لحظات ما قبل انفجار "القنبلة العائمة" صافر.. من يتحرك؟

> تقرير/صفية مهدي:

> تستخدم كفزاعة للعالم وورقة ضغط سياسي..
صافر، الناقلة والخزان، و"القنبلة العائمة"، قرب الحديدة في اليمن فوق مياه البحر الأحمر. رحلت من اليابان إلى النرويج لتتوقف قبالة اليمن. هل تصبح سببًا في إنهاء الحياة البحرية في البحر الأحمر، وتزيد اليمن بؤسًا أمام صمت العالم؟

"عمري الآن 43 عامًا، وأعمل منذ 25 عامًا في البحر، هو مصدر دخلي الوحيد"، يقول الصياد اليمني عبدالله حسن، الذي أجبرته الحرب على ترك مياه مدينة الحديدة، حيث تعوم فيها ما باتت تُوصف بـ"القنبلة العائمة"، في إشارة إلى الخزان النفطي العائم، الذي يهدد بحدوث كارثة بيئية تطال اليمن والعالم. أما المتضرر المباشر فيها، في حال حدوثها، فهو مجتمع الصيادين.

يملك حسن قارب صيدٍ يبحر به قرب سواحل مدينة الخوخة في الحديدة المطلة على البحر الأحمر. في الأعوام الأخيرة اضطر للتوجه جنوبًا، هو أب لأسرة من سبعة أبناء. يقول لـDW عربية، إن الخوض في البحر هو المجال الوحيد الذي اعتادوا عليه في المجتمعات الساحلية في "تهامة" على نحو خاص، الصيد كمهنة أو وظائف مرتبطة بالسواحل ومصالحها. مهن تتأثر بكل ما يمس البحر، ابتداءً من تقلبات الطقس، مرورًا بالحرب، وليس انتهاءً بتهديد الناقلة المتهالكة، التي تهدد الحياة البحرية بكاملها، وتتجاوز ربما حتى البحر الأحمر.

الحديدة، من أهم مدن البحر الأحمر اليمنية، يسكنها كثيرون، وبسبب شريطها الساحلي المطل على البحر، من خلال عشر مديريات (تقسيمات إدارية)، تحتل الصدارة في أعداد الصيادين على مستوى البلاد (نحو 30 بالمائة). صيادون ألحقت الحرب الدائرة في البلاد بهم أضرارًا بالغة، كما هو حال المحافظة، التي تعد من أبرز المناطق المتأثرة بالحرب منذ سنوات.

في الأثناء، جاء إعلان من الأمم المتحدة بشأن وصول مفاوضات صيانة الناقلة الواقفة قبالة سواحل الحديدة إلى طريق مسدود. خزان نفطي عملاق عائم يتبع شركة "صافر" اليمنية. الأخبار السيئة هذه تعيد مجددًا واحدًا من أسوأ السيناريوهات المتخيلة في البلاد، إذ "سيؤثر ذلك بشكل مباشر على ملايين الأشخاص في دولة تعاني فعليًا من أكبر حالة إنسانية طارئة، وإذا حدث تسرب، قد تتضرر نظم بيئية بأكملها، وقد يستغرق الأمر عقودًا لتنظيف النفط المتسرب"، وفقًا لأحدث إحاطة قدمتها، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة أنغر آندرسون، أمام مجلس الأمن الدولي منذ أيام.

جاء الإعلان، لينهي أكثر من سبعة أشهر من المفاوضات، تلت إبداء جماعة أنصار الله (الحوثيين)، التي تسيطر على المدينة الساحلية الموافقة على وصول فريق أممي إلى صيانة الناقلة، لكن المفاوضات انتهت دون أي تقدم، وسط اتهامات متبادلة بين "أنصار الله"، والمنظمة الدولية. على أن الأزمة مستمرة منذ سنوات، تعالت خلالها التحذيرات من كارثة بيئية على أعلى المستويات المحلية والإقليمية والدولية، للمطالبة بصيانة الناقلة.

وكان مجلس الأمن الدولي قد طالب في بيان نهاية الأسبوع الماضي الحوثيين بالسماح لمفتّشين دوليين بأن يتفقّدوا "بدون تأخير" الناقلة النفطية المتهالكة. وأصدر المجلس بيانه في ختام جلسة عقدها بطلب من بريطانيا، بعدما أعلن الحوثيون أنّ مساعي السماح لبعثة التفتيش التابعة للأمم المتحدة بتفقّد السفينة وصلت إلى "طريق مسدود".

وفي بيانه حضّ أعضاء مجلس الأمن الـ 15 الحوثيين على "تسهيل وصول آمن وغير مشروط لخبراء الأمم المتّحدة، لكي يجروا تقييمًا محايدًا وشاملًا، بالإضافة إلى مهمة صيانة أولية، بدون تأخير". وخلال الجلسة أبلغ مكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوشا) أعضاء مجلس الأمن أنّ بعثة المفتّشين "لا تزال على استعداد للذهاب" إلى اليمن لتنفيذ مهمّتها.

كيف يبدو وضع صافر؟
خزان صافر، هو سفينة يابانية الصنع، بنيت في عام 1967، وركنت لفترة في النرويج، قبل أن يشتريها اليمن، ويحولها إلى خزان عائم لتصدير النفط من مواني اليمن، في رأس عيسى، قبالة سواحل الحديدة. الناقلة الخزان تحمل على متنها أكثر من 1.1 مليون برميل من النفط.

في حديث خاص لـ DW عربية، يكشف وزير المياه والبيئة اليمني في الحكومة المعترف بها دوليًا، توفيق الشرجبي، تفاصيل "خطيرة"، عن وضع السفينة، ويقول إنه منذ العام 2015، عقب "انقلاب" الحوثيين، توقفت كافة عمليات الصيانة في السفينة، وحتى عملية التشغيل، وتقلص الطاقم من حوالي 100 فرد إلى أقل من 5 أفراد موجودين على ظهر السفينة، ولا توجد لديهم أي إمكانيات أو معدات أو أدوات"، وبالتالي فإن وضع السفينة خطير ومتهالك، إذ أن الصمامات مهددة بسبب الصدأ.

إلى جانب ذلك، يضيف المسؤول اليمني، أن "الشيء الأخطر يكمن في الغاز الخامل الذي هو غاز النيتروجين، والذي وظيفته الأساسية منع أي انفجار داخل حجرات السفينة، والذي بدأ بالنفاذ بشكل كبير"، وفي حال نفاذه يحل محله غاز الأكسجين، والأخير "كما تعلمون قابل للانفجار في أي وقت".

وفيما يتعلق بإمكانية تسرب النفط من السفينة، كأحد سيناريوهين للسفينة، يرى الشرجبي أن هناك ما يقلل الخطورة، ويتمثل بأن "السفينة مقسمة إلى عدة خزانات"، لكن في الوقت ذاته، فإن الخطر يتمثل في "إمكانية تسرب المياه بكميات كبيرة إلى حجرة المكائن"، وهو ما بدأ منذ شهور، حيث تسربت كمية من مياه البحر إلى حجرة المكائن، وتم إصلاح هذا التسرب بجهد مباشر على متن السفينة.

ويضيف أنه "في حال تسرب كميات كبيرة يمكن أن تنقسم السفينة إلى نصفين، ويحصل الغرق للسفينة، وهذا هو الشيء الأخطر، والأخطر منه إذا حصل شرر داخل الخزان"، من شأنه أن يحدث انفجارًا هائلًا في السفينة. وهذا الشرر، برأي الوزير اليمني، يمكن أن يحدث بكل بساطة وفي أي لحظة، من خلال ارتطام قطعتين صدئتين من الحديد، في حال وقوع إحداهما على جدار الخزان من الأعلى.

التفريغ فورًا لمنع كارثة كبيرة
على ضوء ذلك، يرى الشرجبي، أن الحديث عن وصول مفتشي الأمم المتحدة إلى السفينة والصيانة، لم يعد عمليًا، كما أن "عملية الصيانة أيًّا كان حجم هذه الصيانة للسفينة في حالتها الراهنة، أمرٌ كان يمكن في الماضي عمله، أما ما هو مطلوب اليوم بنظر المتحدث "هو تفريغ حمولة النفط من السفينة فورًا". إذ أن "السفينة مهددة بالانفجار في أي لحظة".

ويشير وزير المياه والبيئة، إلى أن التهديد يمثل خطرًا جسيمًا على بيئة البحر الأحمر، والبيئة الساحلية، والبحرية ومصائد الأسماك، بالإضافة إلى الشعب المرجانية، وغابات المانجروف في جزيرة كمران، كما أنه يتهدد بتلوث الهواء، وصولًا إلى الزراعة التي "ستتأثر بشكل كبير، وبالتالي ملايين الأشخاص سيفقدون مصادر أرزاقهم، وكذلك هذه البيئة بالكامل سوف تدمر لعقود من الزمن، وبالتالي الكارثة هي كارثة كبيرة وينبغي التعامل معها بكثير من الحكمة والحرص، ولا توجد أي حلول في الوقت الراهن سوى السماح بوصول فريق الأمم المتحدة لتحديد الإجراءات اللازمة لتفريغ الشحنة فورًا".

تدمير البيئة البحرية كاملة
من جانبه، يقول رئيس تحرير موقع "حلم أخضر"، محمد الحكيمي، إن التهديد الذي تمثله ناقلة صافر، يأتي نتيجة، تعرض هيكلها الحديدي للتآكل، وتعطل أنظمة التشغيل، ومنظومة مكافحة الحرائق. وتوقف فيها أيضًا المراجل البخارية عن إنتاج الغاز الخامل للحماية.
ويضيف الحكيمي، الذي أعد تقارير متخصصة بشأن الناقلة، بما في ذلك، نشر صور حصرية، أنه "في حال حدوث هذه الكارثة المحتملة، سيؤدي تسرب النفط إلى تدمير مقدرات البيئة البحرية اليمنية".

ويشير إلى أن قرابة 115 جزيرة يمنية، ستتعرض للضرر المباشر، كونها تقع في مسار حركة تسرب النفط الوشيك من صافر، وسوف تتعرض غابات المانجروف للتلف، والتي تشكل حوالي 12 بالمائة، من الشريط الساحلي اليمني بالبحر الأحمر. كما أن بيئة البحر الأحمر ستخسر مصادرها الطبيعية النباتية والحيوانية البحرية، من الأسماك والسلاحف والشعاب المرجانية، والعديد من الطيور المستوطنة وغيرها".

ويقول أستاذ تقييم الأثر البيئي المشارك بكلية علوم البحار والبيئة بجامعة الحديدة، عبد القادر الخراز لـDW عربية، إن استمرار "قضية صافر، أو ما نسميه القنبلة العائمة" بدون حل، يأتي نتيجة "استخدام هذه السفينة كفزاعة للعالم ولليمنيين، وأيضًا استخدامها في قضية التفاوض على كثير من الأشياء".

ويشير المتحدث إلى أن النفط عندما يخزن تترسب كثير من الأوحال النفطية، وهذه خطيرة جدًا أخطر من النفط، إذ أن فيها تركيزًا عاليًا للمواد السمية المعدنية، وستكون "مشكلة كبرى". ويرى الخبير البيئي، أن هناك سيناريوهات قد تحدث أما انفجار واحتراق النفط، وإما انشطار هيكل أو جسم السفينة، وبالتالي غرقها وتسرب النفط، بالإضافة إلى إمكانية تسرب النفط من الأنابيب في الباخرة". ويقول " هذه السيناريوهات الثلاثة كل سيناريو له آثاره الكارثية.

ويشرح التهديد، بأنه في حال الانفجار، ستكون هناك ملوثات كبيرة للهواء، وستسبب انتشار مواد سمية من الهيدروكربونات النفطية المتطايرة، لها انعكاساتها الصحية على الإنسان أولًا وعلى النبات والتربة، وسينتقل عبر الهواء إلى مناطق مختلفة من اليمن، وأيضًا من الإقليم.
الجانب الآخر في السيناريو الثاني، بنظر المتحدث، سواء غرقت السفينة أو تسرب النفط منها بكمية كبيرة، هو سيناريو يشبه ما حدث مع ناقلة اكسون فالديز في آلاسكا في عام 1989. إذ حتى دولة بحجم الولايات المتحدة ومن أكبر الاقتصاديات في العالم، عانت ومازالت تعاني من تلوث نتج عن التسرب، بعد أكثر من 30 عامًا على الحادث.

"دويتشه فيله عربية"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى