رمضان اليمن.. ذكريات مريرة للحرب في البلاد

> تقرير/ زكريا الكمالي:

>
​استقبل اليمنيون شهر رمضان كما الأعوام السابقة في ظلّ أوضاع أمنية متردية نتيجة الحرب المندلعة في البلاد، إذ لم يتصور المهندس عبد الكافي الشرعبي، أنّ الحرب المستعرة في بلاده ستجعله يقضي النسخة السابعة من شهر رمضان بعيداً عن منزله وأقاربه. وكما هي حال ملايين اليمنيين، أصبح شهر رمضان زائراً "ثقيلاً" على حياة الشرعبي الذي يتحسر على طقوس رمضانية يشتاق إليها مع الأقارب والجيران، ممن فرقتهم الحرب في حيّ الكمب داخل مدينة تعز، جنوب العاصمة صنعاء، في مايو 2015، فتشتتوا في بقاع مختلفة، بحثاً عن الأمان. ويكافح المهندس الأربعيني، منذ ست سنوات للبقاء على قيد الحياة، على الرغم من محاولة التكيف مع ظروف النزوح الإجباري في منطقة الحوبان (شرقي تعز)، إلّا أنّه أعرب في حديثه لـ"العربي الجديد"، عن خشيته من تحول الحرب إلى مصير محتوم يرافق اليمنيين عقوداً طويلة، خصوصاً في ظلّ انسداد الحلّ السياسي وغياب أيّ بصيص لوقف القتال.

وألقت الحرب بملايين اليمنيين تحت خط الفقر، وفي ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية وتقلص المواد الإغاثية التي كانت تقدمها المنظمات الدولية خلال سنوات الحرب الأولى للمتضررين من النزاع، تحوّل شهر رمضان إلى عبء إضافي يثقل كاهل المواطن الباحث عن الأمان في المقام الأول. وأجبرت الأوضاع المتردية غالبية السكان على استقبال شهر رمضان هذا العام بشكل خجول، بعدما كانت المائدة الرمضانية، والأكلات والحلويات الشعبية، مصدراً للتباهي أمام الأهل والجيران، خلال السنوات التي سبقت الحرب، إذ حرم وباء كورونا ربّات البيوت في اليمن من التباهي بالأكلات والحلويات الخاصة برمضان التي كنّ يتبادلنها، كأحد الطقوس الخاصة بالشهر، التي باتت اليوم مهددة بالاندثار.

من خلال جولة لـ"العربي الجديد"، في السوق الشعبي المركزي وسط مدينة تعز في أول أيام رمضان، كان الازدحام خجولاً أمام محال الخضروات والمواد الاستهلاكية، وسط عزوف عدد كبير من المواطنين عن الذهاب إلى محال بيع اللحوم والدواجن التي ارتفعت أسعارها إلى الضعفين، جراء انهيار سعر الريال اليمني أمام العملات الأجنبية.

وفي هذا الإطار، قال وليد القدسي، وهو مالك مستودع للتوابل، في مدينة تعز، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ظاهرة التسوق الكبيرة التي كانت تسبق رمضان وتميز أيامه الأولى، تراجعت هذا العام بنحو غير مسبوق، من جراء انهيار سعر العملة المحلية بمعدل 30 في المائة، مقارنةً بشهر رمضان العام الماضي، وهو ما جعل القوة الشرائية محصورة في المواد الأساسية فقط".
 
ندوب الحرب  
يتذكر اليمنيون على مائدة الإفطار مَن خسروا طوال سنوات الحرب، من أحبة سقطوا ضحايا في الصراع المستمر منذ عام 2015. وخلافاً للضحايا الذين سقطوا بنيران الحرب، يشعر أهالي المعتقلين والمخفيين قسراً بالحنين لذويهم بشكل أكبر، خصوصاً أنّهم ما زالوا يعلّقون الآمال كلّ عام بأن تجمعهم المائدة الرمضانية، مهما كانت المعلومات ضئيلة في كثيرة من الأحيان عن هؤلاء المخفيين. 

أبدى طرفا النزاع اليمني استعدادهما لإبرام صفقة تبادل لجميع الأسرى والمعتقلين بمناسبة حلول شهر رمضان، لكنّ تلك المبادرات تعثرت خلال الأيام الماضية، وسيكون على أهالي آلاف المحتجزين قضاء نسخة سابعة من رمضان وهم يتوقون للمّ الشمل على المائدة الرمضانية.  
وتركت الحرب معاناة داخل الأسر اليمنية لا يمكن أن تندمل بسهولة، ولن يجري تجاوز تلك المحن التي تعيد المناسبات الدينية التذكير بها، إلا بوقف الحرب نهائياً، والبدء بالملفات الإنسانية المتعلقة بالإفراج عن المعتقلين والأسرى ورفع الحصار وصرف مرتبات الموظفين حتى يتمكنوا من مواجهة الأزمة الإنسانية، وفق الصحافي اليمني، أحمد زيد.

وقال زيد، النازح من حيّ الجحملية في مدينة تعز، في حديثه لـ"العربي الجديد" إنّ "الحصار المفروض من قبل الحوثيين على تعز، يشكل حاجزاً كبيراً أمام لمّ شمل الأسر في رمضان، إذ يجد الغالبية صعوبة في التنقل من المناطق الشرقية إلى داخل المدينة عبر الطرقات الجبلية التي تستدعي سفراً لمدة خمس ساعات بعدما كانت المسافة لا تتعدى نصف ساعة قبل الحرب". 

كورونا عبء إضافي  
لم تكن قصص الحرب هي المصدر الوحيد لمصادرة بهجة رمضان عند اليمنيين، فالموجة الثانية لوباء كورونا تحولت هي الأخرى إلى عبء إضافي، وطمست ما بقي من طقوس رمضانية، وأجبرت غالبية الأسر على التزام الإجراءات الاحترازية خشية تزايد أرقام الضحايا.  
ومع الموجة الثانية التي اشتدت في مطلع مارس الماضي، باتت مدينة تعز ثاني أكبر البؤر الرئيسية لتفشي فيروس كورونا بعد محافظة حضرموت، شرقي البلاد، إذ بلغ عدد الوفيات في المدينتين الخاضعتين لنفوذ الحكومة المعترف بها دولياً، 734 وفاة من إجمالي 1073 في عموم المحافظات، وذلك بحسب الأرقام الرسمية المسجلة حتى 13 إبريل الجاري.  

وأجبر التفشي السريع وانهيار المنظومة الصحية، بعض السكان على التقيد بالإجراءات الاحترازية التي فرضتها السلطات، وشهدت الأسواق والمساجد، تراجعاً نسبياً خلال الأيام الماضية، لكنّ الغالبية العظمى ترفض التزام التدابير الصحية.  
من جهته، يدرك البائع المتجول في شارع التحرير الأعلى بمدينة تعز، سعيد عبد الله، خطورة تفشي الوباء في بلد منهار صحياً مثل اليمن، لكنّه يؤكد في المقابل، أنّ شهر رمضان هو موسم الرزق الكبير، ومن الصعب التفريط به والامتناع عن المصدر الوحيد للقمة العيش التي ينتظرها أطفاله. يضيف: "نحاول قدر الإمكان التزام وضع الكمامة، والمعقمات بعد كلّ عملية بيع وشراء، لكنّ الخطر الأكبر في رمضان يتمثل بموائد الإفطار داخل المساجد والأماكن العامة، إذ يتجمّع العشرات بلا أيّ إجراءات احترازية حول مائدة واحدة، والأمر نفسه يتكرر خلال صلاة التراويح".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى