"استوكهولم" تحمي ظهر الحوثيين في هجومهم على مأرب

> منذ توقيع اتفاق "استوكهولم" بين الأطراف اليمنية والمعني بدرجة رئيسة بإيقاف إطلاق النار في الحديدة في ديسمبر (كانون الأول) عام 2018، لم تتوقف الحرب في جبهات المدينة يوماً واحداً بين القوات المشتركة اليمنية وقوات الحوثيين، إلا أنها حصلت تحت مسمّى خروقات وانتهاكات للهدنة، يتبادل الطرفان المسؤولية عنها.

لكن بمتابعة مستجدات الحرب هناك، والأخبار التي ترِدُ من طرفَي الصراع اليمني، يلاحظ أن هذا الاتفاق وضع حدّاً بنسبة كبيرة لإطلاق النار والمواجهات، على الرغم من بعض المخالفات الجسيمة بين فترة وأخرى كالقصف الذي استهدف مبانٍ وأحياء سكنية داخل المدينة الساحلية وفي مراكز مديرياتها، راح ضحيته عشرات المدنيين، إضافة إلى قصف بعثة الأمم المتحدة المشكّلة بموجب الاتفاق ذاته ومقر اجتماعاتها في الحديدة وتقييد تحركاتها.

لكن في المحصلة أسهم هذا الاتفاق في تحييد هذه الجبهة عن قائمة أولويات الجماعة التي تسيطر على شمال اليمن، في حين وضعت لها أولويات جديدة متعلقة بمأرب ومحاولة انتزاعها، في الوقت الذي تتولى الاتفاقية مهمة حماية ظهرها أثناء التقدم بحيث لا تضطر إلى مواجهة جبهة الساحل التي تحتشد خلفها قوات يمنية كبيرة.

حشد وراء خط استوكهولم
مرت الحديدة ومديرياتها بحالة من اللاحرب واللاسلم، عمل الطرفان خلالها على التحشيد والتدريب والاستعداد لمعركة مؤجلة لا يعلم أحد متى تحين مع رفع الجاهزية واليقظة لساعة انهيار الاتفاق، وبلغت هذه الحالة ذروتها بداية العام الجاري مع هجوم شنه الحوثيون لتحرير عدد من عناصرهم ظلوا محاصرين في مركز مديرية الدريهمي منذ سريان وقف إطلاق النار بموجب استوكهولم، الذي سمّي نسبة إلى العاصمة السويدية التي استضافت المحادثات بين الأطراف اليمنية.

وتم بموجبه إيقاف المعارك بعدما كانت القوات المشتركة على وشك إحكام السيطرة على المحافظة وموانئها، إذ شقّت مسارها على الطريق الساحلي من لحج إلى الحديدة.

القوات المشتركة التي تتألف من فصائل عسكرية، هي حراس الجمهورية ويقودها طارق صالح، نجل شقيق الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، وألوية العمالقة ويقودها أبو زرعة المحرمي، إضافة إلى الألوية التهامية وهي كتائب من أبناء مناطق تهامة، تلقّت جميعها التدريب والتسليح من جانب تحالف دعم الشرعية في اليمن.

زحفت هذه القوات في 2018 سريعاً إلى الشريط الساحلي، لتمتدّ سيطرتها على أجزاء واسعة من المديريات جنوب محافظة الحديدة، فتصل إلى مطار وجامعة الحديدة، وشارعَي الخمسين وصنعاء، وتسيطر على بعض أحياء المدينة، إضافة إلى وجودها في التحيتا ومركز مديرية حيس ومديرية الدريهمي والخوخة، وأجزاء من مديرية بيت الفقية، وبعض المديريات التابعة إدارياً لمحافظة تعز مثل المخا والوازعية وموزع وباب المندب وأجزاء من مديرية البرح.

أسهمت هذه المعارك حينها في إبقاء جبهات القتال ضد الحوثيين في حالة سبات ولم تتحرك إلا معارك طفيفة وغير استراتيجية في صعدة باقم والضالع، قبل أن تدعو الأمم المتحدة وبضغوطات دولية الأطراف اليمنية إلى الاجتماع في العاصمة السويدية ليعقدوا هذا الاتفاق الذي أقرّ مخرجات عدة، كان أهمها تجميد الجبهة ووضع موانئها تحت الإشراف الدولي، إضافة إلى عملية كبيرة لتبادل الأسرى.

فرص تحريك الجبهة
وبعد مرور عامين من اللاسلم واللاحرب واشتعال حدة المعارك في جبهات مأرب، التي بات الحوثيون على أسوارها، تزايدت الدعوات إلى نقض اتفاق "استوكهولم" وتحريك جبهات الحديدة، بخاصة بعدما أسهم فتح الشرعية جبهات جديدة ضد الحوثيين في تعز والجوف بتخفيف الضغط على المحافظة النفطية.

غير أن مثل هذه الدعوات بنظر عسكريين تلاقي صعوبات عدة، فبحسب أصيل السقلدي، رئيس المركز الإعلامي لألوية العمالقة، وجّهت قيادة القوات المشتركة في الساحل الغربي الدعوة إلى الحكومة بإسقاط هذا الاتفاق، لأن الأمر بيد الحكومة اليمنية التي وقّعت عليه في 2018. وأضاف "بعد إسقاط الاتفاق سياسياً من قبل الحكومة، نحن واثقون من قدرات قواتنا في تحرير الحديدة وهي التي كانت على وشك تحقيق ذلك قبل سنوات، وستربك الحوثي في كل الجبهات. وبتحريرها كاملة تبدأ نهاية ميليشيات الحوثي".

وبنظر السقلدي، فإن إسقاط الاتفاق يجب أن يكون فاتحة أي معارك ضد الحوثيين لأنه "تحوّل إلى غطاء استخدمته الميليشيات أولاً للبقاء في مدينة الحديدة ومينائها بعد أن كانت على وشك خسارتها". ويردف "هذه المظلة مكّنتها من تعزيز وجودها في الحديدة، فاستطاعت نقل عتادها وتعزيزاتها وأسلحتها الثقيلة إلى جبهات المدينة من دون وجود رادع لإيقافها، إضافة إلى استخدامها لاستقبال الأسلحة الإيرانية عبر الموانئ، بسبب التزام القوات المشتركة بالهدنة".

إلا أن الحوثيين ينفون هذه التهمة باستمرار، فقد سبق لعضو المجلس السياسي الأعلى التابع للميليشيات محمد علي الحوثي، أن علّق على هذه التهمة، قائلاً "منع دخول المشتقات النفطية شاهد على أنه لا يمكن تهريب السلاح عن طريق الحديدة"، مؤكداً استخدام الميناء لإيصال المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية.

توتر ينذر بالانفجار
قال عبدالله عسيلي، المسؤول الإعلامي لقوات اللواء الثاني زرانيق، المنضوية تحت مكون القوات المشتركة، إن الحوثيين "بعد التعطل في مأرب وتعز، يستعدون لتعويض خسائرهم في الساحل، ويضاعفون في هذا الصدد انتهاكاتهم مقابل القوات المشتركة التي لا تزال تلتزم قرارات الأمم المتحدة وأصبحت في حالة دفاع فقط، تستقبل رصاصات الحوثيين منذ عامين"، إلا أن هؤلاء أكدوا التزامهم الاتفاقية، مستشهدين بوجود المراقبين الأمميين الذين يتولّون الإشراف على الميناء.

وأوضح أن التوتر على أشده في جبهات الحديدة، وقد ينفجر الوضع عسكرياً في أي وقت، مضيفاً أن "أفراد وضباط القوات المشتركة يتوقعون الهجوم في أي لحظة من جانب الحوثيين".
غير أنه يرى في اشتعال المعارك في مأرب وتعز فرصة ذهبية لانطلاق القوات المشتركة لاستكمال انتزاع الحديدة لصالح الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، وتفكيك الألغام وشبكاتها التي يعتمد عليها الحوثيون في إعاقة تقدم القوات المشتركة.

قرار فاشل
وفي منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، قال رئيس الحكومة اليمنية الجديدة معين عبد الملك، إن القبول باتفاق "استوكهولم" الموقع قبل عامين مع الحوثيين، كان "قراراً فاشلاً".
وأوضح في مؤتمر صحافي افتراضي أن "إيقاف الحكومة للعمليات العسكرية الساعية لاستعادة السيطرة على مدينة الحديدة (غرب)، وموافقتها على اتفاق استوكهولم، كان قراراً فاشلاً".

وأرجع وصفه للقرار بالـ"فاشل"، إلى "رفض الحوثيين إعادة الانتشار في مدينة الحديدة، وتوريد موارد ميناء المدينة في البنك المركزي".

غير أن مراقبين يرون أن موازين القوى تغيرت في جبهات الحديدة خلال عامين، حيث استعد الحوثيون من جديد بشكل جيد وأدخلوا تقنيات عسكرية أكثر تطوّراً، بينها الطائرات المسيّرة وصواريخ مضادة للدروع، ناهيك عن تطوير قدراتهم الصاروخية الباليستية التي تضعف من إمكانية تحقيق القوات المشتركة نصراً سريعاً كما حصل في معارك عام 2018.

الحوثي يتهم غارات التحالف بانتهاك الاتفاق
إلا أن ميليشيا الحوثي تتهم باستمرار التحالف الذي تقوده السعودية، بأنه هو من يهدد اتفاق استوكهولم عبر تنفيذه غارات جوية باستمرار على مناطق تقبع تحت سيطرتها.
وذكرت قناة "المسيرة" التابعة للميليشيات أن التحالف "شن 4 غارات جوية باستخدام طائرات تجسس على مديريتي الفازة والتحيتا التابعة للحديدة"​​​.

وأوضحت القناة أن "الغارات الجوية تأتي ضمن 204 خروقات تم ارتكابها عن طريق التحالف والجيش اليمني والقوات المشتركة في جبهات الحديدة المختلفة خلال الأشهر القليلة الماضية، بينها 24 خرقاً استخدمت فيها المدافع، و161 بأعيرة نارية مختلفة"، إضافة إلى استحداث معسكرات وقواعد في منطقتي الجاح والجبلية المحاذية للمحافظة، وهو ما يكشف عن نوايا الشرعية ضد الاتفاقية، بحسب ما نقلته القناة.

إندبندنت عربية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى