عدن والصراع من أجل الوجود

> رمضان أتى وسيأتي رمضان قادم، وكأننا نعيش في مشهد تجمد فيه الزمن لا مرتبات ولا كهرباء ولا خدمات ولا أمن واستقرار حتى في حدودها الدنيا، وفوق ذلك أطلت جائحة كورونا لتحصد الأرواح دون أن يتحرك ضمير أحد. السؤال: من هي الجهة المسؤولة عن كل ما يجري؟
من المعيب على الشرعية والتحالف والانتقالي أن يظل وضع عدن والمناطق المحررة يراوح في مكانه من الإهمال ومن الازدواجية في الإدارة وإنفاذ القانون رغم الاتفاق الأخير الذي تمخض عنه تشكيل حكومة مناصفة بين الطرفين تحت رعاية التحالف.

ما أهمية الاتفاق إذا لم ينفذ؟، وما أهمية الراعي إذا لم يلزم الأطراف على تنفيذ الاتفاقات؟

زادت حدة الصراع في عدن، وأصبح الوضع لا يطاق من تعطيل الخدمات وتأخير دفع المرتبات والسطو على الأراضي والبناء العشوائي، وغلاء المعيشة، وضخ آلاف النازحين إليها بشكل متعمد ومثلهم لاجئون، ليزداد الوضع أكثر سوءاً، وأصبح المواطن يعيش في حالة رعب تحاصره المشاكل من كل الاتجاهات، ويظل ينتظر عودة الكهرباء، ويخاف من انقطاعها ويترقب وصول الراتب هل وصل أم لا، وكيف سيواجه الحياة؟ وهكذا يتم حشر الناس في كابوس الكهرباء والمرتبات، وتضاف إليه جائحة كورونا والخوف من الاٍرهاب المسلط على رقاب الجنوبيين منذ عام 90 حتى اليوم، إضافة إلى المسلسل اليومي من التعدي على الممتلكات الخاصة والعامة، وتدمير ملامح مدينة عدن الحديثة وتشويهها بالبناء العشوائي، لتصبح غير مؤهلة لأي وظيفة في المستقبل كونها تمثل عقدة الاتصال ومركز يتوسط العالم، وتستطيع أن تلعب دوراً رياديًا في مستقبل الاستثمار والتجارة العالمية.

ما هو المغزى من كل ما يجري اليوم في عدن والمحافظات المحررة الأخرى؟ هل هي سياسة ممنهجة تقودها أطراف إقليمية ودولية تهدف إلى إرغام سكان عدن والجنوب للرضوخ لما يعد من حلول قادمة، بحيث لا يجد المواطن وقتاً للتفكير بمستقبله ومستقبل أجياله، ويظل محشوراً في خانة الرعب اليومي، ومنهكاً يصارع لكي يبقى على قيد الحياة؟

تحرك الشارع الجنوبي في وقفة احتجاجية سلمية ليعرض للعالم مطالبه العادلة بعد أن شعر بأن الحكومة لم تستطع أن تقوم بواجبها الذي تشكلت من أجله، وهو صرف المرتبات وتفعيل خدمات الكهرباء وغير ذلك من المهام، وأصبح وجودها فقط يبتلع أموالاً طائلة من ميزانية الدولة بدون أي نتيجة تذكر.

مع الأسف سبق أن عقدت اتفاقات، وكان أولها في نوفمبر العام 2019 حددت فيه توقيتات للتنفيذ، لكن لم ينفذ منه شيءٌ، وجرت المماطلة أمام أعين الراعي للاتفاق، بل تفجرت حرب على مشارف شقرة تحت سمع وبصر التحالف ولَم يحرّك ساكناً أهدرت فيه أرواحاً وإمكانيات وزمناً مستقطعاً من حياة الناس، وتركت الحوثي يسرح ويمرح على كيف كيفه، بل كانت هناك انسحابات من قوات الشرعية وتسليم مواقع مع المعدات العسكرية وإخلاء جبهات لصالح الحوثي، ورمت الشرعية كل ثقلها باتجاه الجنوب المحرر، والراعي والعالم يتفرجان ولم يحركا ساكناً.¬¬

الشرعية واقعة في مأزق كبير هي لا تشعر بأنها في حالة حرب مع من طردها من عاصمة الدولة اليمنية وتاهت في وسط الطريق، وأصبحت رهينة لأوهامها التسلطية عندما كانت حاكمة في صنعاء، ووجهت بوصلتها نحو الجنوب لإعادة احتلالها ولحماية ثرواتها وشركاتها العاملة في حقول النفط والغاز والبحر والبر والجو، وأدخلت التحالف في مأزق كبير بعد أن غيرت أولوياتها من الاتجاه شمالاً نحو العاصمة صنعاء إلى المزاحمة على حكم محافظة عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى، وكأن الذي قابع في صنعاء من حلفائها المقربين.

المشهد اليوم.. تجري معارك على أبواب مأرب، ويستميت الحوثي ليظفر بالمدينة، لكي تكون نقطة انطلاق ليس عسكرياً تجاه المحافظات الجنوبية وحسب، لكن هي محطة اقتصادية تجلب له المزيد من الموارد للاستخدامات في المجهود الحربي وتقوية موقعه التفاوضي في المفاوضات التي تجريها الأمم المتحدة وأمريكا والعالم كله لوقف الحرب وتحقيق تسوية سياسية والحوثي يتمتع بموقف تفاوضي قوي، بينما الشرعية التي كان يفترض أن تدفع بكامل قوتها نحو الدفاع عن مأرب والتحول إلى الهجوم الكاسح لاستعادة صنعاء، وهذا ما نص عليه اتفاق الرياض الأخير بمساعدة قوات الانتقالي، نجدها لا تأبه لذلك، لكنها تتجه للحشد جنوباً للسيطرة على عدن، ولا أدري هل التحالف ما زال لديه النية في تنفيذ اتفاق الرياض الذي وقع تحت رعايته، أو أنه متماهٍ مع الشرعية في سعيها لترك جبهة مأرب والتوجه جنوباً؟

كل ما يجري على ساحة اليمن شمالاً وجنوباً لا يتوافق مع المنطق، لا أنها حرب وتسير وفق شروط الحروب المتعارف عليها، ولا أن هناك أي بوادر لسلام وأمن واستقرار، وهذا ما نشاهده من تنازع على إدارة المناطق المحررة، وبدء حروب فرعية وحروب من نوع آخر تتعلق بخدمات الناس وقوتهم وحياتهم اليومية التي أصبحت لا تطاق، ونشاهد تعثر التحالف في لجم جماح من يخرق الاتفاقات التي تتم تحت رعايته، وفِي الجانب الآخر نشاهد تسابق الدول الأجنبية على عقد اللقاءات وآخرها في برلين، للتدخل لوقف الحرب كلاً على طريقته ووفق مصالح بلدانهم، وآخر ما يفكرون به هي مصلحة اليمن والإقليم، وهناك من يمسك باليمن رهينة بيده لكي يقايض بها في حل مشاكله مع العالم والضحية هم الشعب في الجنوب والشمال.

مع الأسف نجد نخباً سياسية شمالية وجنوبية لا هم لهم إلا ترتيب وضعها ومصالحها، وآخر ما تفكر فيه هي مصالح عامة الناس في الشمال والجنوب، ولله في خلقه شؤون ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولا أحد يستطيع أن يجلب السلام والأمن والاستقرار لليمن شمالاً وجنوباً من الخارج، ولا يجب الانتظار لمن يأتي ليوزع علينا وصفات الحل كيف نعيش وكيف نتصالح وكيف نحل مشاكلنا؟.
نحن وحدنا أن اخلصنا النية نستطيع أن نختصر الطريق، نحن المعنيين بذلك في الشمال والجنوب نعرف ماذا نريد، وخاصة إذا امتلكنا الشجاعة وواجهنا أنفسنا وتخلينا عن الاستقواء بالخارج ضد بعضنا البعض، عندها سيكون الطريق سالكاً إن اعترفنا بجذر المشكلة، وعندها ستكون الحلول في متناول اليد، لكن السؤال من يعلق الحرس؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى