​في عزاء ورثاء الراحل محمد عبدالله مخشف

> هكذا يشاء ربك، قدوم وذهاب وإياب وبقاء... سنة الكون: حياة وممات، والله مالك ممالك عرضها السموات والأرض وما بينهما من كائنات، وكنا أنا وأنت وكل البشر خلفاء على الأرض حتى يحين الرحيل لا راد لقدرة الله كريم حكيم.
وكنت، أنا الذي بالأمس أو قبلها، قد صقعته الفجيعة، حين رحلت روح فقيدنا بدرنا العزيز إلى باريها، ولم تجف بعد مدامع العين، وإذا بخبر آخر حزين بحجم صاعقة أتاني من العزيز تمام باشراحيل البارحة التاسعة مساء، متهجدا حزنا، يقول رحل المخشف يا ابن عبدالكريم.

اللّهم لا راد لقضائك فيما اخترت، فلك بذلك حكمة، ولنا وعلينا القبول... وألما وحزنا وحسرة نقول: فقدناك يا أبا ريام... فقدناك وفقدتك المدينة والوطن، وسكت الحرف والقلم، وأصابت حشرجة الموت معامل صياغة الخبر، يامن كنت لها لها منذ الصغر معلما نطاسيا ماهرا، تصول وتجول متنقلا بين الحوادث الأحداث، تغطي مساحات تتطلب عقلا يفهم كيف يحلل وكيف يصول ويجول بين متناقضات ومعارك أشرس من عيون الليل وباهوت الغباء، الذي يقتحم سكينة الهدوء، غول الغباء يشن حربا ونزالا وصراع أطراف، تعرف من أين يؤكل الكتف، لكنها أيها الراحل، لا تعرف مبتدأ خبر مصلحة المواطن الوطن إلا بعد خراب مالطة والديار، وهم ما نحن فيه، وقد عانيت من مرارته كما عانينا.
نعم رحلت أبا ريام وذا يزن، وتركت لنا الهموم غصة بالقلب، وألما بالفؤاد، لكنك قد تركت من طيبة القلب دواء نواجه به العلل.

عزاءنا بالقول نردفه بسيرة خططت معالمها منذ الصغر بشموخ وأباء واقتدار، ويكفيك، يامن حملت لواء تأسيس صرح الخبر، وكالة أنباء عدن ثم وكالة أنباء سبأ، وخضت المعارك تلو المعارك بين صنعاء وعدن، وكنت رسولا لمن يحوز ثقته، فقد حاز جائزة الوطن شرفا وانتماء، وشرف المهنة اقتدارا ووفاء، لذا كان الراحل الجاوي عمر يعتبرك الأمين المؤتمن بمهمات كان يختارك ليخوض عبرها معارك، كنت فارسها النبيل.

أيها الراحل في زمن أصعب من كل الصعاب، لكنك رغم ويلات حرب ضروس ما تقاعست يوما عن ذات المهام، فارس ميدان يغطي ساحة الخبر صدقا وتحليلا، يفتش ما بين الجيوب وما بين بين التفاصيل، التي دوما تكمن بها الشياطين، وكنت تطاردها لا تخشي سحرها وخطرها الكذوب، فالحقيقة إن سادت عندها تختفي كل الشياطين، وكنت لذلك فارسا لا يباري في الميادين سياسة وصحافة وأدبا وإنسانيات، فلك في كل دهاليز المدينة وربوع الوطن وخارجه محبون ومريدون.

نعم رحلت، وقد عانيت أواخر السنين، وكان التحدي، فالعمر يجري، وأوغاد، يفترض أنهم يُعبِّدون الطريق، يحيلونها قفراء جرداء مليئة بالثعابين وبالحفر، ولا تسر الناظرين، وظل قلمك يكتب بداخل الدار وخارجه، ويكفيك يكفيك أنك كنت، منذ كنت في مقتبل العمر، صحافيا هماما للحقيقة ناقلا ومدافعا.
 أبا ريام، كم هو الحزن شديد، وسيزداد حين نتلفت يمينا وشمالا بعدن وبصنعاء، بمقايل عدن بشوارع قاهرة المعز ولا نراك، ولا نسمع صوتا مميزا. يا إلهي، كم هو الحزن ثقيل! ورحيلك أبا ريام أكثر ثقلا!

أبا ريام، حين فاجأني خبر رحيلكم على حين غرة، تجمدت الأطراف، وانعقد اللسان! الله أعطى وأخذ، واللسان ينطق بصمت وحزن: يا أيتها النفس، ارجعي، تلك مشيئة الباري الكريم. وهنا، دار بي الكون دورة، ودار بي العمر دورتين، فما ذهب كان أكثر، وما بقى إلا القليل القليل، معجون بالمتاعب، بالزيف، بمتناقضات الوحل، تلك كبها على الطريق نفر وغفر ومصالح على أشلاء وطن ومواطنين يتقاتلون ويتكسبون.

رحلت، وتركت لنا مستنقعات الأيام، سنكتب مثلك ندين تلك الفعال، لكننا سنفتقدك خبرا وتقريرا يميط اللثام عما يخبئه الأوغاد تحت الرماد.
أعود للقول حين فاجأني خبر رحيلك، وفعلا، كان خبرا حزينا كارثيا، فإلى جنة الخلد أبا ريام.

تذكرت حين فاجأني الخبر ببيت شعر لشاعر جاهلي اسمه عدي بن زيد العبادي، يقول فيه:
 أعـــاذل مــا أدراك أن مـنيتـي
 إلى ساعة في اليوم أو في ضحى غد
   وداعا أيها العزيز! والعزاء للوطن والأهل وكل المحبين والمريدين. نعم رحلت لكنك ستبقى، كما كنت، رمزا وحرفا مشعا، تقول أصيل الكلام، فحوى الحقائق، ثم تمضى، وكنت تعود، وهذه المرة، يا للحزن! لن تعود جسدا حضور، ستعود طيفا، وتركت الوديعة أمانة لمن سيحملون بعدك وزر الحقيقة، وهم كثر، وأولهم ريام وذو يزن، وكثيرون ممن تعرفهم...
نم قرير العين! فأنت لدن من تشمل رحمته سبع سماوات وبطاح وبحار ومحيطات طوال عراض.
هذه كلمات عزاء من أخيك الحزين د. علي عبد الكريم.
 عدن 3 / 5 / 2021

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى