كربلائيات صنعاء الاحتفالية وعدن الاحتجاجية

> الانقلاب الأخير الذي قاده الحوثيون في الحادي والعشرين من سبتمبر الثاني، وسيطرتهم على مقاليد الحكم في اليمن وتوغلهم حتى وصلوا شواطئ عدن، أثمر نقلة نوعية أيديولوجية وفكرية تم تعميمها وغرسها كمفاهيم ومعتقدات ألزمت القيادات الحوثية بها الشعب في اليمن بالذات دون الجنوب، والذي رفضها وقاوم المد الفارسي مقاومة باسلة حتى دحره من كل الجنوب لينهي مشروعه الطائفي الذي فرض مذهبه باليمن وصارت عاصمته صنعاء، ومدن أخرى كالحديدة وتعز وإب وصعدة تتزين باللون الأخضر والأضواء الخضراء، وتحتشد الجماهير بالساحات في موسم عاشوراء، ليتم تدشين ملاطم الكربلائيات الرجالية والنسائية في مظهر مزرٍ أحدثه الحوثيون كبدعة سيئة لم نعهدها من قبل، بها شغل الحوثيون الناس بالهتافات والتراتيل الحسينية والكربلائية ونهج الملاطم الدامية لنحتفل بها موسماً بعد آخر في تجاوب وتقبل وحضور منقطع النظير، أنستهم معاناتهم وحياة الحرمان لمقومات الحياة وتعطيلها ليقضي الشعب اليمني أمتع الأوقات في الملاطم الكربلائية في شارع السبعين والستين والخمسين في صنعاء وأخواتها. الجنوب بعدما أنهى الوجود الحوثي وأفشل مشروع الملاطم الكربلائية والحسينية التي توقع البعض أن يدشنها الحوثيون في عدن ومدن الجنوب في حال زعمهم أن يستقر لهم الأمر. إلا أن أحلامهم تبددت ومشروع إيران الصفوي لنشر وتصدير الثورة الكربلائية والمسماة زوراً بالثورة الإسلامية فشلت فشلاً ذريعاً، وألغى الجنوبيون التواجد الحوثي في عدن على الإطلاق، وتم تطهير المدن والقرى الجنوبية من أفكاره ومعتقداته، لكن للأسف لم يكن الجنوبيون عند مستوى تقدير التضحيات التي بذلها الأبناء في الميادين وهم يصدون المد الفارسي، ويستميتون من أجل بناء الدولة ونهضتها لينشغل الجنوبيون عن معاناتهم وحرمانهم من العيش بأمان واستقرار. وقع الجنوبيون في فخ المبكى الكربلائي، وجلسوا يندبون حظهم سنة ومن ورائها سنة وهم غارقون في أزمات كلما انقشعت منها أزمة عادت بدلاً منها أخرى فتعطلت الحياة في عدن ومحافظات الجنوب، وخرج الناس إلى مباكي الاحتجاجات وملاطم الانتهاكات، وامتلأت الساحات والميادين العامة الجنوبية بمراسيم الحسينيات الكربلائية لمحتجين يلطمون أنفسهم بشعارات المباكي للبكائيين أشباه بكائي كربلاء والنجف العقائديين، وهم بكائيو عدن الاحتجاجيون لتغلق المدارس أبوابها في وجه الطلاب بكاءً على انتهاكات حقوق المعلمين الذين أضربوا المرة الأولى والثانية والثالثة ليتخذوا لهم موسماً بداية كل عام دراسي ليتجمهروا أمام الحائط الكربلائي في معاشيق مقر الحكومة والتحالف، ليهتفوا هتافات التسول والبكاء الشبيهة بهتافات الحسينيات العقائدية اليمنية في صنعاء، ليتبعهم القضاة فيغلقون المحاكم والنيابات ويدخلون ساحات الاحتجاجات البكائية يناشدون وينشدون تراتيلها على تردي أوضاعهم والانتهاكات التي يتعرضون لها، فإغلاق المدارس ومن بعدها إغلاق المحاكم والنيابات وتعطيلها وحرمان الأبناء من حقهم بالتعليم نتيجة الاحتجاجات البكائية الكربلائية للمعلمين، وحرمان مصالح الرعية من التقاضي في المحاكم والنيابات، اختلفت الوسائل البكائية والأساليب الاحتجاجية، لكن كلها اتخذت لها غاية واحدة وهي إلهاء الناس وشغلهم بالبكاء الكربلائي والهتاف الحسيني الذي لا يفضي إلى شيء منذ إشهاره أمام الحرم المكي من قبل البكائيين في زمن يزيد الأول وحادثة غدر الحسين. إن البكاء واللطم العقائدي وتعطيل الحياة يجد فيه كل من ملاطم الحسينيات في صنعاء ما يجده كل من مراسم الاحتجاجات في عدن كلها، لا تقدم في الأمر شيئاً طالما ونهج البكاء واللطم لا يتعدى التنفيس عن الضغوط الحياتية والانتهاكات المعيشية التي لا تجد لها حلاً من أي جهة. يصير الاحتشاد والتجمهر متنفساً يزيح فيه المتجمهرون عن كاهلهم الكبت والضيق الذي كتم أنفاسهم، ووجدوا في التجمهر والاحتشاد الكربلائي ملاذاً آمناً ينسون فيه ضغوطات الحياة ومعاناتها ولو لبعض الوقت، ثم يعودون من جديد لاجترار الأنين والألم والحرقة من الإهمال والتفريط والضياع.

إن الساحات الكربلائية العقائدية في صنعاء والاحتجاجية في عدن تشبه بعضها من حيث المعاناة والحرمان والكبت الذي يعاني منه اليمني في صنعاء والجنوبي بعدن، كلها هتافات وتراتيل وتجمهر في الساحات، وإن أخذت في صنعاء طابع الاحتفالية وفي عدن طابع الاحتجاجية، فقد شاركت في التجمهر الكربلائي الاحتفالي والاحتجاجي كل فئات الشعب عمال النظافة والمعلمون والأطباء والقضاة والنيابات وقادة الجيش وجنرالاته. فقط الخلاف أن الحسينيات الكربلائية العقائدية في صنعاء العنف فيها اختياري، حيث يقوم المحتفل الكربلائي في صنعاء بلطم نفسه بيده أو بسلسلة تلذذاً وتعبداً فيبكي المحتج الحسيني خشوعاً، أما المحتج الكربلائي في عدن فاللطم والضرب اضطراري قد يتعرض له من قبل القوات الأمنية التي تستنفر وتثور لتطلق الرصاص في وجه الكربلائيين الجنوبيين المحتجين، لتوقع فيهم الإصابات النفسية والجسمية، وفي كل الساحات الكربلائية ضحايا. هذا واقع مزرٍ لم يألفه اليمنيون قبل الانقلاب الحوثي في صنعاء، ولم يألفه الجنوبيون قبل الانفلات الانتمائي وغياب الهوية، فلجأ الفريقان اليمني والجنوبي إلى ساحات كربلاء هرباً من جحيم المعاناة التي قسمت الظهر وكسرت النفس وخدشت وجه الحياء والإباء العربي اليمني والجنوبي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى