حضرت الجيوش وغاب الوطن

> حصل ذات يوم أن فتحت المذياع للاستماع للأخبار، وحصل أن مررت على بضع محطات مختلفات الانتماء، وجميعهن كن يمنيات المصدر. كل محطة كانت تذكر معارك الجيوش الوطنية في بعض المناطق، و ماهي إلا دقائق حتى اختلط لدي الأمر عن هذه الجيوش الوطنية، واختلط الحابل بالنابل، فما عدت أميز أي هذه الجيوش هو الوطني... مع علمي أن وطني ضائع منذ عقود. قررت أن أعيد الحسابات و أن أجري تعدادا لهذه الجيوش الوطنية التي امتلكت اسم الوطن في غيابه إن لم أقل في ضياعه.

بدأت باسم الله حساباتي ووجدت أن لدينا "جيشا وطنيا" يزعم وجوده وتبعيته للرئيس منصور، وهو منتشر في المناطق التي تسمى محررة من الحوثيين، ويصر على مواجهة قوات المقاومة الجنوبية أينما وجدت في أرض الجنوب.

"جيش وطني" ( يتمركز في الساحل التهامي) يزعم وجوده وتبعيته لابن أخ الرئيس السابق عفاش، ويواجهه من الطرف الآخر(جيش وطني) آخر يتبع حركة أنصار الله و من والاهم من أهل المذهب الزيدي وغير الزيدي من الشوافع أو حتى ممن هم بدون مذهب، لكنهم مقتنعين بقتال أي طرف آخر معاد لحركة السيد عبدالملك.

و"جيش وطني" (هو في حقيقته خليط من كل الحركات الإرهابية المتأسلمة كالقاعدة وداعش ومن على شاكلتهما)، يزعم وجوده وتبعيته لحزب الإخوان المتأسلمين (يتمركز في شبوة وشقرة وتعز وأرض الصبيحة في محافظة لحج) أو كما يسمون أنفسهم بحزب الإصلاح مهمته الرئيسة مواجهة المقاومة الجنوبية أينما وجدت وحيثما حلت.

"جيش وطني" صدرت أوامر رئاسية بتكوينه حديثا، من أصحاب الأجر اليومي يزعم وجوده وتبعيته للشرعية يتم تجميعه في أماكن مختلفة لا سيما في محافظة شبوة، ويتم توجيهه إلى جبهة مأرب و جبهة شقرة على دفعات.
"جيش وطني" يزعم وجوده وتبعيته لعبدالملك الحوثي، ينتشر على حدود محافظة البيضاء، ومهمته قتال كل من لا يدين بالولاء للحوثية، أي الشرعية والمقاومة الجنوبية.

"جيش وطني" من أبناء مأرب الذين يقاتلون الحوثي دفاعا عن أرضهم، وتزعم الشرعية أنهم يتبعونها وأنها من تقودهم، و"جيش وطني" يتمركز في صحاري حضرموت منذ سنوات ما قبل الحرب، ومهمته الحفاظ على حقول النفط التابعة للصوص البلاد من الدولة السابقة، وكذا مقاتلة المقاومة الجنوبية المطالبة بتحرير الأرض والانعتاق من ربقة الاحتلال الشمالي.

أما المقاومة الجنوبية (هكذا كانت تسميتها خلال حرب 2015 وحتى تمام عملية تحرير عدن ولحج وأبين وشبوة وحضرموت) فلم تدعِ أنها جيش وطني بالمفهوم اليمني الشمالي أو حتى بالمفهوم التحالفي الذي يعشق مسمى "الجيش الوطني" لسبب مرضي (نفسي) في تقديري، ومعروف تفسيره ألا وهو الإيحاء الذاتي (لنفسه) بأن ما يقوم به التحالف من أمور - مدمرة في معظمها - إنما هو عمل وطني قومي - ويخدم أمن الوطن الجار الذي لا يجب تركه وحيدا في المعركة الدونكيشوتية المسماة عاصفة الحزم والجمل، وفي رواية أخرى الحزم والأمل.

نقول المقاومة الجنوبية التي حققت النصر العسكري الوحيد للعاصفة، والتحالف اكتفت باسمها الجنوبي وصفتها المقاومة، وكان من الممكن إبقائها تحت نفس المسمى، وتحت قيادة واحدة وهيكل واحد، غير أن (الرفاق) في التحالف أبوا إلا أن يفككوا التسمية وأن يجزئوا الجسد الواحد إلى أعضاء مبتورة، وتشتيت الأجزاء إلى قيادات فردية يتم أدلجتها، كل على حدة، حتى تسهل عملية إخماد أي ثورة أو تحرك لها إذا ما تعصت هذه المقاومة على الإخضاع لها من قبل الحليف، لا سيما وهو من يسأل (بضم الياء) عن كل شيء يحدث في البلاد بموجب التفويض الأممي، وهذا ما أثبتته الأيام، بل الأشهر الأخيرة، حينما أوقف التحالف صرف المرتبات لقوات المقاومة في حركة لا تفسير لها سوى أن تفكيك هذه القوة وإلغائها، أمر استراتيجي للتحالف واجب التنفيذ.

نقول، وبالله التوفيق، إن الأحلام لا تشبه الكوابيس، وإن عين الشمس لا يمكن إخفاؤها بواسطة غربال، وإن من لا يفهم لغة نضال الشعوب لا يمكنه استيعاب مفردات حقائق التاريخ وقوانين فلسفة الكون. ستتبخر كل هذه "الجيوش الوطنية" كما يتبخر الماء في الصحراء، ولن يبقَ سوى الحق وأهل الحق شهودا على ثبات إرادة الحياة، وسيزهق الباطل الطاغي على حياتنا، وستنتصر إرادة الشعب وحقه في الحرية والسيطرة على أرضه، وبناء الدولة الجنوبية، فالحق هو اسم الخالق الذي لا يأتيه الباطل من أي جهة كانت، شرقية أم غربية، ولكن بعض الناس لا يفقهون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى