وعاد الثالوث الأسود من جديد

> الثالوث الأسود فقر وجهل ومرض يلوح شبحه من جديد في حياة البؤس والشقاء والضنك والحرمان ينغص علينا معيشتنا يعيدنا إلى زمن الاحتلال البغيض، احتلال يهتم فقط بأماكن تواجده وقواته العسكرية ومن دخل في خدمته وعمل لصالحه، استعمار نظم سبل المعيشة مستنسخاً كل ما هو في لندن ليعيش قادته وجنوده وموظفوه في أجواء شبيهة بلندن أنستهم فارق الأجواء بعد المسافات، ضارباً ببقية المدن والقرى خلف الريح في بؤس وشقاء خارج الجغرافيا الطبيعية وسط أنياب ومخالب ثالوث الشر الأسود الفقر والجهل والمرض، ولم يتح للفقراء والوافدين من القرى المجاورة لعدن أن يحصلوا على عمل أو يلحقوا أولادهم بالمدارس أو المعاهد، واقتصر التعليم عند الفقراء على المساجد والبيوت فلبس الفقراء ثياب الجهل والتخلف الفقر الأسود الذي بنى له في كل بيت مأساة ومعاناة تزداد قتامة بتفشي أمراض افترست العاجزين عن مداواة أنفسهم ليلجؤوا إلى الشعوذة والطلاسم والكي بالنار والطرق البدائية.

واليوم بعد مضي قرنين من الزمن ولعدم وضوح الرؤية في تحديد وضعية عدن الجيو سياسية وعدم الإفصاح عن خطط السياسيين في ترسيم حدود عدن وجغرافيتها السياسية والاقتصادية والسكانية، وأين هي من التسميات المتداولة عنها، أهي عاصمة الجنوب أم عاصمة مؤقتة لليمن الاتحادي، أم عاصمة اقتصادية للجمهورية اليمنية؟ لم يعد المواطن يعلم شيئاً عن عنوان مدينته كي يسجله في الطرد البريدي، فالأمور ازدادت غموضاً وهي تبحث لها عن ترتيب وضع وتحديد موقف فتركها القائمون عليها بلا رعاية ولا إدارة ولا وصاية، فأهملوها ليحوم حولها ثالوث الشر الأسود الفقر والجهل والمرض من جديد، أمراض منسية عفا عنها الزمن فيصرع البعوض والذباب أهالي عدن مطالع رمضان على التوالي سنة بعد سنة ودور الرعاية الصحية مشلولة أمام وضع لم يخطر ببال أحد أن الأوبئة كالحميات والفيروسات أخوات الأنفلونزا ومشتقاتها ستفتك بعدن، وهي لا تجد غير التسول تستجدي منحها مساعدات طبية تنقذ أبناءها من الوباء والأمراض الموسمية، وبسبب الفقر المستشري بين الناس واتساع دائرة الفقراء المحتاجين اكتظت الشوارع بطوابير المستحقين للإعانات المالية التي تصرفها المنظمات والجمعيات والهيئات وكل يوم يمر وتتوسع فيه أماكن الصرف ومكاتب اللجان الإغاثية في الإحياء والشوارع فقر لم تشهد مثله عدن في تاريخها، فانقطاع الرواتب وتوقف العمل بالتسويات الوظيفية والإحالة للتقاعد وتوظيف الشباب وسع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية فاختفت الطبقة الوسطى لتتسع دائرة الفقراء لتشمل الموظفين مدنيين وعسكريين، ويصبح الشعب بكامله في دائرة الفقر باستثناء البيوت التجارية وأسر المغتربين وكبار موظفي الدولة المقيمين والمغتربين في الخارج ومن تصلهم الحوالات المالية المتكيفة مع سعر الصرف المرتفع الذي جعل فئة من الناس تدخل دائرة الأغنياء وفئة أخرى تسقط في دائرة الفقراء.

إن عدن صارت مهددة من قبل ثالوث الشر الفقر والجهل والمرض، أسر كثيرة في عدن استغنت بسبب الفقر عن قائمة كبيرة من أنواع الأغذية الصحية ليصاب الأطفال بسوء التغذية والتقزم والكبار بالأمراض المعوية وسوء الهضم، كما استغنى الكثير من أهالي عدن عن تعليم أبنائهم في المدارس والثانويات والجامعات بسبب الفقر لتزداد نسبة الأمية المقنعة، وصار التعليم الحديث مرتبط بالأسر الغنية أو مرتفعة الدخل حالات تشبه أوضاع المحميات قبل 100 سنة عندما كان التعليم والوظيفة والتداوي حكراً على الأسر الغنية أو كبار موظفي الدولة. هكذا عدنا وعادت عدن لتغرق مرة أخرى في ثالوث الشر الفقر والجهل والمرض، فلا كهرباء ولا مياه ولا خدمات طبية ولا مرتبات كافية لسد الرمق ولا قدرة على السكن ولا رغبة بالمنح الدراسية الداخلية والخارجية. نعم لقد عادت عدن من جديد وبعد قرنين من الزمن تجتر الماضي الأليم والثالوث الأسود الفقر والجهل والمرض عنوان تجده مرسوم في وجوه الأطفال في الشوارع وجوه شاحبة وأجساد نحيلة. فلماذا دخلت عدن مع بقية المحافظات في كهوف ثالوث الشر الفقر والجهل والمرض، أليست بيد الأشقاء في التحالف العربي بزعامة المملكة والإمارات أغنى أغنياء العالم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى