أزمة حوار

> في مجتمعنا اليمني كلنا نتكلم في وقت واحد، وبالتالي فنحن لا نستمع إلى ما يقول بعضنا البعض، تجد صديقك يقاطعك في الكلام، وتجد أننا نتكلم في نفس اللحظة، مما تجد أنه لا أحد يستمع لما قال الآخر له، وتتوه المشكلة التي جئت من أجلها - للأسف- لم نتعلم كيف نتحاور.
لقد أميتت فينا هذه السمة، والشعوب المتحضرة هي التي تجيد فن الكلام والحوار، أما مقاطعة الكلام، فهو خطأ يعود إلى (الأمية) التي ولا شك هي أحد أسباب غياب (الموضوعية) في الحوار، ولو تعلمنا في مدرسة آداب الحوار قبل آداب الطريق لعرفنا جيدًا أن الكلام إشارات مرور، إذا كان هناك شخص يتكلم فعليك أن تصمت وتستمع.

أما في حالة تكلمنا معًا في وقت واحد، فشل كلانا في فهم وجهة نظر الآخر، وحدث الصدام، ويحدث أحيانًا إذا اختلف إنسان مع إنسان في وجهة نظر أحدهما، ترى أحدهم يشن حملة ضارية بلا هوادة ضد صاحبه، ويتهم مستمعيه بالجنون والتحيز والمحسوبية والمناطقية والمزايدة، نتيجة عدم تعودنا كيف نختلف، وعلى ماذا نختلف، وإذا اختلفنا يجب أن نظل أصدقاء، أصبح صديقي هو من يؤيد (رأيي)، وأصبح (عدوي) هو من يخالفني الرأي، وهكذا صرنا مجتمع كورس – الكورس يردد وراء المؤدي.

للأسف هذا ما نراه لدى البعض منا، مجتمع المداحين والكورس، قد يتسلل إلى الحياة العامة، كـ(الأجهزة العامة الدستورية) أو إلى (العمل السياسي)، وهذه مصيبة المصائب – تُفقد – آداب الحوار – وهكذا يضيع عمرنا في مهاترات، وخلافات، وسباب، وشتائم لا داعي لها، تصبح عدوًا في أقل من دقيقة واحدة، إذا أبديت رأيك بموضوع بلا مجاملة، واختلفت مع الآخرين.

لابد من معرفة فن الحوار، لابد من أن نعرف كيف نتكلم، وكيف نتحاور، لا نريد أن نعمل على ضياع وقتنا في متاهات كلامية، يجب علينا أن نحترم وقتنا وعقولنا، فتلك هي الحضارة سلوكًا لا كلامًا.
ولا أحد منا ينكر أن لدينا أزمة حقيقية في الحوار، فلم نتعلم بعد كيف نصغي إذا تكلم أحد منا. حيث والمفروض عندما يفتح إنسان ما فمه ويتكلم، اعطه أذنيك، وحاول أن تتعلم كيف تصمت حتى ينتهي من حديثه، فإذا ما انتهى من الكلام – تكلم – وهناك مثل صيني يقول (الإصغاء حديث جيد).

أنا أظن أن افتقادنا لتقاليد الحوار السليم امتد في كل شيء في حياتنا، خصوصًا في السياسة، نشاهد بعض المؤسسات السياسية والاجتماعية تتكلم كل الأطراف في وقت واحد، متى نجد أنفسنا نلتزم بآداب الحوار عندما نعرض لمناقشة موضوع هام، له أهميته وخطورته.

لا بأس أن تتعارض الآراء، فهذا هو الهدف من أي لقاء، أو اجتماع، أو ندوة سياسية، أو علمية، أو ثقافية، ومن عرض وجهات النظر المختلفة، يمكن للمستمعين والقارئين أن يصلوا باقتناعهم إلى رأي واضح، ولكن بعض من يتصدرون للحديث إلى الرأي العام في بلادنا يندفعون بالنوازع الشخصية، مختفية وراء ما يعلنون، وهم لا يناقشون الفكرة بقدر ما يجرحون صاحبها، هم يمثلون دور الحريص الأوحد على الصالح العام، وكأن من يعارضونه يريدون متعمدين أن يهدر هذا الصالح العام، ثم يتباكون ويولولون، ويحرضون بالإثارة والتلاعب ببلاغة الكلمة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى