قرف وزعل سياسي

> الناس، كل الناس تتكلم في السياسة، ولكنهم يتكلمون بقرف وزعل. يريدون أن يفهموا، ولا يريدون أن يفهموا، يريدون للأسئلة أن تظل عالقة، فكلما أعطيتهم جواباً على أي سؤال يهزون رؤوسهم، وبعد أقل من خمس ثوان تولد إجابتك عشرة أسئلة جديدة أو أنهم من خلالها يقطعون عليك كلامك، ويقولون لك بالفم التعبان: ما أظن.

والحقيقة كل الحقيقة أن حالة الخوف والحروب المتتالية في بلادنا، وعدم الاستقرار والترقب الدائم والاستنفار، تولد عند الناس حالة قرف، شجن، زعل غير طبيعية من السياسة والسياسيين. ومن يفهم أربع كلمات في الاقتصاد، وغيرهم، وهم يملؤون يومهم وليلهم على فضائيات تزف اليهم القتل والدم والخطف والخراب والدمار الذي لا ينتهي بعد كل أزمة حرب، آسف، بعد كل (زفة) وليست أزمة حرب واقتتال لا لشي إلا على المصالح (وكرسي الحكم) الملعون.

وحقيقة الأمر لا أعلم ما الشيء الذي من الممكن أن يتحول إلى معجزه ويستطيع أن يخرج الناس من حالة النكد والقرف والمحن هذه، ولا أعلم إذا كانت الناس بالفعل تريد من هذه الحالة أم أنها تصادقت معها وأحبتها، ولا يهون عليها العشرة، لان العشرة لا تهون إلا على أولاد الحرام البلاطجة، وهم بنظر أنفسهم أولاد حلال.

ولكن الذي أعلمه جيداً أننا معلقون، نسير على الأرض والأرض لا تشعر بنا، نتطلع إلى السماء والسماء بعيدة جداً، والدوامة والحالة المزرية التي خلفتها لنا الحروب منذ نهاية عام 1967 حتى يومنا هذا لا نزال نتجرعها ونكابدها هي غطاء الناس، وفراشهم التوهان، وفطورهم وغداؤهم وعشاؤهم وكل الضحك الذي ترونه ما هو إلا (حلاوة روح تبكي من الألم) وكيف لا يبكي وعمره هرم منذ أكثر من خمسين عاما، وهو في هذه الترهات والضياع.

كم أكرهني وأنا وبلادي في هذه الحالة المزرية، ولكنه القرف والحنق يصب علي طاقته السلبية، فاعذروني، فأنا لا أملك صنع الأحلام.

هل تعرف متى يمكن أن ينجح أهل بلادي ومتى يفشلون؟ المسالة ليست شهادات، مع أننا بلد شهادات، حتى لو كانت دكتوراه، وليست خبرات وعبقريات، لأننا كلنا خبراء وعباقرة، وليست ظهور مسنودة، لأننا جميعاً -والحمد لله- مسنودو الظهر، لذا نقول لمن يفهم ومن لا يفهم أن المسالة الحقيقية في النجاح أو الفشل هي الإيمان بروح الفريق الواحد، فلا نجاح من دون الاقتناع بأن الأداء المتكامل والمنضبط هو السبيل الوحيد وغير ذلك فإن الفشل سيكون هو النتيجة الوحيدة.

انظر إلى حالنا، روح الفرقة حلت محل روح الفريق، والنتيجة طبعاً تراها في كل مكان مع استثناءات قليلة. نحن في حاجة شديدة إلى أن نتعلم كيف نعمل بروح الفريق، وأن ننسى كل صراعاتنا وهمومنا وخلافاتنا، وأن ننسى طموحاتنا الشخصية إذا تصارعت مع طموحات الجماعة، وأن ننسى عبارة أنا ومن بعدي الطوفان. يا بني آدم روح الفريق أفضل ألف مرة من طلوع روح الفريق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى