> تقرير/ بسام القاضي
- قدوم أكثر من 100 ألف لاجئ سنويا يزيد من هشاشة المخيمات
- المساعدات الأممية لا ترتقي للمستوى الإنساني
- تفرقة عنصرية داخل خيام اللجوء
تضيف "عايشين بين البلاليع والمجاري والكداديف، النامس والذباب فوقنا، ومابش أكل زي الناس يدوا لنا سلة غذائية ويخلونا بين شهرين وشهر ونص بدون غذاء، لا حمامات ولا عيشة زي الناس، جابونا للمنطقة هذه، ارتموا علينا هنا لا عشش وبيوت زي الناس ولا شيء ونحن على هذا الحال عايشين ".
الطفلتان (م.ع) 11عامًا و(ل.ق) 9 أعوام تحدثن لمعد التقرير أثناء تواجدهن أمام أحد خزانات مياه الشرب التابع لأحد المنظمات الدولية في مخيم الشعب غربي عدن عن انعدام المياه الصالحة للاستهلاك الآدمي، وأن وجدت حد قولهن فهي مالحة وتسبب لهم أمراض تحسسية وجلدية يوافقهن في ذلك الشاب العشريني يحيى الصغير نازح في المخيم ذاته، فيما يشكو النازحان فاطمة خضر أم لثلاثة أطفال وعمر فتيني أب لولدين و3 فتيات من التمييز العنصري والنظرة الدونية تجاههم كونهم من الفئات المهمشة النازحة من الحديدة إلى عدن، ويتم استثنائهم من الحصول على المساعدات الإنسانية من قبل المنظمات الإغاثية حد قولهم.
وتشير تقديرات المنظمة الدولية للهجرة إلى أن 18 مليون شخص في حاجة ماسة إلى مساعدات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في اليمن.
المهاجر الإثيوبي عبدالسلام في العقد الثاني من العمر هو الآخر يتحدث عن عدم حصوله على أي مساعدات إنسانية منذ وصوله إلى اليمن قبل عام ونيف، وينوي الهروب نحو السعودية حيث استقر به الحال في عدن، مشيرًا بأنه يتم التعامل معهم بنظره دونية من قبل المنظمات والمجتمع المضيف، ولم يتم تقديم العون لهم وهم يعيشون في الجولات والشوارع من دون مأوى أو إغاثة تذكر وهو ما تم ملاحظته أثناء النزول الميداني لمواقع وتجمعات المهاجرين الأفارقة .
يشير عبدالسلام بكلتا يديه وهو يرفع خرقة بيضاء مبللة تستخدم في غسيل ومسح السيارات بأحد شوارع مدينة الشيخ عثمان، "كله رجال ونساء أثيوبيين كثير هنا ننام في الرصيف تحت الأشجار".
"ما في حد يساعدنا هنا منظمات ما في ماء أكل خيام ما في ليش كذا، نحن مش بشر، خافوا الله نحن مسلمون" يقول عبدالسلام بغضب وانفعال .
في حين يشير وديع التهامي 31 عامًا أحد النازحين من محافظة حجة إلى عدن بأن تفجر مياه الصرف الصحي وتكدس القمامة داخل المخيمات تشكل مصدر قلق ورعب للنازحين، خصوصًا مع انتشار جائحة كورونا والأوبئة والحميات الفيروسية والأمراض المعدية التي شهدتها عدن مؤخرًا وهو ما رصدته عدسة الكاميرا بالصور والفيديو في تلك التجمعات المكتظة غرب عدن الساحلية .
حسن لاجئ صومالي يعيش في عدن منذ سنوات ويقطن حي البساتين، أكبر تجمع للاجئين الصومال في المدينة الساحلية، هو الآخر يشكو انعدام المياه وانقطاعها لفترات طويلة، لافتًا بأن المنظمات العاملة في إغاثة اللاجئين لا تقوم بواجباتها بشكل مستمر، وأنهم يعانون كثيرًا من تأخر المياه والمساعدات الإنسانية على الرغم من امتلاكه بطاقة لاجئ من الأمم المتحدة، كما يشكو من التعامل معهم بعنصرية من قبل السكان خصوصًا أثناء انتشار فيروس كورونا في الحي حد تعبيره.
ووفقًا لمصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة "DTM"، فقد نزح أكثر من 170 ألف شخص في اليمن خلال العام المنصرم، استقبلت خلاله محافظة مأرب أكبر عدد من النازحين، تليها الحديدة والضالع وتعز، بينما كانت أعلى ثلاث محافظات من حيث فرار النازحين هي الجوف ومأرب والحديدة.
وأكد الموظف الأممي محمد عبدالله منسق المياه والإصحاح البيئي في المنظمة الدولية للهجرة - مكتب عدن، بأن العديد من مواقع التجمعات السكانية تفتقر إلى المياه النظيفة أو الصرف الصحي الآمن وهذا يعني أن النازحين معرضون لخطر الإصابة بالأمراض المعدية مثل فيروس كورونا.
وأوضح بأن المنظمة تقوم بالتنسيق مع شركائها لتحسين الوصول إلى خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في مواقع النزوح.
وقال :"المنظمة تقدم خدمات دعم وإدارة المخيمات لـ 66 موقعا للنزوح في تعز وإب ومأرب، مما يعني أننا نساعد في تحسين الظروف المعيشية في المواقع مع دعم تنسيق المساعدة الإنسانية لأولئك الذين يعيشون هناك، كما نقدم أيضًا إمكانية الوصول إلى المياه النظيفة ودعم الصرف الصحي وتقديم الخدمات الصحية والمأوى ومواد الإغاثة لبعض هذه المواقع وغيرها في مختلف أنحاء البلاد كجزء من استجابتنا الطارئة للأزمة".
وأشار إلى أن مواقع النزوح في اليمن في الغالب هي مواقع صغيرة منتشرة بعيدًا عن بعضها البعض، مما يجعل من الصعب تقديم المساعدة لهم، "بالنسبة لمواقع النزوح الأقرب إلى المناطق الحضرية فهي في بعض الأحيان أكبر حجمًا ولكن عادة ما تكون مزدحمة ولذا لا تزال توجد فجوة في المساعدة وغالبًا ما تكون هذه الاحتياجات ماسة".
وأفاد بأن "الإبلاغ عن معدلات فيروس كورونا في اليمن منخفض، لذا فإن التأثير الحقيقي على المجتمعات بما فيها تجمعات النازحين لا يزال غير معروف، ومع ذلك، ونظرًا لأن مواقع النزوح غالبًا ما تفتقر إلى خدمات النظافة الأساسية ويمكن أن تكون مكتظة، فقد استبقت المنظمة التأثير المحتمل للفيروس على النازحين من خلال إجراء جلسات توعية وزيادة إمدادات المياه النظيفة ومستلزمات النظافة وتوفير حقائب حماية للحالات الضعيفة وذلك لإبقائها آمنة في المواقع التي نعمل فيها".
وفي معرض رده على مزاعم المنظمة اتخاذ تدابير وقائية لتحسين الوضع ومساعدة النازحين على حماية أنفسهم من موجة فيروس كورونا الثانية يقول عبدالله بأن المنظمة تواصل دعم النازحين في المواقع التي تعمل فيها في مختلف أنحاء اليمن وذلك لضمان قدرتهم على حماية أنفسهم بشكل أفضل من أمراض مثل فيروس كورونا المستجد.
وعن التحديات التي تواجه عملهم في اليمن يشير عبدالله إلى أن الوصول إلى المجتمعات المحتاجة في اليمن لا يزال يمثل التحدي الأكبر نتيجة الصراع والبيروقراطية، "نحن بحاجة إلى أن نكون قادرين على الوصول بشكل أفضل إلى المجتمعات لتقليل المعاناة، بالإضافة إلى ذلك فإن الاحتياجات مرتفعة للغاية في اليمن مقارنةً بمصادر التمويل التي تقلصت خلال العام الماضي أو نحو ذلك، ويأتي هذا عند ازدياد الحاجة إلى الدعم، لذا فإنه يتوجب على المجتمع الدولي أن يتقدم لدعم لهؤلاء المحتاجين".
ومنذ الإعلان رسميًا عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا في 10 أبريل 2020 م وحتى سبتمبر الماضي فقد بلغ عدد الحالات المؤكد إصابتها بكوفيد 19 التي تم الإبلاغ عنها في اليمن 2,034 حالة، مع 588 حالة وفاة مرتبطة بالمرض وفق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية – أوتشا.
وتذهب الدكتورة زُهى السعدي طبيبة عناية مركزة في مركز الأمل لعلاج فيروس كورونا إلى القول: "من أهم عوامل انتشار كوفيد-19 هو التزاحم "عدم التباعد الاجتماعي" وقلة النظافة ومصادرها ومن أهمها الماء، ونقص المناعة بسبب الأمراض المزمنة وغيرها من العوامل التي قد تزيد من تصاعد الوباء للمرة الثانية".
وقالت السعدي أن الوضع قد يكون أشد خطورة في التجمعات السكانية المكتظة؛ لأن إعداد النازحين وتنسيق سكنهم يجعل عدد كبير يسكن في الخيمة أو المنزل الواحد، إضافة إلى عدم مقدرتهم على استخدام الماء بحرية للحفاظ على النظافة "كون مصدره محدود داخل المخيمات"، وكذا عدم اهتمام النازحين بصحة القاطنين من ذوي الأمراض المزمنة ومتابعتهم لرفع المناعة لديهم لمواجهة تحديات الموجة الثانية من الفيروس التاجي .
وطالبت السعدي المنظمات المهتمة بهذا المجال بضرورة رفع الوعي الثقافي والتعليمي للنازحين من خلال دورات تثقيفية عن المرض وأعراضه وتعريفهم بالأماكن الصحية التي تستقبل المصابين بأعراض تنفسية، وتوفير مصدر ماء ثابت وأدوات نظافة بشكل مستمر، وتحقيق التباعد الاجتماعي من خلال توسيع البناء الداخلي للمخيمات والأسر القاطنة فيه، والكشف الطبي الدوري والمتابعة لأصحاب الأمراض المزمنة، مشددة على أهمية استدامة توعية النازحين بشكل دوري واطلاعهم أكثر عن أعراض مرض كوفيد-19 وكيفية انتقاله وعدم تصديق الإشاعات والاعتماد في تلقي المعلومات من مصادرها الموثوقة .
د. ياسمين باغريب رئيسة مبادرة أنا متطوع أنا مستعد وهي "مبادرة توعوية تطوعية" أنشأت مع ظهور كورونا في اليمن، تؤكد هي الأخرى بأن مخيمات النازحين في محافظتي عدن ولحج واليمن عامة تفتقر للمياه الصالحة للشرب والنظيفة، وكثيرًا ما تضطر الأسر النازحة لإرسال أطفالها لجلب المياه من أماكن أخرى على الرغم من عدم صلاحيتها للاستخدام الآدمي، وتضطر لاستخدامها على الرغم مما يترتب عليها من مخاطر وأضرار صحية، فضلًا عن صعوبة الحصول عليها.
وأضافت: "عكفت مبادرة (أنا متطوع أنا مستعد) في تنظيم العديد من الأعمال في إطار نشاطها التوعوي في مخيمات النازحين بمحافظتي عدن ولحج إبان جائحة كوفيد-19 العام الماضي، والموجة الثانية لهذا الوباء، ووجدت المبادرة أن مخيمات النازحين في المناطق المذكورة تعاني العديد من الصعوبات، كانعدام المياه ومواد النظافة الصحية، وضعف الوعي، التي تشكل أكبر التحديات التي تواجه النازحين في المدينة، خاصة وأن التباعد الاجتماعي يعد ترفًا في هذه المخيمات التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة وأهمها النظافة العامة والصرف الصحي، وعدم توفر مياه صالحة للشرب في ظل انتشار فيروس كوفيد-19 وغيرها من الأوبئة والأمراض المعدية".
ودعت باغريب في سياق تصريحاتها، الجهات المعنية والمنظمات الدولية العاملة في إغاثة النازحين إلى تحمل مسؤوليتهم الأخلاقية والإنسانية لتوفير المياه ومواد النظافة لتلك المخيمات، وتكثيف الجهود التوعوية والتثقيفية بشأن مواجهة الموجة الثانية لكوفيد-19 المستجد في أوساط النازحين ومساعدتهم لتجاوزها بتوفير ولو جزءا من هذه الخدمات الأساسية.
ولا تقتصر مشكلة "انعدام المياه" على النازحين اليمنيين وحدهم فقط والذي يصل عددهم ما يزيد عن 3.6 مليون نازح ونازحة بحسب بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" حيث يقاسمهم المعاناة ذاتها اللاجئون والمهاجرون الأفارقة؛ إذ تستضيف اليمن 280 ألف لاجئ وطالب لجوء معظمهم من الصومال بنسبة 96 % وإثيوبيا 3.6 % وفقًا لإحصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين - مكتب اليمن.
وفي كل عام تشهد اليمن عبور ما يزيد عن 100 ألف مهاجر أفريقي "لا نظاميين" غالبيتهم من المهاجرين الإثيوبيين الذين يتخذون من السواحل اليمنية نقطة عبور نحو السعودية ودول الخليج، وبحسب المنظمة االدولية للهجرة فقد وصل اليمن العام ما قبل الماضي 138 ألف مهاجر بمتوسط شهري من 10 آلاف إلى 12 ألف مهاجر أكثر من 90% منهم قدموا من إثيوبيا.
بدوره يقول نجيب السعدي مدير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بأن مدينة عدن الساحلية تضم ما يقارب 15 ألف أسرة نازحة عدد أفرادها بحدود 95 ألف نازح ونازحة تتوزع على 25 مخيم وموقع، أغلب النازحين فيها فارين من محافظة الحديدة والساحل الغربي غربي اليمن ومحافظة تعز ومحافظة الضالع وسط البلاد .
ولفت السعدي إلى أن محافظة مأرب شرقي اليمن - أكثر المحافظات اليمنية استقبالا للنازحين - حيث تضم ما يقارب 2 مليون نازح، مشيرًا في الوقت نفسه بأن الهجوم العسكري الذي تشنه جماعة الحوثي على مأرب سيفاقم الأوضاع الإنسانية الصعبة للنازحين ويهدد حياة مئات الآلاف من النساء والأطفال بالتشرد مجددًا.
ويوجد في محافظة مأرب أكثر 315 ألف أسرة نازحة عدد الذكور منهم يفوق 400 ألف والإناث 429 ألف، بينما يزيد عدد الأولاد عن 535 ألف والفتيات 535 ألف أي أن إجمالي عدد النازحين في المحافظة الشرقية وحدها يزيد عن 2.2 مليون نازح ونازحة بحسب إحصائيات الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، وأغلب نازحيها فارين من محافظات غرب وشمال اليمن، مأرب والجوف والبيضاء وصنعاء وحجة وصعدة وعمران وذمار .
ويعيش اليمن الذي تطحنه الحرب منذ سبع سنوات أسوأ أزمة إنسانية في العالم؛ إذ يحتاج أكثر من 20 مليون شخص "ما نسبته 80 % من إجمالي عدد السكان" بحسب الأمم المتحدة لمساعدات إنسانية ماسة .
*أنتج هذا التقرير بدعم من المركز الدولي للصحفيين ومشروع فيسبوك للصحافة.