شعب مقاوم

> في اليمن حكومة مدعومة وشرعية مسنودة، لكن العقوبات تترى على رأس المواطن في هذا البلد في قصة تشبه اللغز.
بدت القضية اليمنية حاضرة في الإعلام الدولي، وقال الغرب: "إنّ الحرب في هذا البلد تعُد أكبر كارثة إنسانية"، بينما لم يتحرك هذا الغرب إلّا في حدود إطالة أمد الحرب ضمن دبلوماسية أُممية مقيتة لتدمير مقدرات البلد، وفي الطرف الآخر يصمت العرب في انتظار المُخلص الذي يخرِّب الديار، ويوزّع الموت طاعة لأمر سيده.

ما لم يعرفهُ العالم عن هذا الشعب أنه صابرٌ ومُقاوم، وكأنه لم تمر به أزمة، ولا نزلت في ساحته حرب، ولا لحقت به رزيّة.
ترى الفلّاح في حقله يُغنّي للمطر والزراعة، والبنّاء فوق ظهر عمارته ينشد زامل "الشاقي" ليشُد ساعده، والبائع في دكانه يبتسم للزبون ويمازحه، والصيّاد يركب البحر في سعادة غامرة كأنه يوزّع الحرية للعالمين.

روي عن مواطن إرتيري هنا بعدن يعمل في محل لبيع الدجاج المذبوح، أنه قال لزبون: "أنتم في اليمن معكم دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قال له كيف؟ فقال: في رواندا نشبت ذات مرة حرب استمرت ساعات بعد يوم واحد، فما في طعام في البيوت ولا في الأسواق. أنتم تأكلون وتشربون وتتسوقون، ومعكم ست سنوات حرب".

كأن أهل هذا البلد يريدون أن يقولوا للدنيا: "أيُّها العالم نحنُ شعبٌ عظيم لا تفُت في عضُدنا الحروب ولا المصائب ولا الأزمات، ألَمْ يقُل شاعرنا البردوني:
شوطنا فوق احتمال الاحتمال
فوق صبر الصبر لكن لا انخذال

قبل رمضان كان يقول الناس في هذا البلد: "كيف سيكون صيام هذا العام في ظل الغلاء والوباء؟".
فرأينا عَجَبَاً، ازدهت مدينة عدن هُنا بزينات إقبال الشهر الكريم، والتهبت زوايا وأركان البيوت بفوانيس رمضان، وصارت الأسواق في ذروة نشاطها في حركة بيع وشراء، وازدحام لا يتوقف إلى قبل الفجر.

إنّ المواطن في هذا البلد قد يفقر أو يمرض أو ينزح أو تتقطع به السُبُل، لكن يضل واقفاً في طريق الأنواء ثابتاً في مقاومة أسطورية ينزع نفسه عن محيط المدلهمّات بنور الإيمان بالله والثقة به والتوكّل عليه.
ماذا فعلت بنا الكهرباء وهي تنطفئ لساعات طويلة؟ لا شيء هزمناها وبقي السَمَر الرمضاني كالمعتاد، واستمر الأطفال يلعبون في الحوافي على ضوء القمر ومصابيح الطاقة البديلة، وهوّن لنا ربنا حرارة الصيف بأن لطّف لنا الجو، وأنزل علينا المطر.

وليعلم ولي الأمر أن في قادم الأيام سيحل علينا الموسم، وسيذهب المواطنون إلى مزارعهم، وسينسون هَمَّ الغلاء والوباء والكهرباء، وسيحتفلون بموسم الذرة والدُّخن وأغاني الرُّعاة.

وفي موسم المطر سيغفل الناس عن حكومة المناصفة، وسيتركون الراديو والقنوات، وسيرمون خلف ظهورهم حرب الحوثي والشرعية، وسيضحكون للبتول ونبات الأرض وغنَم الجبال رغم ضنك العيش وألم الحرب، لكنهم لن ينسوا أن في بلدهم حكومة ظالمة ورئيس دولة مغترب، حتى يُدرك العالم حصرياً أن في هذا البلد يوجد شعبٌ مكافح ومقاوم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى