هل عادت مصر لقيادة العرب؟ حرب غزة وسد النهضة اختبار حقيقي

> "الأيام" عربي بوست:

> دفع نجاح مصر في التوسط لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، بالقاهرة إلى دائرة الضوء على الصعيد الدبلوماسي، فهل عادت القاهرة إلى دفة القيادة العربية في المنطقة؟

نجاح جهود الوساطة المصرية في التوصل لوقف إطلاق النار، يوم 21 مايو الماضي، حقق مكاسب ضخمة للقاهرة على الصعيد الدبلوماسي، ولا سيما العلاقة مع الولايات المتحدة، إذ استأنفت واشنطن تعاونها مع القاهرة على أعلى المستويات، بينما ألقى ذلك بظلاله على موقف دولة عربية كالإمارات، كانت طامحة إلى لعب دور إقليمي مؤثر من خلال تطبيعها مع إسرائيل.

ونشرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية تقريرا عنوانه "هل عادت مصر لتدير دفة قيادة العرب؟"، تناول التحول الكبير الذي شهدته المنطقة، وتبلور بشكل واضح خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي استمرت 11 يوما.

وقالت الصحيفة الإسرائيلية في تقريرها إن مصر كانت "قد اختفت من الشرق الأوسط بعد الربيع العربي عام 2011. وربما يكون مصطلح "اختفت" قويا للغاية، لكنها بالتأكيد اعتمدت صورة أقل مستوى". واضطر أي شخص اعتاد على دور مصر الريادي في العالم العربي، ليس فقط في عهد جمال عبدالناصر، لقبول حقيقة أنَّ مصر أصبحت مجرد لاعب آخر في المنطقة، بينما تولت دول الخليج الغنية المنتجة للنفط أدوارا إقليمية رائدة.

متى حدث التحول في الدور المصري؟
من الصعب تحديد متى بدأ هذا الوضع في التحول، لكن ربما تكون البداية المحتملة لذلك التحول قد جاءت في فبراير 2019، عند إنشاء منتدى الغاز الإقليمي (غاز شرق المتوسط) في القاهرة، الذي يضم مصر وإسرائيل واليونان وقبرص وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية، حسب وجهة نظر الصحيفة الإسرائيلية.

إضافة إلى ذلك، قدم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الشهر الماضي، لمصر فرصة أخرى لتعزيز مكانتها في المنطقة، من خلال نجاحها في التوسط مع حركة حماس. طالما أسهمت مصر بدور رئيسي في الوساطة بين إسرائيل وحماس، حتى في عهد الرئيس مرسي، لكن هذه المرة كان لمصر دور فعال في التوصل لوقف إطلاق النار، بشهادة واعتراف جميع الأطراف، ومنها واشنطن.

وانخراط مصر في غزة أمر يمكن تفهُّمه؛ أولاً لأنَّ القطاع يقع على طول حدودها، وهو لغم محتمل يهدد استقرار المنطقة عامةً ومصر خاصةً، وثانياً يسمح هذا للإدارة بتصوير نفسها على أنها زعيمة إقليمية في قضية أساسية في الشرق الأوسط، ولا يقل أهمية عن ذلك أنَّ الوساطة تمنح الرئيس عبدالفتاح السيسي ختم الموافقة في واشنطن، حيث أعلنت إدارة بايدن اعتزامها كبح جماح الأنظمة التي تنتهك حقوق الإنسان.

وأدت حرب غزة إلى دفء العلاقات المصرية الإسرائيلية. إذ لم تسفر عن تعزيز العلاقات الأمنية الثنائية فحسب، بل رفعت العلاقات الدبلوماسية إلى مستوى جديد بزيارة وزير الخارجية غابي أشكنازي إلى مصر، وهي الأولى لوزير خارجية إسرائيلي منذ 13 عاما.

اتفاق إماراتي إسرائيلي
وكانت اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، التي لعبت الإمارات فيها دور البطولة، قد أثارت تكهنات بشأن خفوت النفوذ الإقليمي لمصر، لكن محللين قالوا لرويترز إن حرب غزة الأخيرة وضعت الدول التي وقعت على اتفاقات التطبيع، وهي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، في موقف حرج مع تنامي التعاطف العربي مع الفلسطينيين.
وقالت كريستين سميث ديوان، وهي باحثة بارزة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن "الانزلاق الأخير صوب صراع مفتوح في القدس وغزة سلط الضوء على محدودية السيطرة التي لدى دول الخليج الموقعة (على اتفاقات أبراهام) على تصرفات إسرائيل".
وأحجمت وزارة الخارجية الإماراتية عن قول ما إذا كان مسؤولون إماراتيون قد تواصلوا مع إسرائيل لمحاولة التهدئة خلال أحداث العنف الأخيرة. وكان سفير الإمارات لدى واشنطن، يوسف العتيبة، قال في أبريل الماضي إن من الممكن التعامل مع إسرائيل وفي الوقت ذاته التحدث معها بحزم بشأن القضية الفلسطينية.

علاقات مصر مع إدارة بايدن
أما مصر فكان أحد إنجازات جهود الوساطة ووقف إطلاق النار هو استئناف الاتصال فجأة مع البيت الأبيض. فبعد صمت مطبق استمر منذ تنصيب بايدن، في يناير، تحدّث الرئيس الأمريكي مرتين مع السيسي خلال خمسة أيام.

لكن محللين يقولون إن استئناف التواصل بين الولايات المتحدة ومصر حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سيكون محدودا بالعجز الحالي في أفق عملية السلام. وقال نبيل فهمي، وزير الخارجية المصري السابق "هذا الوضع هو في الغالب إدارة للصراع أكثر منه حل للصراع". وأضاف لرويترز: "كان اتصالنا (في السابق) يتعلق بقضايا عملية السلام، فضلا عن قضايا الأمن في غزة عندما تنفجر الأوضاع. في الوقت الحالي لا قضايا تتعلق بعملية سلام جادة".

وتتعرض مصر، التي تتلقى نحو 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية أمريكية سنويا لانتقادات حادة من جانب الديمقراطيين الأمريكيين، لسجلها في مجال حقوق الإنسان. وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، بعد زيارته للقاهرة أواخر مايو الماضي إن قضية حقوق الإنسان ستظل "مطروحة بقوة على جدول الأعمال".
لكن حفصة حلاوة، الباحثة غير المقيمة بمعهد الشرق الأوسط، قالت لرويترز إن مصر تعلمت كيف تتخطى العثرات في علاقاتها مع واشنطن، وبعد أن أثبتت دورها في موضوع غزة فإنها كسبت مساحة تتيح لها التقاط الأنفاس فيما يتعلق بسجل حقوق الإنسان.
وأضافت: "مصر أصبحت فاعلا يتحلى بالصبر في مجال السياسة الخارجية، وهذا ينبع من اعتقاد راسخ في قلب المؤسسة أن مصر أكبر من أن تفشل". وهو مفهوم ترى مصر أن الولايات المتحدة وحلفاء آخرين يدركونه جيدا.

ملفات أخرى شهدت تحركات مصرية
فضلا على ذلك، أدى انتصار المقاومة في غزة إلى تغييرات كبرى في عدد من ملفات المنطقة، فحدث دفء مفاجئ في العلاقات بين مصر وقطر. ففي يناير الماضي، رفعت مصر، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين، مقاطعتها التي استمرت ثلاث سنوات ونصف السنة ضد قطر، وجدَّدت العلاقات الدبلوماسية مع الدولة الخليجية.

وأتاحت الأزمة في غزة فرصة لإرسال وزير خارجية قطر إلى مصر لمناقشة دور بلاده المستقبلي في القطاع، كما تلقى الرئيس السيسي دعوة من أمير قطر لزيارة بلاده. وهكذا أتاحت حرب غزة والوساطة المصرية للقاهرة فرصة لتجديد دورها الفاعل على الساحة الخليجية.

ومع احتلال أنباء غزة معظم عناوين الأخبار، أصبحت السياسة الخارجية المصرية أبرز على الساحات الأخرى، ومنها ليبيا. فقد دعمت مصر اللواء المتقاعد خليفة حفتر وحكومته غير المعترف بها في طبرق، لكن منذ تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس بدعم من الأمم المتحدة غيَّرت مصر دعمها، بل واستضافت رئيس الوزراء الجديد عبدالحميد الدبيبة.

ومن الآن فصاعدا، لن تشكل القوات الليبية المدعومة من تركيا وقطر تهديدا على الحدود الغربية لمصر. ويشير الانفتاح الأخير بين تركيا ومصر أيضا إلى اتفاقيات وتفاهمات حول عدد من القضايا الخلافية التي أدت إلى توتر علاقتهما (ليبيا والموقف من جماعة الإخوان المسلمين).

تحركات مصرية نشطة في إفريقيا
وتزامن ذلك الانتعاش في الدبلوماسية المصرية مع نشاط متنامٍ لمصر في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر بصورة مثيرة للاهتمام، إذ دفع بناء إثيوبيا لسد النهضة مصر إلى توطيد علاقاتها مع أوغندا والسودان وجنوب السودان والصومال وتنزانيا، ومؤخرا مع جيبوتي. وفي الواقع زار السيسي دولة جيبوتي الصغيرة في 27 مايو.

ووقَّعت مصر أيضا اتفاقيات دفاعية مع دول نهر النيل: أوغندا وكينيا وبوروندي والسودان. وفي نوفمبر 2020، انضمت إلى مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر، الذي يمثل جيبوتي وإريتريا والأردن والسعودية والصومال والسودان واليمن. ولم يكن الهدف من كل هذه التحركات تحدي طموحات إثيوبيا الإقليمية فحسب، لكن أيضا إظهار مكانة مصر في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.

الملء الثاني لسد النهضة يثير قلق مصر والسودان – رويترز
والسؤال الآن هل يشير النشاط المصري إلى تغيير جذري؟ من السابق لأوانه معرفة ذلك؛ إذ يجب ألا نغفل أنَّ القيادة الإقليمية تُكتَسب برأس مال سياسي واقتصادي وعسكري وديموغرافي. وقد بنت مصر في السنوات الأخيرة جيشا كبيرا، بيد أنه لا تزال هناك شكوك حول مدى جاهزيتها العسكرية، بالنظر إلى طريقة تعاملها مع تحدي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في سيناء، حسب تقويم الصحيفة الإسرائيلية.

أضف إلى ذلك أنَّ الاقتصاد المصري يعاني بشدة في أعقاب جائحة فيروس كورونا المستجد وغياب السياحة، في الوقت الذي يُشكِّل فيه النمو الديموغرافي عبئا اقتصاديا ثقيلا. ومن ثم، ربما لا تبشر كل هذه العوامل بنجاح مصر في استعادة مكانتها الإقليمية التاريخية، لكن طاقاتها المتجددة يمكن أن تُحوِّلها إلى ما وصفه الصحفي المصري الراحل حسنين هيكل "بالدولة الرئيسة".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى