مهازل وشطحات الحرب

> ما زالت ذاكرتي تستعيد مشهد المرحوم صاحب المعالي سعود الفيصل قبل وفاته بأيّام، وذلك عندما زار قاعدة الخُبَر الجوية، وكان الحوثيون يجتاحون أطراف عدن، وبِجسمهِ المُنهك المُرتعش دقّ الطاولة صارخاً "الآن با يشوفون كيف هي الحرب".

في ثالث يوم كان السّيد عبداللطيف الزّياني، أمين عام مجلس التّعاون الخليجي، يزور عدن خطفاً، والتقى رئيسنا في القصر المُدَوّر بسجاده الكالح، وقال له بحماس وهو مغادر على البوابة: "أموالنا وكل ما لدينا تحت أيديكم"، وفي مُنتصف ثاني ليلة 25 مارس 2015م كانت طائرات التّحالف تزمجرُ في أجوائنا، فقلت في نفسي: "وهؤلاء معنا لن ننكسر ولن نحتاج لأحد، وأخالني كنت مُخطئاً".

اليوم قد جَرت في النّهر مياه عدّة، ونحنُ نبحر الآن في عباب السنة السّابعة للحرب وتغير المشهد وتلاشت الوعود وضاع الوعيد وتقلبت الوجوه، حتى الشّرعية انقلبت ووجّهت سهامها صوب جنوبنا المحرر، وتركت العدو الرئيسي لها ولنا جميعاً، بما فينا الإقليم، يا إلهي ماذا يجري؟

لم أُجافِ الحقيقة عندما تحدثت في تناول سابق لي عن ميوعة الأداء السعودي في الوساطة بين الشّرعية ومجلسنا الانتقالي، لأن الحديث عن بقاء قوّات الشّرعية في شقرة وشبوة وحضرموت، ومن المُتّفق عليه انتقالها إلى الجبهات لقتال الحوثي، لكن ثمّة تمنّع. هذا لوحده يُجسّد هذه الميوعة، والسّبب عدم اتخاذ موقف صريح من هذا الرفض، خصوصاً والحوثي مستقر في الشمال الذي اغتصبه، وهو يوجه ضرباته الموجعة في مأرب، ويحتل 12 مديرية منها، ناهيك عن صواريخه ومُسيّراته التي تطال عمق الأراضي السعودية.

هذا يعني أنّ ثمّة غايات غير منظورة لبقاء تلك الجيوش في تلك التخوم، ويعني أنّ ثمّة أمراً مسيّراً من وراء الحُجُب يضبط إيقاع مجريات الحرب في جغرافيتنا، وليس من حق كل مستويات السلطة الشّرعية التدخل في هذا الشأن. هذا إذا افترضنا أن الشّرعية تروم استعادة عاصمتها وسلطاتها من الحوثي، وإذا افترضنا أيضاً أنه ليس في وارد صلاحيّات قيادة التّحالف حق تَوجيه جيوش الشّرعية في شقرة وشبوة وحضرموت إلى التوجه لقتال الحوثي، والتّحالف هو الذي أُجبر على المجيء إلى هنا تحت يافطة نصرة الشّرعية واستعادتها من الحوثي، وتأملوا كل هذا بِعمق.

كل هذا يضع علامات استفهام كبيرة حول ما يدور بشأن هذه الحرب، والمضحك أنّ العامة عندنا، ومن كثرة ما تَعدّد وتَنَوّع من شطحات ومهازل هذه الحرب، فهي لم تعد حتى لتفكّر وتتبصر في أكثر الأمور غرابة وإثارة للتساؤلات، خصوصاً بعد أن تمّ إغراقها في المستنقعات المُوحلة للفقر وتردي الخدمات، والعامة هي من تستنتج أنها واقعة في غياهب مخطط كبير خارج إمكانيّات الشّرعية والتّحالف، أو هما أدواته أصلاً.

لذلك تَجد السؤال الشّائع هنا هو: هل هذا الرئيس ونائبه والحكومة ليس في عروقهم قطرة دم حيّة تجعلهم يستشعرون بكل ما يطحنهم اليوم من الغلاء وانعدام الخدمات والمرتّبات؟ كذلك الحال بالنسبة للتحالف، وفيما إذا لا يتوافر لديهم مثقال ذرّة من الحياء أو النّخوة العروبية والإسلامية حتى لا يتلمّسون ما يسحقهم من عبث السلطة، أو يسألون سُلطتنا لماذا تفعل كل هذا بنا؟ خصوصاً وهي مُرَفّهة في قصورهم، بل يستلمون نثرياتهم ومرتباتهم الفلكيّة شهرياً بالدولار أيضاً، ولذلك غضب العامّة ينصب على هؤلاء معاً، أليس كذلك؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى