رمضان في تعز فرصة لالتقاط الأنفاس

> «الأيام» "خيوط":

> ​طقوس روحانية حاضرة رغم الحرب وكورونا..
مع حلول شهر رمضان المبارك لهذا العام 1442هـ، يصل اهتمام المواطنين في محافظة تعز ذروته لتوفير احتياجات شهر الصوم. ينصبّ اهتمام المواطن على توفير متطلبات الشهر الكريم لكي يقضيه بسعادة وطمأنينة مع أسرته، تماشيًا مع المزاج العام المرحِّب بهذا الشهر وتفاصيله العبقة والمتوارثة جيلًا بعد آخر.
لرمضان في تعز خصوصيةٌ تجعله يختلف نوعًا ما عن المحافظات الأخرى؛ احتفاءٌ ليلي في المدينة بات تقليدًا سنويًّا مع أول ليلة من الشهر، حيث تتزين الحارات بأضواء ملوَّنة ذات أشكال مختلفة، ويخرج الكبار قبل الصغار لإبداء فرحتهم وتجاذب أطراف الحديث مع أصدقائهم، وهي أحاديث تتركز في معظمها حول البرنامج الذي سيتّبعونه طيلة الشهر الكريم.

رمضان في ظل كورونا والحرب
رغم حالة الحرب القائمة في البلاد، منذُ أكثر من ست سنوات والحصار الجزئي على المدينة، إضافةً إلى تفشي جائحة كورونا في موجتها الثانية، تتكثف الاستعدادات لاستقبال شهر رمضان، في مشهد يبعث الارتياح، ويعيد للأذهان زمن ما قبل الحرب.
يصف المواطن عمران حسن المشهد بـ "العظيم" مع غبنٍ يعتريه بسبب تساهل الأهالي إزاء تفشي الوباء، مبديًا استغرابه من التجمهر الكبير في الأسواق، على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.

يتابع عمران، وهو بائع في محل جوالات حديثه: "من المخجل أن تتجاهل سلطات الدولة وضع المواطن في هذا الشهر، والمشاكل التي تؤرق الناس حديثًا وتلقي ببعض الأسر خارج اللّمة الرمضانية، بفعل عدم مقدرتها على توفير أدنى المتطلبات"، وبالنسبة لعمران "هنا تحضر الفجوة بين الطبقات في تعز"، مع وجود ما سمّاها "معسكرات النازحين" الذين يحتاجون للفتة سريعة من أجل مساعدتهم على مواجهة احتياجاتهم المعيشية.

روحانية الأسواق التاريخية
شاهد حيٌّ من مظاهر تفرُّد رمضان بروحانيته الخاصة في مدينة تعز، تختزلها جولة في أسواقها العتيقة، لتكتشف شغف الناس وولعهم بتوفير كل ما يضمن لهم خصوصية الشهر الفضيل. السوق المركزي الذي تأسس منذ عشرات السنين، وهناك سوق الباب الكبير وسوق "الشنيني" اللذان تأسسا مع تأسيس المدينة في القرن العاشر الميلادي. إلى الشرق سوق "الجملة"، وفي الغرب سوق "بير باشا"، وهي أبرز الأماكن ازدحامًا بالمتسوّقين لأجل شهر رمضان، فيما يظل هاجس كورونا بعيدًا عن حسبانهم، إلَّا ما ندر من إجراءات شخصية يتبعها بعض المتسوقين.

توفِّر الأسواق الشعبية، ما يحتاجه المتسوق من حاجيات تعيّشه أجواء مستوحاة من إرث اليمن القديم؛ الفانوس والجرّة والمبخرة والأطباق المصنوعة من سعف النخيل، وأدوات أخرى مشغولة يدويًّا، تعج بها أسواق المدينة الضاربة بعراقتها مع جذور التاريخ.
م. محمد الشميري، يرى أنه من الأصالة الكامنة في أهالي تعز أنهم يعلون من قدر تراثهم، ويلجؤون إليه في أعظم المواسم التي يقدسونها، وبالتالي تحافظ هذه الأسواق على جمالها ونضارتها المأخوذة من التفاني الذي يظهر جليًّا في إتقان الإنسان اليمني لصنعاته المختلفة.
ويشير الشميري إلى المكانة العالية التي يحتلها الشهر الكريم لدى اليمنيين عمومًا، وفي تعز على وجه الخصوص، وهو ما ينعكس أيضًا في إحياء المتصوفين للياليه في أناشيد وموشحات دينية وتسابيح.

المطبخ الرمضاني في تعز
يتميز المطبخ الرمضاني في تعز بالعديد من الأصناف، منها ما هو رئيسي بحيث لا تخلو مائدة منه، سواء في الريف أو المدينة، والبعض الآخر من التحديثات التي طرأت على السفرة خلال العقود الأخيرة. ولعل "الشَّفوت" و "الحُلبة" و"الشوربة" و "الزلابيا" والتمر، هي أبرز ما يحضر على سفرة الإفطار دون انقطاع طوال الشهر، إضافة إلى "الفتة" (الثريد) مع السمن البلدي والعصيدة مع المرقة والحلبة والتمر الهندي في وجبة العشاء، كما يحضر الثريد أيضًا مع وجبة السحور.

تحرص النساء في تعز على البدء بتحضير الإفطار والعشاء مبكرًا، حيث يحل وقت الظهر وقد شرعن بتجهيز مختلف أصناف الطعام، ابتداءً بـ "اللّحوح" الذي يعتبر المكون الرئيسي لطبق "الشفوت"، ثمّ التدرج بصنع أطباق الأرز وخبز الفطائر، وتحضير أطباق الحلوى مثل "الطرمبة" و "الرواني" و"البسبوسة".. إلخ.
وفي ريف تعز، يتصاعد الدخان من إحدى زوايا المطبخ حيث المساحة المفتوحة التي أعدت لتصريفه، وتسمى في بعض القرى "مَكُنّة"، ولا ينطفئ "الصُعْد" (الموقد الطيني) وتنور الحطب حتى وقت المغرب، في تحضير "الملوج" (نوع من الخبز بأشكال رقيقة وسميكة)، إضافة إلى فطائر الذرة والعصيدة، وهذه أصناف تبرع بها نساء الريف.
الإعلامية أروى العباسي، وهي مولودة وناشئة في جبل صبر المطل على مدينة تعز، قالت إن قرى صبر، كغيرها من قرى الريف في تعز، تحرص على إعطاء المساجد جزءًا من وجبة الإفطار، في تعاضدٍ مجتمعي وقيمي جرت عليه العادة منذُ القدم.

وتضيف العباسي: "تلعب المرأة الدور الأكبر في التوازن الحاصل في الريف، فهي ربة البيت، والمهتمة بالحقل، وصانعة النشاط الرمضاني الكامل، وهو الفارق الذي يجعل منها محل تقدير واحتفاء في كل الظروف".

تواضع القدرة الشرائية للمواطن
يصر أرباب الأسر في تعز على دخول ما يشبه المغامرات في توفير مصاريف رمضان، مقارنة بالأسعار المرتفعة، ناهيك عن ارتفاع نسبة البطالة الناجمة عن استمرار الحرب وشحة فرص العمل وانخفاض القدرة الشرائية للريال اليمني، لكن هذا الأمر ربما لم يمنع معظم الناس من الاستعداد، وإن بالقدر اليسير، للشهر الفضيل.
يقول عبدالودود أحمد - نائب مدير مكتب الصناعة والتجارة بتعز، إن "غلاء الأسعار مع ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني، أثر على القدرة الشرائية للناس، خاصة مع مشقة وصول المواد الغذائية عبر طرق وعرة، وازدياد تكاليف نقلها، وبالتالي نحن نواجه مشكلة أخرى غير التي تعصف بالوطن بشكلٍ عام".

يضيف عبدالودود: "تتوفر كل المتطلبات الرمضانية في أسواق تعز، ونعمل في لجان ميدانية لمراقبة الأسعار المتاحة، بما يتطابق مع الواقع المعاش، لكننا لا نستطيع إجبار التجار على تنفيذ قرارات تضر بهم في ظلِّ أزمة البلاد الراهنة، وهذا لا يعني أننا لم نتخذ إجراءات بحق المتلاعبين وإحالتهم للنيابة".
ويشكو مواطنون من احتكار بعض المواد الغذائية وبيعها بأسعار مرتفعة جدًّا، ويتعاظم القلق من أن يمس الاحتكار المواد الأساسية التي لا غنى عنها في كل الأحوال.

تهيمن الطقوس الدينية والمعيشية في رمضان على الجانب الأكبر من اهتمام الناس، حيث تزدحم المساجد بالمصلين الذين ترتفع أصواتهم بقراءة القرآن في أروقتها، ولا يثني هذا الالتزام إلا وجوب إجراءات استثنائية هذا العام، تتمثل بالتباعد الجسدي، وارتداء الكمامات أثناء صلاة الفروض والتراويح، وفقًا لمحددات وضعتها الجهات الصحية للحد من انتشار الموجة الثانية من فيروس كورونا (كوفيد 19).

هكذا يستقبل أهالي تعز رمضان في ظروف مختلفة وقاسية، ويستبشرون بأن تعم خيرات هذا الشهر الوطن المكلوم، وأن تزيح عنه رحى الحرب المدمّرة، بينما يجدون في رمضان فرصة لالتقاط الأنفاس والتوجه نحو المستقبل ببشاشة تنهي عتمة ليل المآسي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى