مرضى السرطان بالحديدة.. حين يتعلق العلاج بثمن المواصلات

> «الأيام» "خيوط":

>
  • ​50 % من المرضى لا يستطيعون الوصول للخدمات الطبية..
بمزيج من الفضول والبراءة، تتأمل الطفلة "ريماس" ذات الثماني سنوات، وجه والدها المُطْرق وجبينه الذي يَنِزُّ عرقًا، وكأنها تقرأ بحدسها الطفولي ما يجول في ذهنه من هواجس، اعتادت أن تراه غارقًا فيها كلما خلا بأفكاره.
لا يلبث والد ريماس، محمد عبده سعيد عُبيد (30 سنة)، حتى ينتفض قائلًا لـ "خيوط": "لقد استدنت أموالًا بعدد شعر رأسي، لأتمكن من علاج طفلتي، منذ 4 سنوات وأنا أكافح كي تنجو ريماس من السرطان، الذي عاد إلى جسدها، بعد 5 أشهر من انقطاع متابعة العلاج، والآن لا أدري من أين سأوفر قيمة المواصلات ذهابًا وإيابًا".

تحت هَبَّات الغبار وأشعة الشمس الحارقة، يقطع عُبيد وطفلته مسافة 180 كيلومترًا على متن دراجة نارية، من مدينة باجل، حتى مركز الأورام بمدينة الحديدة، وهي مسافة تستغرق قرابة 3 ساعات بالسيارة، وتكلِّف نحو 8 آلاف ريال (15 دولارًا)، مبلغٌ يَفُوْق قدرة فلاحٍ يعمل باليومية مثل عبيد، الذي بالكاد ينجح في توفير ثمن وجبتين في اليوم لأسرته، يضطره هذا للاقتراض من أصدقائه ومعارفه ليتمكن من دفع أجرة المواصلات إلى الحديدة، حيث مركز الأورام السرطانية الذي يقصده المرضى من أنحاء محافظة الحديدة ومحافظات: ريمة، والمحويت، وحجة؛ كونه المركز الوحيد في جميع هذه المناطق.

مشقة الطريق وضغط التكاليف
لم تكن معاناة ريماس ووالدها بهذا القدر من القسوة، قبل اتساع ميدان المعارك إلى داخل مدينة الحديدة "بين مسلحي أنصار الله (الحوثيين) والقوات المحسوبة على الحكومة المعترف بها دوليًّا، والمدعومة من التحالف بقيادة السعودية والإمارات" منتصف سبتمبر 2018، رافق ذلك توقف مرور المركبات والمسافرين عبر الطريق الجنوبي الرئيس للمدينة المعروف بـ"خط كيلو 16"، وقتئذٍ، كانت المسافة التي يقطعها عبيد وطفلته لا تتعدى الـ55 كيلومترًا،  يقطعها في أقل من ساعة؛ الأمر الذي لم يعد ممكنًا الآن.

لذا صار يتعين على المرضى القادمين إلى الحديدة البحث عن طرق بديلة، فالطريق من باجل إلى الحديدة مثلًا -كما هو حال عبيد- لا بد للقادمين عبرها المرور عبر خط "الكدن - الضحِي"، حيث يقطع المريض خلالها مسافة 180 كيلومترًا تقريبًا، ما يعني زيادة موازية في تكلفة المواصلات، تصل إلى أربعة أضعاف المبلغ الذي كان المسافر/ المريض يدفعه لو أن الطريق الرئيس متاحٌ للعبور.

يجبر هذا الواقع عددًا غير قليل من المرضى على التخلي عن متابعة جلسات العلاج في المركز، لعدم قدرتهم على تحمّل عبء تكاليف الرحلة للاستمرار في حضور الجلسات التي يقررها المركز للمريض، بحكم الفقر وضيق القدرة المادية لمعظم المرضى، الذين يقصدون المركز للعلاج، ثم يتعذر عليهم الاستمرار في مرحلةٍ ما، تعقبها انتكاسة صحية يصعب التعافي منها.
ويتابع محمد عبيد لـ"خيوط"، قائلًا: "في بداية مارس 2019، عدت ليلًا إلى منزلي، بعد يوم شاق من العمل، لأجد ابنتي (ريماس) تتلوى من الألم، عرفت أن خلايا الورم قد تجددت في جسدها، بعد أن كانت حالتها تحسنت إلى حدٍّ ما. لم يكن إهمالًا مني بقدر ما كان عوزًا وقلة حيلة".
 
الاستسلام للمرض
يتشاطر هذه المعاناة، نحو 5,400 مريض، يأتون لتلقي العلاج بمركز الأورام السرطانية في مدينة الحديدة، وهو عدد كبير يشكل 20 % من إجمالي عدد مرضى السرطان في اليمن، بحسب إفادة مختصين في المركز لـ"خيوط".
من جهته يقول، الدكتور عبد الله أحمد عُمير، استشاري الأورام السرطانية بمركز علاج الأورام السرطانية التابع للمؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان بالحديدة، لـ"خيوط"، إن نسبة المرضى الذين يأتون إلى مركز الأورام السرطانية بالحديدة تقلصت إلى نحو 50 % مقارنة بما كان عليه سنة 2018، لأسباب تتعلق في الغالب بعوامل اقتصادية، كما انقطع كليًّا عن المجيء للمركز لتلقي العلاج الكيماوي قرابة 250 مريضًا، ثلثهم من الأطفال للأسباب ذاتها على الأرجح".

يضيف عُمير، أن كثيرون يأتون إلى المركز ثم لا يتمكنون من الانتظام في حضور جلسات العلاج بشكل مستمر، بعضهم يأتي بعد فترة وقد انتكست حالته، ما يستدعي إعادة الجرع الكيماوية والعلاج المصاحب من جديد؛ لأن مفعول الجلسات السابقة قد انتهى بفعل عدم الاستمرار في الجلسات العلاجية.
ويعزو أسباب ذلك، إلى أن معظم المرضى يأتون إلى المركز من مسافات بعيدة، بالتالي فإن أغلب هؤلاء المرضى لا يتوفر لديهم المال الكافي لدفع نفقات المواصلات للوصول إلى المركز بشكل مستمر، خصوصًا مع ارتفاع أسعار المحروقات، وتوقف عدد كبير من مُعيلي الأسر -أو المرضى أنفسهم- عن العمل، إلى جانب نزوح عديدٍ من المرضى إلى مناطق أخرى، في ظل عدم وجود نظام تتبع لدى المركز.

يستطرد عُمير: "ذات مرّة وصلت إليَّ مريضة مُسنة، تقول والله يا دكتور ما سلفني حق المواصلات إلا صاحب البقالة، فقد رقَّ لحالي حين وجدني أبكي طوال اليوم".
ويأمل الأطباء في مركز علاج الأورام السرطانية في الحديدة أن يتدخل القائمون على المركز بفاعلية أكبر، من خلال توفير الأدوية والدعم المتكامل، بما في ذلك نظام التتبع ليتسنى متابعة الحالات المرضية ممن انقطعت بهم السبل عن الوصول إلى المركز، أو نزحوا بعيدًا.

مدينة مزدحمة ومركز وحيد
تعد محافظة الحديدة إحدى أهم المحافظات اليمنية، ومن أكثرها ازدحامًا، بتعدادٍ سكاني يقدّر بنحو 3 ملايين نسمة، على الرغم من ذلك لا يوجد سوى مركز وحيد لعلاج الأورام السرطانية يقصده المرضى من 4 محافظات (الحديدة، حجة، المحويت، ريمة)، وجميعهم يقطع مسافات طويلة ومكلفة، للحصول على جلسة علاج.
وبحكم الأهمية التي تمثلها مدينة الحديدة، كان تصاعد الصدام بين طرفي الصراع، كفيلًا بجر تبعات كثيرة على السكان المحليين وعلى القادمين إليها من المحافظات المجاورة، ولا سيما بعد تعذر الحركة المرورية عبر الطريق الرئيس في كيلو 16، وهو ما جعل الوصول إلى المدينة أمرًا بالغ الصعوبة، ناهيك عن التكاليف التي يتجشمها المرضى أو الذين ترتبط حياتهم المعيشية أو الصحية بهذا الطريق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى