جيبوتي ومصر والأهمية الجيواستراتيجية

> اللواء وصفي نورالدين

> تقع جيبوتي على الشاطئ الغربي لمضيق باب المندب في منطقة القرن الأفريقي، وتحدها شمالا إريتريا، ومن الغرب والجنوب إثيوبيا ومن الجنوب الشرقي الصومال، وتطل شرقا على البحر الأحمر وخليج عدن، وعلى الجانب المقابل لها عبر البحر الأحمر اليمن في شبه الجزيرة العربية، التي تبعد سواحلها عن جيبوتي ب 20 كم. وتمتلك جيبوتي موارد طبيعية قليلة، ولا توفر البنية التحتية لمتطلبات جذب رجال الأعمال، والعمالة الجيبوتية غير مدربة تدريبا جيدا لتوفير المهارات اللازمة، وبها القليل من الثروات المعدنية، وتعتبر من أهم المناطق بالنسبة للكابلات البحرية (الإنترنت) يربط الشرق بالغرب والشمال بالجنوب.

توجد مشاكل حدودية بين جيبوتي وإريتريا، الحليف الحالي لأبى أحمد رئيس وزراء إثيوبيا، الذي أدى لإفساد العلاقة بين جيبوتي وإثيوبيا، وظهرت مؤخرا مطالب الدول المحيطة لإثيوبيا لتصحيح التقسيم الإنجليزي، فمثلا تريد جيبوتي ضم منطقة العفر بإثيوبيا، وتريد إريتريا ضم إقليم تيجراي وتريد السودان ضم إقليم بنى شنقول، وتريد الصومال ضم إقليم الأوجادين، وهى رسالة لإثيوبيا بأن الأرض ليست كلها أرضك، ولا الأنهار كلها أنهارك.

وكان الرئيس السيسي أول رئيس مصري يزور جيبوتي منذ استقلالها عن فرنسا عام 1977، وذلك لاستكمال التطوير الجيواستراتيجي وتعزيز علاقات مصر مع مجالها الحيوي في منطقة القرن الأفريقي وحوض النيل. وتعد جيبوتي الدولة الأهم لإثيوبيا في القرن الأفريقي كله؛ لأنها المنفذ التجاري الوحيد لإثيوبيا على البحر الأحمر، ويربطهما خط سكة حديد أنشأته الصين، يمتد من أديس أبابا لميناء جيبوتي، الذي تمر من خلاله نحو 55 % من تجارة إثيوبيا مع العالم الخارجي، سواء واردات أم صادرات، وقد تم إغلاق مواني الصومال بسبب الصراع على إقليم أوجادين، الذي تريد الصومال ضمه لها لاكتمال الوضع السياسي الصومالي الهش حاليا، وأيضا تم إغلاق ميناء مصوع في إريتريا في وجه التجارة الإثيوبية؛ بسبب توترات الحرب في إقليم تيجراي، ولذلك تعتبر إثيوبيا في مأزق كبير لغلق الأبواب التجارية من جانب جيبوتي، والجدير بالذكر كان هناك دور مهم للجيش الجيبوتي في دعم قرية العفر الإثيوبية في نزاع مسلح بينها وبين قومية صومالية إثيوبية على نهر باردو، حيث تمكنت جيبوتي من الوصول لموقع استراتيجي على هذا النهر يسمح بالتحكم فيه ومنع إثيوبيا من السيطرة عليه.

تواجه منطقة القرن الأفريقي كثيرا من التحديات والتوترات بسبب مشكلة سد إثيوبيا أو البحر الأحمر للأهمية الجيوسياسية والاقتصادية في تلك المنطقة من جانب أمريكا والصين؛ لإنجاح مبادرة الحزام وطريق الحرير استعدادا للصراع الاقتصادي القادم، وذلك بخلق توترات واستقطابات دولية خاصة بعد ظهور الجيل الرابع والخامس للحروب مؤخرا، حيث يبرز القرن الأفريقي بمشاكله مثل انهيار الصومال والصراعات الحدودية بالمنطقة المضطربة بما يهدد الأمن الدولي والسلامة البحرية والفقر المائي الشديد نتيجة بناء سد إثيوبيا، وذلك بتدخل قوى عالمية وإقليمية عديدة، والمنطقة بها كثير من القواعد العسكرية، خاصه في جيبوتي ( قاعدتان أمريكيتان، وقاعدة فرنسية، وقاعدة صينية وقاعدة ألمانية وإسبانية، وهناك قواعد في الصومال (يابانية وإيرانية وتركية) وإسرائيل لها قواعد في عدة جزر، وتعتبر منطقة القرن الأفريقي مهمة لمصر لتأمين الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس (هناك 7 دول مشاطئة للبحر الأحمر هي: مصر والسعودية واليمن وجيبوتي والصومال والسودان والأردن) والصومال، لها 3000 كم2 من السواحل على البحر الأحمر مما يجعل أمريكا تهتم بشرق أفريقيا؛ لأنه دون استقرار المنطقة ستظل مركزا للإرهاب والقرصنة.

هناك مخاوف من حدوث فوضى وتوترات وعدم استقرار في القرن الأفريقي، كما حدث في الشرق الأوسط بسبب التنافس مع الصين من جانب أمريكا التي تعتبر أولويتها في القرن الأفريقي هو مواجهة الصين وليس مشكلة سد إثيوبيا، الذي تعتبره عملا و مشروعا إنسانيا وتنمويا لإثيوبيا. ولذا لابد أن تضع مصر في استراتيجيتها للسياسة الخارجية التنافسات والتوازنات والمبادرات والتوترات والوجود الأجنبي في شكل قواعد عسكرية أو مساعدات تنموية، وذلك بتكثيف وتفعيل الدراسات البحثية سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا وصحيا وتعليميا تجاه دول القرن الأفريقي، وخاصة دول حوض النيل؛ لأن هناك فرصا كبيرة لمصر للاستثمار والتجارة في مجال الصناعات الغذائية والبترولية والذهب والرقمنة، هذا بخلاف المساعدات المهنية في المجال الطبي والتعليمي والاقتصادي والمصرفي والأمني، وكذا تطوير البنية التحتية لهذه الدول.

"الأهرام"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى