محلج القطن، تحدث لـ "الأيام" قائلا: "كان يتم تشغيل 600 من الأيادي العاملة في المحلج عند المواسم إلى جانب موظفي المحلج الذين وصل أغلبهم إلى سن التقاعد ولم يتبق منهم إلا 15 موظفا فقط".
وتابع حديثه قائلا: "قام المحلج بحلج 36 مليون رطل في عام 1965م أيام الثورة الصناعية والزراعية في عهد الرئيس سالم ربيع علي (سالمين)، ومن ثم تصديرها، وفي سنوات الأخيرة قل الناتج السنوي إلى 3 ملايين رطل فقط".

وأضاف: "المحلج كانت لديه أموال وأصول ولكن في العام 2011م تم نهب هذه الأصول والمعدات الثقيلة الخاصة به، وفي العام 2014م تم إعادة تشغيل المحلج، ولكن الحرب الأخيرة في العام 2015م التي شنتها جماعة الحوثي أعلنت لجنة دلتا أبين الإفلاس وعجزت عن دفع رواتب الموظفين، حيث قام المزارعون بزراعة حوالي 2000 فدان من القطن ولم يجدوا من يقوم بشرائها منهم حتى تم تعيين محافظ المحافظة اللواء أبو بكر حسين سالم الذي ساهم في تشغيل المحلج بشكل تدريجي وشراء القطن من المزارعين، وبدفع رواتب الموظفين".

مدير المحلج في حديثه لـ "الأيام" أشار إلى تضرر المحلج بشكل كبير بسبب الحرب، وقال "إن خسائر المحلج تجاوزت المليار ريال"، وأضاف: "نطالب رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، والسلطة المحلية، والمنظمات الدولية العاملة في البلاد منها مركز الملك سلمان للأعمال الإنسانية والهلال الأحمر الإماراتي والهلال الأحمر الكويتي وغيرها من المنظمات بأن تساهم في إعادة تأهيل المحلج، كما نطالب بصرف رواتب الموظفين".

أهم المؤسسات الاقتصادية
حسن هودي
حسن هودي
من جانبه قال نائب مدير محلج القطن علي حسن هويدي: "محلج القطن كان من أهم المنشآت الصناعية التي تم تأسيسها أيام الاستعمار البريطاني، حتى عند افتتاحه الرسمي كان طاقم الإدارة بريطانيين ونحن نعمل إلى جانبهم".

وأضاف "كان الرئيس سالمين يقوم بزيارة المحلج القطن كل يوم ويتفقد عمل المحلج، وغرف الصيانة، ويسأل ما هي طلباتكم من معدات الصيانة؟ ثم يقوم بتوفيرها، حتى إننا في يوم من الأيام قلنا له لقد اكتفينا من المعدات وهناك فائض، فيرد علينا سوف تأتي أيام تحتاجون لهذه المعدات، وفعلا جاء هذا اليوم، نحن إلى الآن نقوم بصيانة بعض المعدات من الأدوات التي قام بتوفيرها الرئيس سالمين".

وتابع: "تعرض محلج القطن إلى النهب في الحرب العام 2011م، وتعرضت معداته الثقيلة للنهب والتلف، والآن يتحاج إلى وقفة جادة لإعادة تأهيله من قبل الجهات الحكومية من أجل العمل فيه"، مضيفا: "قام المحافظ أبوبكر حسين سالم بإعادة تأهيل بعض المعدات ودفع رواتب الموظفين بعد توفقها وصرف حوالي 35 مليون رواتب، ولكن بسبب الأحداث الأخيرة توقفت الرواتب، ونحن من هنا ندعو الجهات المختصة إلى سرعة الالتفات لمعاناة الموظفين الذين بذلوا جهودها في هذا المحلج منذ تأسيسه".

وأردف "نحن في المحلج القطن نعاني الكثير، وإذا أرادت الجهات المختصة انتشال المحلج وإعادته إلى سابق عهده عليها وضع خطة زراعية".

غياب الدعم الحكومي
عوض سعيد
عوض سعيد
من جهته قال عوض سعيد المروح، مشرف في المحلج: "محلج القطن هو فرع من هيئة تطوير دلتا أبين وكان إنتاج القطن ناجحا بدرجة عالية جدا، وهذا الأمر أعطى حافزا كبيرا للمزارعين وفي العام 2000م جاءت لجنة دلتا أبين تعمل بشكل جديد ومنظم، وعملت على تحفيز المزارعين على زراعة القطن بدرجة كبيرة، وكانت محطة جعار رئيسية ومحطة الكود المحطة الثانية لاستقبال القطن، وعملت لجنة دلتا أبين على توفير رواتب للموظفين من موارد المحلج".

وأضاف: "كان القطن في السابق يزرع بكثرة، نتيجة توفير البذور من قبل المحلج إلى جانب التسهيلات التي يتلقاها المزارع من قبل هيئة تطوير دلتا أبين سابقاً، وكذا الحصول على قرض أولي في بداية الموسم الزراعي، وبعد مرور شهرين من الزراعة يتم إعطاء القرض الثاني للتعشيب وتصفية القطن من أي شوائب، ليكون القطن نظيفا وينتج محصولا أوفر، وعندما تنتهي هذا المرحلة يتم جني القطن بكميات كبيرة إلى المحلج وعلى الفور يتحصل المزارع على نقوده مع خصم ما عليه من قرض".

وقال المروح: "زراعة القطن في الوقت الحالي أصبحت مكلفة جداً، ويجد المزارع صعوبة في زراعته، ونتمنى من الدولة دعمنا بالمشتقات النفطية وتوفير الحراثات".

وأضاف: "في العام 2017م تم إعادة العمل في المحلج بطريقة تدريجية بجهود مبذولة من قبل العاملين فيه، والمزارعين الذين قدموا لنا خدمات كثيرة في توفير القطن والذي يعتبر أهم سلعة نقدية حيث قمنا بالعمل التدريجي، واليوم قمنا ببعض الأشياء مثل توفير الأكياس الخاصة بالقطن، والمحلج سوف يتعافى ويكون في حالة جيدة، لكن هناك أيضا مشكلة تكمن في ارتفاع أسعار البذور والأسمدة الخاصة والتي يواجه المزارع صعوبة في شرائها، بالإضافة إلى المبيدات والتي هي الأخرى ارتفعت أسعارها بشكل خيالي".

صعوبات كثيرة
ناصر حاتم
ناصر حاتم
المزارع ناصر حاتم تحدث لـ "الأيام" قائلا: "نحن المزارعين المنتجين للقطن نواجه صعوبات كثيرة أولها سعر القطن وأيضا ارتفاع أسعار الوقود (ديزل)، ونتمنى أن تخصص الدولة دعما من أجل توفير طاقة شمسية وأسمدة ومبيدات خاصة بزراعة القطن".
وأضاف: "منتوج القطن طويل التيلة يوجد في ثلاثة أماكن بالعالم في أبين ومصر والسودان، وكان في السابق يدر دخلا كبيرا على الدولة بالعملة الصعبة، ونتمنى من الحكومة الالتفات إلى قضية إنتاج القطن ودعم زراعته".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى