عُمال اليمن.. الكفاح في زمن الحرب أفقدهم الكثير من المناسبات

> تقرير/تامر الزكري:

> مع حلول شهر رمضان، تضاعفت عند العم صادق عقلان، وأمثاله من عمال الأجر اليومي الهموم والمتاعب، وتفتقت جراحات عمقتها الحرب في حياة اليمنيين، حيث التهاوي الكبير للعملة، التي هدمت ما تبقى من أمل في حياة كريمة لهم.

عيد العمال الأكبر
يحتمل العمال في اليمن الكثير من المشاق والمصاعب طوال السنة؛ ليستريحوا خلال هذا الشهر؛ حيث تعلن مدافع رمضان "استراحة محارب"، فيؤجل غالبية العمال أعمالهم، التي أمضوا جل وقتهم فيها؛ لجني ما يساعدهم على تكاليف الحياة.
وفيه، يصل أبناء الريف إلى قراهم، وهم الغالبية ممن يعملون بالأجر اليومي، ويعود ما سواهم إلى عائلاتهم أينما كانت، لكن لا حضور اليوم إلا لطقوس الحرب، وبؤسها وأنينها.

يقول العم صادق عقلان، 50 عامًا، وهو معلم بناء منذ أكثر من 15 سنة: "كنا نعمل طوال السنة، وما إن يحل رمضان، حتى نقوم بشراء احتياجات أسرنا، ونتوجه إلى قرانا سالمين آمنين، تغمرنا وأسرنا البهجة بقدومه".
هكذا كانت حياة هذه الفئة من العمال اليمنيين، قبل أن تُكدّرها الحرب، لقد كان هذا الشهر مقدسًا عند العامل، يعطيه ميزة خاصة، ويدَّخر له المال، حتى أن البعض يقومون بشراء احتياجاتهم قبل حلوله بأسابيع.
يتبدل وجه العم صادق صاحب الشخصية القوية وهو يضيف، "كنت أشتري ملابس أطفالي في شهر رجب، ومن ثمَّ كل الاحتياجات الرمضانية وغيرها، أما اليوم لم أتمكن بعد من شراء الكسوة لثلاثة أطفال فقط، فخلال شهر شعبان، لم أعمل إلا نصف نهار فقط".
معلم البناء
معلم البناء

صعوبة العودة
مع تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، بفعل الحرب المستمرة منذ سبع سنوات، تغيَّرت حياة الكثير من اليمنيين، وجعلت العمال يقفون عاجزين عن العودة لأسرهم؛ على الرغم من مرور أكثر من 8 أيام، حيث أنهم تخلوا عن الكثير من العادات، والطقوس الرمضانية.
يقول رأفت، شاب عشريني، وكان يقف وسط العشرات من العمال في مدينة عدن، "لا نستطيع السفر، العمل معدوم، وما ادخرناه من مال، نأكله ونحن منتظرون على هذا الرصيف، لعل انفراجة تأتي في رمضان".
يتوافق مع رأفت، كل من حوله من العمال، حيث أنهم أبدوا استعدادهم للعمل في الحفريات، أو بنقل الأشياء وغيرها، ولم يعودوا متمسكين بمهنهم التي تعبوا كثيرًا لاكتسابها، والتمكن منها.

التدهور الاقتصادي
وكان للتداعيات الاقتصادية، وتدهور سعر العملة إلى مستوياتها الدنيا، أثرًا بالغًا على حياة العاملين، خصوصًا هؤلاء العاملين في قطاع البناء والتشييد، المهنة الأكبر للعمالة اليمنية بحسب مختصين، وانعكس ذلك على قلة فرص العمل، وانعدامها في أحيان كثيرة، وارتفاع أسعار الاحتياجات الأساسية.
معلم الدهان ناصر
معلم الدهان ناصر
ويقول ناصر الفرنسي، 46عامًا وهو معلم دهان (طلاء) إن "انهيار العملة هو السبب في كل شيء، لقد قصم ظهورنا، لم نعد نحصل على عمل، وإن وجد فهو لأيام قليلة، ولم نعد نعلم كيف نقاوم".

ويؤكد إبراهيم، العامل العائد من عمله، بأن غلاء الأسعار إلتهم جهد العامل ومتاعبه، مستدركًا، "الحمد لله حصلت على عمل متواصل خلال هذه الفترة، لكن الفلوس مالها قيمة، نحصل على المال بصعوبة، وكد وشقاء، وننفقه بسهولة لاحتياجات الأسرة، ومصاريفي الشخصية في هذه المدينة".
وبالإضافة إلى ذلك، مثل ارتفاع أسعار الحوالات الداخلية، بين مناطق سيطرة الحوثيين والحكومة الشرعية، حيث بلغت أكثر 40 % من المبلغ المحول، والمشاكل الأمنية، عائقًا أمام تنقل الكثير من العمال، للبحث عن فرص عمل جديدة، وظلوا يعملون في المناطق التي يعيشون فيها.

ومن اضطر إلى العمل في منطقة أخرى، يكون الأمر مضاعف عليه، كحالة العم ناصر، حيث يقول: "أدفع نصف المبلغ الذي أرسله لأسرتي، كقيمة للحوالة؛ لأن أسرتي تعيش في محافظة البيضاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين".
ومن جملة الأسباب التي أثرت على تدني فرص العمل، توقف رواتب الموظفين الحكوميين في بعض المحافظات، الأمر الذي جعل من المهن الوجهة الأولى لديهم، فصار المعلم، والمهندس، وغيرهم، يكافحون بمهن الآباء والأجداد، وعلى الرغم من كل التداعيات يبقى هؤلاء يجاهدون في سبيل الحصول على لقمة العيش الكريم بلا توقف، للنجاة من جحيم هذه الحرب.

رمضان زمان
ومن تمكَّن من العودة إلى أسرته من هؤلاء، سيجد أن رمضان لم يعد كالسابق، انتزعت منه سكينته، وصارت أيامه ولياليه عامرة بمآسي الحرب، وما تخلفه من بؤس.
يقول العم عبد الرقيب علي، "كان رمضان كله سكينة وراحة، نقضي لياليه بالسمر، والذكر مع الأهل، لكن اليوم تمضي الليالي، ونحن نتحدث عن سعر الدقيق، والغاز، والطماطم، وغيرها من الهموم".

مجالس الألفة، أصبحت تضج بأحاديث عن الحرب، التي تشتعل من مدينة إلى أخرى، وما خلفته من كوارث، وانقسامات على المستويات كافة.
لكن أثرها الكارثي، يبرز أكثر على حياة العامل اليمني، في أبشع صوره، حيث دخان الحرب تضيق مساحة العيش لهؤلاء، وتخنق نسائم رمضان، والعيد الأكبر، والمناسبة الأهم، والكثير من المناسبات، التي كانوا يمنحوها اهتمامًا كبيرًا.

ومع ذلك، ومن بين كل هذا الركام، تتجلى صلابة العامل اليمني، حيث لا يزال المئات منهم مرابطين في ميدان العمل، والبحث عنه، في تصدي عنيف للكثير من الانجرافات، والمغريات التي فتحتها أبواب هذه الحرب للبعض، ومنهم من صار جزءًا من وقودها، والتصدي لليأس والانكسار، الذي أفقد البعض من الأسر حلاوة العيش الآمن والكريم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى