مأرب.. حرب الدولة الرخوة

> خالد الحمادي

> أصبحت محافظة مأرب اليمنية الجبهة الأكثر سخونة عسكرياً والأكثر اهتماماً في الأوساط السياسية والمهتمين بالشأن اليمني، مع استماتة الحوثيين للسيطرة عليها خلال الفترة الأخيرة، وضخّهم للسيل الجرار من المقاتلين الذين ينتهون لمجرد اقترابهم من أسوار محافظة مأرب، المصونة بسياج قبلي متين ومتماسك، بالإضافة إلى الحضور العسكري القوي للقوات الحكومية.

منذ مطلع الشهر المنصرم، والحوثيون يكررون المحاولة تلو المحاولة، والهجوم بعد الهجوم، والإصرار بعد الإصرار على إحداث أي خرق في جدار جبهة محافظة مأرب، غير أنهم لم يتمكنوا من تحقيق أي تقدم نحو مدينة مأرب، مركز المحافظة، التي تمثل الحضور الأبرز للحكومة الشرعية عبر سلطتها المحلية.

ولم يكن هذا التصعيد العسكري الحوثي على محافظة مأرب هو المحاولة الأولى من نوعها للسيطرة عليها من قبل مقاتلي الحوثي، بل ربما تكون المرّة الألف منذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر عام 2014، غير أنها المحافظة المنيعة ببنيتها القبلية القوية، التي رفضت التمدد الحوثي منذ البداية، وأثبتت عملياً أنها أقوى من أن تنهار أمام جحافل الحوثيين التي أصبحت مقبرة لهم، وشهدت سقوط أغلب المقاتلين الحوثيين في جبهاتها المتواصلة منذ بداية الحرب الراهنة. استخدمت جماعة الحوثي كافة الأسلحة والخطط العسكرية لاقتحام مدينة مأرب والسيطرة عليها، لرمزيتها الكبيرة بصفتها حاضنة للدولة وللقوات الحكومية، وأيضاً لاحتضانها أهم حقول النفط والغاز ومصافي تكرير النفط اليمني.

وإذا كان مقاتلو جماعة الحوثي عجزوا عن اقتحام مأرب في السابق أمام صمود أبنائها من القبائل عندما خذلتهم الدولة الرخوة، أصبحت مأرب اليوم أكثر صموداً ومنعة منها في السابق، لأنها أصبحت ملاذاً لكل اليمنيين الذين تعرضوا للاعتداء والاضطهاد من قبل ميليشيا الحوثي، وبالذات في مناطق الشمال، وأصبحت جبهة مأرب تمثل جبهة لكل اليمنيين الذين يرون في مأرب بيتهم الأخير الذي قرروا الاستماتة في الدفاع عنه أكثر من استماتة الحوثيين في السيطرة عليه.

وأوضحت مصادر عسكرية أن «الأمواج الهادرة من ميليشيا الحوثي تنهار أمام عواصف الصمود لقوات الجيش الوطني المسندين برجال القبائل والمقاومين الأشاوس في محافظة مأرب».

وأوضح أن «الحوثيين تفرغوا لمعركة محافظة مأرب، لاعتقادهم بأنها ستكون معركتهم الأخيرة، ولاعتقادهم بأن سقوط مأرب سيسهم في سقوط رمزية الحكومة الشرعية، غير أن الوضع الميداني والواقع على الأرض ليس كما يصوره الإعلام الحوثي من انتصارات، حيث أثبتت المواجهات أنهم ينتحرون أمام الأسوار المنيعة لمحافظة مأرب، بدليل الكم الهائل من الجثث والقتلى الذين تشيعهم جماعة الحوثي يومياً في المناطق التي تسيطر عليها».

ولجأت جماعة الحوثي إلى استخدام الأسلحة الحديثة والصواريخ والطائرات المسيرة، واستعانت بخبراء عسكريين إيرانيين ولبنانيين من حزب الله، غير أن جميع محاولاتها باءت بالفشل، مما اضطرها إلى قصف المدنيين في المناطق الآهلة بالسكان في مدينة مأرب انتقاماً من هذه المحافظة التي أوجعت الحوثيين كثيراً، واستخدمت القصف على المدنيين وسيلة لممارسة الضغط على الحكومة الشرعية.

وتشير التقارير الإخبارية إلى أن محافظة مأرب بما فيها من مخيمات النازحين المدنيين الذين لجأوا إليها من مختلف المناطق اليمنية، أصبحت هدفاً شبه يومي للقصف الحوثي المكثف بالصواريخ والطائرات المسيرة، التي لم تراعِ فيهم حقوق الإنسانية والأعراف والتقاليد وقواعد الاشتباك في أثناء الحروب التي تضمن سلامة المدنيين وعدم ارتكاب أي اعتداءات عليهم وعلى ممتلكاتهم وعلى أعيان المدنية عمومًا.

وفي هذا الصدد، تعرضت الأحياء السكنية في مدينة مأرب، أمس، لقصف حوثي أسفر عن مقتل وإصابة عدد من المدنيين بصاروخ باليستي أطلقته ميليشيا جماعة الحوثي على حي الروضة في مدينة مأرب.
وذكر مصدر حكومي محلي لـ «القدس العربي» أن مدنياً على الأقل فارق الحياة وأصيب سبعة آخرون جراء سقوط صاروخ باليستي، يعتقد أن الحوثيين أطلقوه من جهة منطقة العاصمة صنعاء، وانفجر بحي الروضة السكني شمالي مدينة مأرب.
وأوضح أن ميليشيا الحوثي «تمارس قصفاً عشوائياً على المدنيين والمناطق الآهلة بالسكان في محافظة مأرب بشكل عنيف ودون مراعاة لحرمة دماء المدنيين، حيث أصبحت مدينة مأرب تحتضن أكثر من مليوني نازح من الذين فروا من قمع وتسلط ميليشيا الحوثي من مناطق سيطرتهم».

"القدس العربي"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى