الوطن أعظم فدعوكم من تعليق الصور

> لا أدري ما الذي يعجبهم في رؤية الصور معلقة في الجدران وعلى صدور الناس وظهور السيارات وهنا وهناك، بأحجام وأشكال.

إلى متى سنمجد ونعظم الذات الإنسانية لمجرد قيام أحدهم بمهام هي من الواجب الوظيفي؟ ما الداعي لأن نصنع تمثالا لهذا أو ذاك ونشد انتباه الناس نحوه زاعمين أن كثرة الصور المعلقة تدل على المحبة؟ لقد كذبت الشواهد هذه المقولة ولعلنا نتذكر علي عبدالله صالح، وهو زعيم عند أصحابه الذين تكفلوا بطباعة صوره بدلا عن طباعة الكتب المدرسية وألصقوها في الجدران وأعمدة الإنارة بدلا من استبدال المصابيح التالفة، وتغنى المطبلون بألحان المجد لعلي و"مالنا إلا علي" ثم يحاصر ولا يجد من يحول بينه وبين الحوثيين الذين شجوا رأسه، ولفوه في بقايا بطانية، رموا به في سطح السيارة، وسرعان ما تناسى الناس الأهازيج والهتافات، وصار أحدهم يخجل عندما يرى نفسه في إعادة شريط الفيديو، ويظهر فيه وهو يطبل ما لنا إلا علي.

دعوا عنكم الصور وتمجيد الأشخاص؛ فالدنيا مواقف وأحداث ومتغيرات، ولا يبقى إلا الوطن الحاضن لأبنائه بحدوده وجغرافيته، هذا الوطن الذي تنتسب إليه وهو فخر أجدادك ومجد أحفادك، هو الوطن استقبلك يوم ولادتك وسيواري جثتك عند مماتك. لا تعظم إلا هو، وتحفظ أمنه واستقراره وتصون كرامته وتستثمر خيراته فيما يعود عليه بالرفعة والازدهار.

هو الوطن الذي نحيا لأجله ونعمره وننميه وننهض به إلى العلياء، بالعلم والعمل نزرع فيه ما غرس آباؤنا من العطاء والخير الوفير، ونتعايش فيه بمد أيدينا لبعضنا خدمة لمصالحه ومنشآته التي سينعم بخيراتها أبناؤنا فلذات أكبادنا، ولا نموت بسببه فيضرب رقاب بعضنا بعضُ، ونهلك الحرث والنسل، هذا هو الوطن الحاضن لحاضرنا ومستقبلنا، نعبد طريق نهضته بالعمل المثمر والبناء، ونجفف أنهار الدم وفيضانات الحروب وشلالات الكراهية والأحقاد، ونزرع أكاليل المحبة وبساتين الوئام والتسامح والتعايش الوطني، ونعمق جذور الألفة والتآخي والتآزر كتفا بكتف، تتشابك الأيدي لا تفرقها مناهج التصور والتصوير، وتمزقها تكتلات الكتل والأطراف المتنازعة.

هو الوطن بيت الشعب كله بمختلف ألوانه وتشكيلاته لا يعاقب أحدهم بالفناء وهدر دمه؛ لأنه طويل أو قصير أبيض أم أسود يجيد اللهجة أم ينطق بغيرها، يؤيد صاحب هذه الصورة أم يعارضه، قيم الوطن والوطنية تجمع الجميع؛ فكل له حزبه والوطن حزب الجميع، التفاهم والحوار لغة فض النزاعات والسلاح، ندخره لمواجهة الأعداء للوطن وللشعب لا نقاتل فيه حمية ولا عصبية، ولا تكتل لجماعة أو حزب أو فصيل فيقتل الأخ أخاه والجار جاره لأجل الوطن كذبا وزورا، فالوطن بريء من قتل الأخوة بعضهم بعضا.

فدعوا عنكم رفع الصور وترديد الأهازيج، فالوجوه تغادر والألحان تنسى والأيام تمضي حاملة معها الذكريات، فسجلوا لكم في صفحاته أمجادا خالدة فقد مضى الدهر ومرت من سنين العمر أيام وشهور، وعام يمضي بعده عام، ونحن لا زلنا نردد بالروح والدم نفديك يا وطن، وليس هناك أحد ينازعنا في سيادته غيرنا، ننازع بعضنا بعضا.

مرت الدول من جانبنا وبنت مجدها ونحن لا زلنا نناضل بالروح والدم فداء للوطن وقد رحل الغزاة والمستعمرون. فدعونا من تعليق الصور وترديد الأهازيج، ولنصمت قليلا لنستمع لحديث الوطن وهو ينادينا. هبوا نحو البناء والتنمية، وتعايشوا فيما بينكم، فما ضاقت بكم ساحاتي. فقط عظموني أنا أنا الوطن، ولا تنشغلوا بتعليق الصور وترديد الأهازيج؛ فلقد تأخرتم كثيرا، وأخشى أن تنسوا دروس الحياة بعد أن غرقتم في أناشيد الموت وهتافات لا خيار إلا الموت، وبالروح والدم نفديك يا وطن.

سنة بعد سنة، وأبناؤنا يتساقطون الواحد بعد الآخر فداء للوطن المتجسد بالصور والهتافات دفاعا عن رجل بحجم الوطن وقسم الموت العظيم، ها هو أمامكم الوطن قد انفرد لكم بجناحيه لتحلقوا به عاليا نحو المجد، فانشغلتم بتعليق الصور وترديد الأهازيج وأوشكتم أن تشرخوه من منتصفه ليعلق كل منكم صوره بجناحه معيقا التئام صورة الوطن الطائر بجناحيه. فدعوكم من تعليق الصور وترديد الأهازيج وعظموا وطنكم الجنوب فما هان بل هنتم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى