​الحرب اليمنية وتعدد المبادرات

> ​كَثُر المبعوثون الدوليون إلى اليمن وحتى اليوم لم تظهر بارقة أمل حقيقية  في إيجاد خارطة طريق للخروج من الحرب الدائرة والتي ولجت عامها السابع وتحولت إلى حرب إقليمية بالوكالة لتصفية حسابات  وتظل رهينة ظروف حلول قضايا أخرى في المنطقة
لم يشترك العالم في حل أي قضية مثل قضية اليمن ومنذ الأيام الأولى ظهرت المجموعات الإقليمية والدولية لتكون حاضرة لتشارك في إيجاد حلول وذلك عند ظهور صراع على السلطة بين القطبين الأساسيين المؤتمر الشعبي الحاكم وحزب التجمع اليمني للإصلاح المعارض وانخراط تلك المجموعات الدولية والإقليمية لا يعني أنها تملك عصا سحرية لإنقاذ الوضع؛ لأنها ببساطة لا تعرف ما يدور في رؤوس المتصارعين وفِي الوقت نفسه تعرف القضايا الجوهرية التي دار حولها الخلاف وتجد نفسها حيث توجد مصالحها وهذا شيء بديهي ولا يوجد في العمل السياسي شيء لوجه الله، وتم التماشي مع رغبة المتصارعين في حصر ذلك الصراع على السلطة في صنعاء بين القطبين الأساسيين واعتقدوا أنهم قد انتجوا حلًا بعد انتهاء مؤتمر الحوار لكنه سرعان ما انتكس ذلك الحل بدخول طرف جديد لم يعجبه الحل واستولى على الجمل بما حمل(السلطة) في صنعاء بمباركة قطبي الصراع وكذا الشرعية وموافقة المبعوث الدولي للأمم المتحدة آنذاك، ولم يصمد ذلك الاتفاق وكانت الحرب وكل ما جرى؛ لأن الجميع تجاهل أساس الأزمة وملفها الشائك الذي يتضارب عليه (الربحان) في اليمن وهو الجنوب.

اليمن كان هناك دولتان حتى العام 90 وحسب ما قيل بإن اتفاق تم بين زعيمي الدولتين آنذاك في موقع النفق في مدينة التواهي وطلعوا بإدماج الدولتين كحل للخروج من النفق السياسي المتأزم آنذاك، ولَم يكن لديهم تصور بأن ذلك كان بداية لدخول نفق آخر يلفه  الغموض مليء بالألغام والذي تفجر أول لغم بالكيان السياسي الذي تشكل وظلت الألغام تتفجر تباعًا فيما بعد حتى أصبحت اليمن في وضع الَّلا دولة         
واليوم ونحن في بداية السنة السابعة حرب أصبحت العاصمة وجغرافية ما كان يعرف بـ ج .ع .ي تحت سيطرة مجموعة سلالية ومرتبطة بولاية الفقيه في طهران، وبالمقابل تتواجد في  المنفى شرعية تسيطر عليها فئة أيدلوجية تتدثر بالدين لا تؤمن بجغرافية الوطن وإنما هدفها النهائي استعادة الخلافة ومرجعيتها عاصمة الخلافة في تركيا ولا زالت تعيش خارج التاريخ وتحاول أن تثبت نفسها بكل ما أوتيت من قوة على أرض الجنوب المحرر، وذلك عبر إعادة احتلاله بالقوة المسلحة وأيضا باستخدام الإرهاب عبر فرقها المنتشرة تحت مسميات القاعدة وداعش وغيرها.     

يتسابق الجميع على طرح المبادرات ومبادرة تنطح  مبادرة، وكل منهم ينطلق من رؤيته ومصالحه السياسية من المبعوث الأممي إلى المبعوث الأمريكي إلى  المملكة العربية السعودية التي فاجأت الجميع بطرح مبادرة، حيث وضعتهم في الزاوية، فالحوثي قدمت له بعض الحوافز لكن في المقابل حددت له مهام عليه أن يوافق عليها لكي تصبح المبادرة سارية المفعول كما أنها استبقت أي مبادرة للإدارة الأمريكية أو المبعوث الدولي وحشرتهم في الزاوية وهي تذكرهم بأن مبادراتهم يجب أن لا تخرج عن المرجعيات التي وافق عليها المجتمع الدولي أما الشرعية فقد اطمأنَّت بأن مرجعياتها لم تمس، على الرغم من أن الحرب قد جرفتها وأصبحت في خبر كان، ولكن عليها في الوقت نفسه الخضوع لرغبات الشعب اليمني في وقف الحرب والجلوس على طاولة الحوار مع الآخرين ويبدوا أن المجلس الانتقالي هو الوحيد الذي طلع من المولد بلا حمص حتى لم تذكر المبادرة اتفاق الرياض لا من قريب ولا من بعيد على الرغم من أنه الوحيد الذي حقق انتصار كبير في الحرب بتحرير الجنوب وبعض المناطق الشمالية عبر المقاومة الجنوبية وبعدها الأحزمة الأمنية والنخب وقوات العمالقة ومع كل ذلك فقضية الجنوب موجودة في الملف اليمني ووصلت حتى أروقة مجلس الأمن وفيها قرارات دولية وقرارات إقليمية بأنه لا يمكن تحقيق وحدة بالقوة المسلحة ولهذا لن يستطيع أحد أن ينتج حل دون حل القضية الجنوبية حلًا عادلًا يرتضي به شعب الجنوب.

يخيل للمرء منذ الوهلة الأولى بأن السعودية بطرحها مثل هذه المبادرة بأنها تستجدي الحوثي لكي يقبل بهذه المبادرة على اعتبار أنه هو الرقم الصعب في معادلة الحرب والسلام ...من الجانب النظري والعملي يمكن أن يكون صحيحًا إلى حد ما، ولا سيما في جغرافية الشمال بسبب تحول سير الأعمال القتالية على الأرض وقدرته على أخذ زمام المبادرة في الهجوم ومن خلال تكثيف ضرب الأهداف في العمق السعودي وذلك كان نتيجة أولًا لفشل الشرعية في مواجهته وثانيًا فشلها في تنفيذ اتفاق الرياض الذي يرمي إلى توحيد جهودها مع جهود الانتقالي لمواجهته وثالثا يقوم الحوثي بتنفيذ أجندات تخص إيران للضغط أولًا على السعودية لوقف الحرب دون قيد أو شرط وثانيًا على الإدارة الأمريكية بالإذعان لشروطها في الملف النووي ورابعا إلغاءها مِن قائمة الإرهاب من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة شجعها على فهم الرسالة بشكل خاطئ واعتبرت ذلك ضوء أخضر لمواصلة الأعمال القتالية على الأرض وتكثيف إرسالها الصواريخ والطائرات المسيرة في العمق السعودي.

 فالسلام مطلب الجميع لكن صنع سلام دائم وعادل يتطلب إعداد الشروط الضرورية ومقاربة كل القوى الفاعلة وغير الفاعلة للاشتراك بعملية صنع السلام والاستجابة لمطالب الناس وحل قضاياهم بشكل عادل.
 نشاهد اليوم حجم الخراب والدمار الذي حل باليمن كدولة وشعب، علاوة على فقدان كل مقومات الحياة الإنسانية اللائقة وخاصة في المناطق المحررة  ونشاهد حدة  الصراع الإقليمي والدولي على الساحة اليمنية ودخول حلبة الصراع كل مَنْ هبَّ ودبَّ ومع ذلك لن تكون هناك حلول عادلة إلا متى ما تم استيعاب جذر الأزمة والتي تتعلق بالصراع بين الشمال والجنوب أولا وحل كل المعضلات الداخلية في إطار كل من الشمال والجنوب بوضع خارطة طريق تؤدي في نهاية المطاف إلى تسوية تاريخية جنوبية جنوبية وشمالية شمالية تنتج بشكل من أشكال التعاون بين النظامين الذي يرتضيها الجنوب والشمال ويكون عامل استقرار وأمن للإقليم والعالم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى