​الجنوب بين حُلمين.. خبزٌ واستقلال!

> قمعُ التظاهراتِ والاحتجاجاتِ الشعبية الناقمة على الوضع المأساوي الذي وصلتْ إليه عدن؛ من تعطيلٍ للخدمات وارتفاع الأسعار وقطع المرتبات.. منهجٌ إرهابيٌ سقطتْ بسببه دكتاتوريات وأنظمة، ولنا في نظام صالح وما ارتكبه، في عدن، من جُرْمٍ واستبدادٍ خيرُ عِبْرةٍ.
الاستقواءُ بالآلةِ العسكرية لتكتيم الأفواه ومنع التعبير عن الرأي وإبداء المواقف السياسية جريمةٌ تنتهك الحقوق الدستورية للمواطنين، فما بال منع المواطنين من المطالبة بالخبز والماء والكهرباء والعلاج؟!.. انتهتْ هنا في عدن تلك التظاهراتُ ذاتُ المطالبِ السياسية والمشاريع الكبيرة، وتبددتْ تلك الأحلامُ الوردية باستعادة الوطن وسيادة الدولة وانتزاع الحرية والكرامة والعَلَم والهوية، قدّم أبناءُ عدن والجنوب دماءً وتضحياتٍ جساماً لأجل تلك "الأحلام الكبيرة"، بيد أنها تراجعتِ اليومَ لتغدوَ الكرامةُ مجردَ كسرةِ خبزٍ، والوطنُ منزلاً يصله التيارُ الكهربائي سويعاتٍ في اليوم، والحريةُ باتت آمالاً بمرتّبِ يُصرفُ كلَّ شهرٍ، والهويةُ لم تُعد إلا أضغاث أحلام تصارع أشباحَ الجوعِ والفقر والمرض.

مَن قدّم دماءً في سبيل تحقيق تلك "الآمال الكبيرة" وصبر وجَالدَ وقاوم آلةَ القمع، واستبسلَ في وجه النظام اليمني، ثم وقف بعدها مقاوماً ومقاتلاً شرساً أمامَ جحافلِ الاحتلال التي غزتْ الجنوبَ في العام 2015 فكسر شوكتها وأخرجَها من عدن والجنوب تجرُّ أذيالَ الخيبة صاغرةً ذليلةً منهزمة.. لن يكونَ عاجزاً اليوم عن انتزاع لقمة العيش من بين فكي الظَلَمَةِ والمتجبّرين، ولن يبقى متخاذلاً أمامَ هذه السياسات الممنهجةِ التي يُرادُ منها إشغالُ الإرادة الشعبية في الجنوب بالبحث عن الخبز والماء والكهرباء والعلاج بدلاً عن "الأحلام الكبيرة"، وسعياً لتعقيد المشاريع الوطنية التي ثار لأجلها شعبُ الجنوب وكان له شرف الانتصار في إسقاط نظام أهلك الحرثَ والنسل في الجنوب والشمال طيلة 33 عاماً.. مَنْ تجاوزَ كلَّ تلك الخطوب والمكائد سيكونُ أكثرَ قدرةً على أن يصيرَ كُتَلاً من اللهبَ والحِمم لحرق المتلاعبين بقوْتِه ومعيشته، وسيبقى مارداً في وجه كل آلةِ قمع أياً كان انتماؤها وهويتها. نعم فقد أثبتتْ تجاربُ السبعة والعشرين عاماً الماضية، منذُ احتلال الجنوب، أن الأرض هنا تنبتُ رجالاً موهوبين في صُنعِ النصر من صلب الهزيمة ذاتها؛ لهذا فسياسيةُ التجويع والإذلال، هنا في عدن، لن تكون إلا سوطاً يُضرب به على ظهورِ المواطنين الذين لا يفهمونَ مِن هذا "الضرب" سوى رسالةٍ واحدة مفادُها: أن ثوروا على الجوع وانتفضوا ضد العبث وتمرّدوا على المتلاعبين بالعيش والمعيشة.. رسالة مضمونها: أن انتبهوا لـ "أحلامكم الكبيرة" وانتزعوا "مشاريعكم العظيمة" فذاك ضمانٌ للأحلام الصغيرة وديمومة لها.. رسالة فحواها: أن الوطنَ، وما يرتبطُ به من حريةٍ واستقلال وطرد الاحتلال ورفض التبعية، هو الخبزُ وهو الماءُ والكهرباء وهو العيش بكرامةٍ وعزة.
كلُّ الأطرافِ، بدءاً بعنجهية الشرعية وتمرّدها مررواً بخُبث التحالف والنكوص بتعهداته وانتهاء بتخاذل الانتقالي.. شركاءٌ في جريمةِ تجويع الشعب الجنوبي، وجميعُهم جناةٌ مباشرون للفعل الإجرامي بحق المواطنة والحياة والإنسانية؛ لذا كان لابدَّ من ماردٍ شعبي في وجه "الجناة"، وها هو هذا المارد بدأتْ أصواتُه تتعالي في صحوةٍ تجاوزت عدن إلى عددٍ من محافظات الجنوب، ولم تبقَ الآن من عِبْرةٍ إلا مواقفُ "الجناة الثلاثة" مِن صرخاتِ الجياع، فمَن سينتصرُ لهم؟ ومَن سيقمعهم؟ ومَن سيتحايل على مطالبهم بالتسييس والتزييف والاستغلال؟!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى