​عن اتفاقية 22 مايو 90م

> أمين اليافعي

> أي مشروع يهدف إلى إزالة الحدود والحواجز بين الناس، سواء أكانت حدود أو حواجز سياسية، ثقافية، اقتصادية، دينية...إلخ، هو مشروع نبيل وجميل، دون ذرة شك.
لكن ما تحقق في 22 مايو لا علاقة له بمشروع وحدة نبيل، المشروع الذي حلم به اليمنيون في الشمال والجنوب، وناضلت من أجله الحركة الوطنية لعدّة عقود.

ما تم في 22 مايو هو توديفة نفق، توديفة راح فيها نضال سنوات طويلة، ورهانات جميلة وشاطحة، ومشاعر باذخة، ومصالح لا تُعد ولا تُحصى (إن أردنا طبعا أن نحسن الظن والنوايا ونقتصد في التعبير السلبي، مع إن رائي اليمن الكبير عبدالله البردوني وصفه، وبكل صراحة وجرأة وثقة، بـ"المؤامرة"، ثم أردف عندما عاتبه محاوره - الأستاذ حسن العديني مراسل صحيفة السفير اللبنانية - عن هذا التوصيف الصادم معللا أنه استخدم الشعب اليمني في المدى البعيد: "أيوه بتقتيل الناس! ما في من الخراب إلا الخراب، وما في من الفساد إلا الفساد").

ومنذ ذلك الحين تتحق نبوءة البردوني بالملي: خراب يليه خراب أكبر، وفساد يفتح كل أبواب الفساد".
جاءت 22 مايو بعد كارثة، فأفضت إلى كارثة أكبر بعد أربع سنوات فقط، وهذه الأخيرة فتحت على البلد كل أنواع الكوارث.

وإلى الآن، ما خلفته "الحروب الوحدوية" يتجاوز أربعة أضعاف سُكان المثلث، على سبيل المثال (وهذا المثال اخترته بعناية).
في التاريخ المعاصر، لم يبلغ منسوب الكراهية بين الناس، والانقسامات الاجتماعية، بهذا المستوى، كما وكيفا، حتى في حقبة الاستعمار والإمامة.

الثقافة السياسية التي تكرست أفرغت كل المضامين الوطنية من حياة الناس، وأفرغت المشاعر الوطنية من قلوبهم، وعندما حانت الاختبارات العسيرة، لم يكن هناك من يدافع عن المكتسبات الكبيرة - عدا قلة قليلة لا تُذكر. هربت النخبة الفاسدة، وتركت الشعب مشدوها تتخطفه الصراعات الصغيرة والمتناهية الصغر، وتهرسه الأزمات.
ولم يكن غريبا أن تترسب عن هذه التطورات هذه النخبة التي ترفع/ تُزايد اليوم براية الوحدة، بينما لا تتعدى وحدويتها صفحات مواقع التواصل الاجتماعي/ خطابها الإعلامي، أما سلوكها ومشاريعها الواقعية فهي على النقيض تماما من مشروع/ مفهوم الوحدة، سلوك تمزيقي تقسيمي ومحاولة دؤوبة لتفتيت كل روابط النسيج الاجتماعي. وكذلك هو الحال بالنسبة إلى النخب/ القوى التي ترفع شعاراتها الوطنية المناهضة، فلا علاقة لها هي الأخرى بمشاريع الوحدة في نطاق حدودها الجغرافية المُتخيَّلة. كأننا في ماراثون شديد التنافس على من يقوم بتمزيق النسيج الاجتماعي بأقصى سرعة ممكنة، وإلى أقصى حد.

البيت آيل إلى السقوط لا محالة، وكلنا نعلم ذلك منذ سنوات طويلة، وكل المحاولات في السنوات الماضية هدفت إلى تقليل الأضرار الناتجة عن السقوط الكامل والشامل، ولعل التقاطة نَفَس تُتيح أن نُربي الأمل، مرة أخرى. لكن القوى التي يتم الدفع بها إلى صدارة المشهد تقف حائلا دون ذلك، وبكل قوة، وشعارها الأثير "عليّ وعلى أعدائي"!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى