"سوق الجبالية" في لحج.. اسم منسي ودلالة مجهولة

> تقرير/هشام عطيري:

> من أشهر أسواق السلطنة العبدلية ..
نشطت في زمن السلطنة العبدلية الأسواق الشعبية، التي كانت تمثل نقطة اتصال بين سكان السلطنة، وجيرانهم في الممالك والسلطنات المجاورة، ومع نهاية سبعينيات القرن الماضي، وبداية الثمانينيات، شهدت حاضرة لحج، فتح شوارع جديدة، وأسواق حديثة، لتتلاشى الأسواق الشعبية القديمة، ويخفت صيتها.
سوق الجبالية في مدينة الحوطة، هو من أشهر الأسواق الشعبية التي اندثرت، فقد كان السوق الوحيد لأهالي الحوطة وتبن، وتتوافر فيه كل المتطلبات، من حبوب، ومواد غذائية، لتصل شهرته إلى المناطق المجاورة لـلحج.

وقد عُرف قديمًا عن باعة هذا السوق، بأن جميعهم من أبناء الشمال، من محافظات إب وتعز وذمار، وكان ذلك بسبب إطلاق التسمية عليه.
الشيخ خالد الفقيه إمام وخطيب الجامع الكبير، بمدينه الحوطة، يشير إلى أن سوق الجبالية، كان يعتبر السوق الرئيس أيام السلطنة العبدلية، منذ بداية الخمسينيات، وحتى نهاية السبعينيات، كسوق مركزي للمدينة، لعدم وجود أسواق أخرى، أو شوارع في تلك الفترة.

وقال الشيخ الفقيه: "سوق الجبالية، كان عبارة عن أكشاك صغيرة، موزعة في حارة مزاحم بلجفار، وبجانب الجامع الكبير، الذي بناه السلطان العبدلي، وكان يوجد في هذا السوق كل متطلبات المواطنين من الحبوب، والذرة، والمواد الغذائية".
وتابع: "على الرغم من استمرارية نشاط السوق طوال الأسبوع، إلا أن هناك يومان هما الاثنين والخميس، يقام فيه الحراج للبضاعة التي تصل للسوق، قادمة من القبيطة، والأعبوس في تعز، أو من عمران الساحل لبيع الوزف".

يتذكر الشيخ خالد الفقيه أن السوق كان مسقوفًا، بمساحة 30 إلى 40 مترًا، من الشرق إلى الغرب، وعشرة أمتار إلى 20 مترًا من الشمال، إلى الجنوب بأخشاب السمر، لتغطية البضائع وللظل.

وأكد أن تسمية "سوق الجبالية"، تعود إلى أن كل الباعة، كانوا من أبناء الشمال، من القبيطة، والمقاطرة، والأعبوس، الذين يبيعون مختلف المنتجات، التي تعرض في السوق، مضيفًا، "يوم الجمعة يخرج السلطان العبدلي، ترافقه فرقة موسيقية إلى هذا السوق، ومن ثمَّ يصلي صلاة الجمعة في مسجد الجامع، المحاذي لسوق الجبالية، الذي بدأ يتلاشى، وينتهي بشكل نهائي في الثمانينات، بعد ظهور شوارع وأسواق جديدة في المدينة، ما دفع الباعة إلى الانتقال لتلك الأسواق".

علوية إحدى ساكني تلك المنطقة قالت: "سوق الجبالية كان يشهد إقامة الاحتفالات، والأعياد، والمناسبات الدينية، ومنها زيارة ولي الله الصالح، مزاحم بلجفار، الذي يقع ضريحه في السوق، الذي تعرض للتدمير في التسعينيات، وفي تلك المناسبات كان يوزع على الناس المكرر واللوز".
المهندس عبدالرزاق الفقيه، يصف هذا السوق بأنه موروث شعبي، استمر حوالي 60 عامًا في استقبال العديد من القوافل القادمة من المحافظات، لتحط رحالها في هذا السوق، الذي يعد مجمع لمختلف الأسواق، ويمارس فيه البيع والشراء لكل أصناف الحبوب والمواد الغذائية.

وقال: "هذا السوق تحول إلى منطقة حرة، بسبب حرية التنقل دون عناء، أو إجراءات في تلك الفترة، أي زمن السلطنة العبدلية، حيث كان يستقبل سوق الجبالية كل التجار القادمين من الشمال، والمحملين بمختلف البضائع، لبيعها على تجار ومواطنين في هذا السوق".
وأردف:" أتذكر وأنا طفل، كنت أشاهد قوافل الجمال، محملة بالقمح، والذرة، والوزف، تحط رحالها في هذا السوق"، مشيرًا إلى أن ظروف المدينة، واندثار السوق، جعل الناس تنسى شيء اسمه سوق الجبالية، باستثناء كبار السن، الذين لا يزالون يتذكرون هذا السوق المشهور قديمًا.

وكان لسوق الجبالية نظام محدد، على الرغم من ازدحامه طوال الأسبوع، وبحسب هادي الإصبع فإن زيارة الولي مزاحم بلجفار، كانت تشكل مناسبة انعاش للسوق ومرتاديه.
ويوضح الأصبع أن نظام السوق شمل وجود موقف خاص للبغال، يتم ربطها في هذا الموقف، أثناء القدوم من منطقة، أو قرية بعيدة، إلى حين الانتهاء من عملية التسوق، وشراء كافة الحاجيات، التي تتطلبها وفق ترتيب معين، حيث تجد موقف الحمير، الذي يبعد عن السوق عشرات المترات، نظيفًا ومرتبًا، مقابل أجر زهيد، يدفع لمن يهتم برعاية الحمير، إلا أن كل تلك الأشياء انقرضت، بفعل عوامل مختلفة، ساهمت باندثار سوق الجبالية بحسب الإصبع.

ويؤكد المواطن أحمد عبدالله السنوت، أن العديد من التجار، "كانوا يعرضون بضاعتهم في الأرض، بهذا السوق، بأمن وأمان، فيما يشهد يومي الخميس والاثنين، اكتظاظًا بالبشر في هذا السوق، بما يسمى بسوق الوعد، الذي خصص له يومي الاثنين والخميس منذ القدم، حيث يأتي المواطنون من كل قرى لحج للتسوق، والبيع والشراء على متن الحمير، والجمال في زمن كانت لا تتوفر فيه المواصلات الحديثة ولا الطرقات".

د .محمد أحمد يوسف الصماتي، أستاذ مشارك في كلية التربية، بجامعة عدن، يقول إن هذا السوق يعد سوقًا رئيسًا قديمًا بالنسبة لـلحج، ويقع قريبًا من مسجد الجامع، ومحاذ لسوق الحدادين.
" الناس إذا أرادوا الذهاب، قديمًا إلى السوق قبل 50 أو 60 عامًا، قالوا نذهب إلى سوق الجبالية، الذي يوفر للمواطن أنواع الحبوب، ولاسيما من مناطق جبلية بتعز، ووديان تهامة، ومن إب، و ذمار، حيث تجلب الحبوب وغيرها إلى هذا السوق"، قاله الصُمَاتي.

وفي فترة السبعينيات شهد السوق تراجعًا في نشاطه، وهجرت أماكنه، لينتهي بعد ذلك نهائيًا، بحسب الصماتي، الذي أفاد بأن تسمية سوق الجبالية، لم تعد تسمع بعد أن انتهى السوق، تحول الاسم إلى سوق الجامع، أو سوق الحدادين، " اسم سوق الجبالية، أصبح اسم غير معروف، باستثناء عند القدماء الذين لا يزال الاسم عالقًا في أذهانهم".

وبانتهاء سوق الجبالية، تنتهي أعوام من النشاط التجاري الشعبي، خلال فترة السلطنة العبدلية، الذي لم يوثق، ولم يشار إليه، وبوفاة من بقي من المعمرين الذين عاصروا سوق الجبالية، يختفي الأثر، وينتهي الذكر تمامًا كأن شيئًا لم يكن ..

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى