صحابة رسول الله.. أبو عبيدة بن الجراح .. أمين الأمة

> أبو عبيدة بن الجراح من كبار الصحابة رضي الله عنهم، ومن المهاجرين الأوّلين، وأحد العشرة المبشّرين بالجنة، ممن بشرهم رسول الله، اسمه عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبّة بن الحارث الفهريّ القرشيّ، أمه أُميمة بنت غَنْم بن جابر، كنيته أبو عبيدة، وقد اشتهر بها حتى غلبت على اسمه. اتصف أبو عبيدة بن الجراح بالحلم، والتواضع، وشدّة الحياء، وحسن الخُلق.

كان أبو عبيدة رضي الله عنه من السبّاقين إلى الإسلام، حيث أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دار الأرقم، وكان إسلامه على يدي أبي بكر الصديق ثمّ هاجر الهجرتين، وشهد مع النبي -عليه الصلاة والسلام- المشاهد كلها، وكان من أحبّ النّاس إليه.

مناقب أبي عبيدة بن الجراح
أمين هذه الأمة:
حيث يُعرّف الأمين بأنّه الثقة المرضي، وعلى الرغم من اشتراك الصحابة رضي الله عنهم بصفة الأمانة، إلا إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خصّ أبا عبيدة رضي الله عنه بهذه المنقبة العظيمة، فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "إنَّ لكلِّ أمةٍ أمينا، وإنَّ أميننا أيَّتها الأُمَّة أبو عُبيدة بنُ الجرَّاح". إليك قصة التسمية:

لمّا قدِم أهل نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهمّوا بالعودة إلى ديارهم، طلبوا منه أن يبعث معهم رجلا أمينا، فقال عليه الصلاة والسلام: "لأبعثنَّ إليكُم رجلا أمينا، حقَّ أمينٍ حقَّ أمينٍ".
فرغب كلّ واحد من الصّحابة أن يكون من اختيار الرّسول صلى الله عليه وسلم لينال الشرف العظيم، فقال الرّسول صلى الله عليه وسلم: "قُمْ يا أبا عبيدةِ بنِ الجراحِ، فلمّا قام، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: هذا أمينُ هذهِ الأمّةِ".

قرنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثناء مع أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، حيث قال: "نعم الرجل أبو بكرٍ، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عُبيدة بن الجرَّاح".

شهد أبو عبيدة رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم معركة بدر، وقاتل فيها قتالا لا هُوادة فيه حتى إنّه قتل أباه في تلك المعركة، فأنزل الله تعالى فيه آياتٍ تتلى إلى يوم القيامة، حيث قال عزّ وجلّ: ((لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ، أُولَـئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ)).

وفي غزوة أحد كان أبو عبيدة من الذين ثبتوا في ميدان المعركة عندما بُوغت المسلمون بهجوم المشركين، وأنه كان من المدافعين عن النبي محمد. ونزع يوم أحد الحلقتين اللتين دخلتا من المغفر في وجنة النبي بثنيتيه، فانقلعت ثنيتاه، فحسن ثغره بذهابهما.

قصة وقوع ثنيتي أبي عبيدة روتها السيدة عائشة: سمعتُ أبا بكر يقول: «لما كان يومُ أحد، ورُمِيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في وجهه حتى دخلت في أجنتيه (وجنتيه) حلقتان من المغفر، فأقبلتُ أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنسان قد أقبل من قِبَلِ المشرق يطير طيرانا، فقلت: اللهم اجعله طاعة أو "طلحة" حتى توافينا إلى رسول الله، فإذا أبو عبيدة بن الجراح قد بدرني فقال: أسألك بالله يا أبا بكر إلا تركتني فأنزعه من وجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو بكر: فتركتُه، فلم يشأ أبو عبيدة أن يخرجهما بيديه خشية إيلام رسول الله، فشدّ الحلقة الأولى بأسنانه فسقطت ثنيته على الأرض، ثمّ شدّ الحلقة الأخرى من الجهة المقابلة بأسنانه فسقطت ثنيته الثانية أرضا، فكان أبو عبيدة في الناس أثرم.

وفى عهد عمر بن الخطاب كان أبو عبيدة أميرا على الشام، وقاد الجيوش الإسلامية فتوالت الفتوحات على يد أبي عبيدة.
فنزل يوما أمير المؤمنين إلى الشام ودخل بيت أبي عبيدة، فلم يجد فيه إلّا كُسيرات من الخبز والقليل من المتاع، فبكى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال له: "غيّرتنا الدنيا كلّنا، غيرك يا أبا عبيدة".

وفاة أبي عبيدة بن الجراح
لمّا حل الطاعون في عمواس، وهي قرية بين الرملة وبيت المقدس، كان أبو عبيدة بن الجراح أمير الجند هناك، فخشي عليه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الطاعون، فبعث إليه كتاباً قال فيه: "فإنِّي أعزم عليك، إن أتاك مصبحا، لا تُمسي حتَّى تركب، وإن أتاك مُمسيا أن لا تُصبح حتَّى تركب إليَّ، فقَد عرضت لي إليك حاجةٌ لا غنى بي عنك فيها"، وكان أبوعبيدة رضي الله عنه رجلا شديد الذكاء، ففهم قصد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأنّه يريد إنقاذه من الطاعون، فكتب إليه متأدّبا معتذرا عن الحضور، وقال: "إنِّي في جندٍ من المسلمين لن أرغب بنفسي عنهم، وقد عرفتُ حاجة أميرِ المؤمنين، فحللني من عزيمتك"، ولمّا وصلت الرسالة إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بكى، فسأله من حوله من الصحابة إن كان أبو عبيدة رضي الله عنه قد توفّي، فقال: "كأن قد"، أي إن لم يكن قد مات فإنّه سيموت لا محالة، فلا سبيل لنجاته من الطاعون، وتوفي رحمه الله في العام الثامن عشر للهجرة، وكان يبلغ من العمر ثمان وخمسين سنة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى