بين إهمال المشافي الحكومية وجشع العيادات الخاصة

> تقرير/ ملاك نبيل:

> ريالات مهدرة طلبًا لصحة توافرها يفقر "التجار البيض"
بات الهروب من المستشفيات الحكومية أمرًا لا مفر منه؛ بسبب الاكتظاظ وسوء الاستقبال وطول المواعيد الطبية، علاوة على فقر الإمكانيات وسوء المعاملة ما أرغم الكثيرين من المرضى إلى التوجه للعيادات الخاصة لشراء الخدمة لكن هيهات، فحتى هذه الأخيرة لم تعد تستجب للمطالب؛ بل أصبحت تنافس فوضى القطاع العمومي بإهانة المرضى الذين يشترون إذلالهم وعافيتهم بأموالهم، فلا معاملة طيبة ولا أسعار مضبوطة، حتى إن انتظار موعد الكشف يأخذ ساعات من التسكع في الشوارع وبسلالم العمارات والعيادات، أما الحجز فإما بالذهاب إلى العيادة أو عبر الهاتف، وغالبًا ما تكون القائمة ممتلئة ويجب الانتظار حتى موعدك في الشهر القادم.

الأطباء في العيادات الخاصة أصبحوا البديل الذي لا مفر منه للمرضى المغلوبين على أمرهم طلبًا للشفاء من أسقام أنهكتهم، لكن تحولت الخدمات الطبية إلى “بزنس” وتجارة مربحة لتذمر أغلب سكان المحافظة من سوء واقعها وارتفاع أجور الفحص نظير غياب قوانين تحدد التسعيرة، فكل مختص يفرض الثمن الذي يوافقه، وإن كان الفارق بين طبيب وآخر يتجاوز المعقول، فكان لزامًا وضع سُلم يستند إليه الأطباء ضمانًا للشفافية مع التركيز على تنظيم المواعيد بشكل يليق بالتطور الذي تشهده مختلف وسائل التواصل الحديثة حتى لا يُهان أولئك الذين فُرضت عليهم هشاشة صحتهم شراء الشفاء بتعب من نوع آخر وبكيفية غير لائقة!.

وحتى إن كانت الظاهرة تسري في القطاع الخاص بشكل سريع ومخيف، فلا يجب إنكار بعض الحالات الإنسانية للعيادات الخاصة التي مازالت محافظة على أسعارها الرمزية؛ بل وتقدم حتى تخفيضات خلال مناسبات معينة كما تمنح خدمات مجانية للمعوزين.
مراكز الصحة في عدن التي تُشترى خدماتهم بالأموال الباهظة من خلال العيادات الخاصة لا تلعب الدور المنوط بها، فأكثرها تتجرأ على إذلال مرضاها حتى ولو كانوا من ضمن أولئك الأوفياء خاصة إذا تعلق الأمر بالاختصاص الذي يكون عليه إقبال كبير من طرف المرضى.

وتشير بعض الشهادات التي سمعتها "الأيام" على لسان بعض المرضى أثناء زيارة خاطفة لبعض العيادات، أن الأمر تعدى المعقول، لاسيما بالاختصاصات التي يكون عليه الإقبال، مثل عيادات القلب والشرايين، والغدد والسكر، والجلد، والنساء والتوليد، والعظام، والأطفال، والأسنان وغيرها من الاختصاصات الأخرى، حيث يضطر هؤلاء إلى تدوين أسمائهم بقائمة يشرفون عليها بأنفسهم، حتى أن الذين يقطنون بعيدًا يضطرون إلى قطع مسافات طويلة للالتحاق بمقر العيادة، وإن خالفهم الحظ ولم يصلوا مبكرًا تضطرهم إدارة العيادة إلى العودة في يوم آخر، في حين تلجأ عيادات أخرى إلى ضبط مواعيد طويلة الأمد تمتد إلى غاية 3 و4 أشهر وتدون أسماء المعنيين، غير أن المريض يضطر الاتصال أو التواجد على مستوى العيادة في نفس يوم الكشف بداية من السادسة والنصف أو السابعة صباحًا.

وإن كانت أغلب العيادات لا تستوعب الكم الهائل من المرضى الذين يضطرون إلى الاصطفاف في السلالم وافتراش أرضية مداخلها لساعات في مشهد يتكرر يوميا، يشبه إلى حدٍّ كبير صور المعوزين الذين ينتظرون صرف الزكاة من طرف الأغنياء وكأنهم يتسولون، فإن العديد من الزيارات كشفت أن حتى الديكور والنظافة لا يولي لها الأطباء أهمية على الرغم من المداخيل التي "يسلبونها" قهرًا من عند مرضاهم، فتجد بعض العيادات مظلمة وأخرى بلا تهوية ولا يبعث بالراحة والطمأنينة في نفوس المرضى أما الكراسي فأغلبها لا تستوعب عدد الحضور إلا القلة من العيادات التي بدأ أصحابها يتفطنون للاستثمار بها كأطباء الأسنان بدرجة أكبر واختصاص الجلد لما يقدمه الاختصاص من مداخيل لا يستهان بها.

أما أسعار الفحوصات التي تختلف من طبيب إلى طبيب ومن اختصاص إلى آخر، باتت المشهد اليومي الذي يُفرض على المرضى الذين يجدون أنفسهم مضطرين إلى الدفع مرغمين، هروبًا من الإهمال والمعاملة السيئة بالمستشفيات الحكومية. فكل من اضطرته أوضاعه الصحية لزيارة العيادات الخاصة، له حكايته مع المرض وتطوراته فضلًا عن المعاملة والخدمات التي تلقاها، وإن كان الاختلاف من منطقة إلى أخرى وبين مختلف العيادات، فإن كل التصريحات تؤكد أنه وبالرغم من "التبكير" لحجز أدوارهم واضطرارهم افتراش الأرض لساعات من الزمن، لا تستثن المحاباة و ”التعارف" هذا القطاع حيث هزمت حتى أولئك الذين يدفعون المال ويجبرون الالتحاق بالعيادات مبكرا.

إلا أن هناك شكاوي تؤكد أن الممرضة أو المعنية بتسجيل أسماء المرضى تلجأ إلى الغش وتمرر أسماء لم تكن مسجلة من الأصل سوى لأنهم من معارفها أو أصدقائها أو قريباتها، الأمر الذي يفجر أحيانًا انزعاج المرضى أو حدوث مناوشات كلامية داخل العيادة.
الحجة فاطمة تقول إن :"تكاليف العلاج مكلفة جدًا بالنسبة لي، لقد أتيت من قعطبة لمعاينة ابني و أسكن في الفندق فإن الدخول عند الدكتور يحتاج إلى حجز وصعب عليا الرجوع إلى القرية والعودة في موعد الحجز ".
أما عبدالله فيوضح أنه ابتعد عن الإهمال في المستشفيات الحكومية وقصد العيادات الخاصة، "لكن يبدو أننا أصبحنا فريسة سهلة لأصحاب العيادات الخاصة، الطب عمل إنساني قبل أن يكون مهنة، غير أسعار التسجيل والتلاعب في مواعيد الحجز والدخول للطبيب".

وتصف أم عبد الرحمن العيادات الخاصة بأنها عبارة عن مأساة مضطرون للخوض فيها نظرًا لغياب وانقطاع خدمات القطاع الصحي الحكومي، مشيرة إلى أنه على الرغم من أن الخدمات في المستشفيات الخاصة والمرافق الخاصة مدفوعة الأجر وأن تكاليف الخدمة مرهقة للمواطن إلا أنها لا ترتقي في مستوى الخدمة مقابل ما يتم دفعه من مبالغ، ومع ذلك فإن الكادر الصحي غير مؤهل، "الأخطاء الطبية كثيرة والازدحام الشديد و قبول أعداد كبيرة من المرضى فوق احتمال قدرة الطبيب يتسبب في تقصير الطبيب عن التشخيص الصحيح بسبب الإرهاق وذلك طمعًا في زيادة الربح وإهمال الجانب الإنساني وعدم الاجتهاد في التشخيص العلمي في حالات المرضى".

وتضيف :"سوء المعاملة من قبل بعض الأطباء وغضهم النظر عن الجانب الإنساني، كل تلك المشاكل تضاف إلى أوضاع البلاد الصعبة التي يقاوم فيها المواطن من أجل الحصول على لقمة عيشة ورعاية طبية جيدة".
ويرى محمد علي، بأنه لا فرق بين المستشفيات الحكومية والعيادات الخاصة في سوء الخدمة والمعاملة، منوهًا بأن الأخطاء في نتائج الفحوصات أيضًا تجعل الطبيب يصرف أدوية خاطئة ما لم يدقق النظر في الحالة وفحصها.

وبين شكاوي المرضى الذين يمكن أن نقول بأنهم كل الشعب، يعمي الأطباء عيونهم ولا يرون المريض سوى تجارة مربحة يحاول قدر الاستطاعة الاستفادة منها، حتى عن طريق طلب فحوصات لا داعِ لها لزيادة نسبته من أجر المختبر، وفيما يتخبط المريض بحثًا عما يسكن ألمه وهو متيقنًا بأنه لن يجد الدواء في بلاد ميؤوس منها لولا اضطراره، نجد الجهات الحكومية الطبية تقف موقف المتفرج بلا خجل مما يحدث في العيادات الخاصة التي باتت مرافق تكسب، ومن الانتكاسة المخزية التي لحقت بالقطاع الصحي الحكومي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى