ثقافة العبيد

> العنوان ليس لي، لكنه استعارة دون إذن، عن كتاب (تراث العبيد في حكم مصر) لمؤلفه (د ع ع)، تناول فيه ثقافة الاستعلاء، وأورد أمثلة لا يسمح المقام بذكرها، لخروج بعضها عن سلوكنا المحافظ وديموقراطيتنا المحدودة التداول، مقارنة بحرية الكلمة في المحروسة مصر، ذلكم الوطن الاستثنائي الذي لم يشهد حرباً أهلية طوال تاريخه.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإنني أذكر استعارتي لمصطلح أطلقه د. محمد عمارة، المفكر المصري المعروف، لخدم السلطان من علماء الدين حين وصفهم بـ (حملة المباخر)، فاستعرته عنواناً لمقال لي في عطرة الذكر صحيفة "الأيام" قبل سنوات تناولت فيه خدم السلطان من غير علماء الدين، وبعد فترة رأيت أحدهم ينسب المصطلح لشخص آخر لا علاقة له به، ما علينا.

ثقافة الاستعلاء هي امتداد لثقافة العبودية، كأن يصير القائم على باب الوزير، وزير صغير، يباشرك بكلمة (ممنوع)، وكأنك تطلب مقابلة إله الوظائف، مثلاً، أو إله الكهرباء أو المياه، وعند سؤالك، ممنوع ليش؟ ليس من حقك أن تعرف الإجابة.
في بلاد الله الواسعة، حيث المواطن هو محور المسألة، يحدد القانون أن للمواطن الحق المطلق في الحصول على المعلومة من أي جهاز أو جهة رسمية ما عدا المعلومات المتعلقة بالأمن القومي فقط، فما بالك بمواطن عندنا يذهب لإنجاز معاملة خاصة؟

(ممنوع) هي المفردة المطلقة التي لا تغيب حيث ما ذهبت لأي مؤسسة رسمية أو شبه رسمية، أو بعض المؤسسات الخاصة، فكل بوَّاب يجب أن يقول لك: ممنوع، ليشعرك بأنه صاحب سلطة، فالاستعباد الذي يمارس عليه يمارسه بدوره على المواطن، أما إذا وصلت إلى الموظف المختص فإن التصنع هو أول ما يقابلك به، مع بهارات من التكشير، فالابتسام في وجه المواطن (ممنوع) أيضاً.

ذهبت لمقابلة طبيب السكر، فقالت لي الموظفة (تعال الثلاثاء)، فطلبت منها رقم تلفونه لأنه ضاع مني، فقالت ممنوع، وحين سألت من الذي منعه؟ قالت ممنوع وخلاص، فسألت نفسي عن صيغة وجهة المنع، هل وزارة الصحة مثلاً أصدرت قراراً بمنع المواطن من الحصول على أرقام هواتف الأطباء؟ أو إدارة المستشفى تحرص على عدم إزعاج الأطباء من قبل مرضاهم؟

لم أقل لها: إن رمز التعارف بيني وبين طبيبي كان (فيكتور هوجو)، فهي لن تصدقني، ولم أقل لها إن هناك عُرفاً دولياً يلزم الأطباء بأن يضعوا رمز الهلال أو الصليب على لوحات سياراتهم للاستعانة بهم في حالات الطوارئ، فتلك أعراف لا تعنيها.

حين غادرت المستشفى بعد رحلة عناء من المطبات إلى زحمة السير في بعض الشوارع، إلى شدة الحر، تذكرت كم حجم المسافة التي تفصلنا عن العصر، كم سنوات عدنا إلى الخلف، وكم من الجوار سبقنا بعد أن كنا نسبقهم بسنين ضوئية حين كانوا يحلمون بأن يصيروا مثلنا، ما الذي حدث؟ أيهما سبق الآخر في الخراب، هل ثقافة الناس أو البنى المؤسسية؟ وأيهما أصعب على الإصلاح؟ لم أرفع بمزيد من الحسرة، فقط كنت أسرح بخيالي منتظراً فرصتي لأمر في زحمة السير، حيث تغيب إشارات المرور.

شكراً لكل موظف أو عسكري بشوش، رغم قلتهم، ونحمد الله تعالى على أن الهواء الذي نتنفسه لا يحتاج إلى معاملات رسمية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى