​القضية الجنوبية في الصحافة اليمنية

> عرض: نجيب محمد يابلي

>
سعدت كثيرًا، عصر الإثنين الماضي، في منتدى "الأيام" أن تعرفت على الزميل علي سالم بن يحيى، تحت مظلة الزميل تمام باشراحيل، وفي غمرة السؤال عن الحال، قدم لي العزيز بن يحيى نسخة من كتابه "القضية الجنوبية في الصحافة اليمنية" ويقع الكتاب في (385) صفحة، موزعة على (6) فصول، وكل فصل موزع على عدد من المباحث.

تصدر الكتاب "الإهداء" الرقيق، بحسب الأولوية الروحية: الوالد الراحل الذي علمه أن الحياء من الإيمان، ثم والدته العزيزة التي جمعت طيبة الدنيا كلها في قلبها، ثم أشقاؤه وشقيقاته زادي وساعدتي وقوتي"، ثم زوجته وأبناؤه وبناته، وهم يرون الأوراق تختطفني منهم اختطافًا، ثم إلى شقيقته الراحلة، ثم إلى شهداء وجرحى الحراك الجنوبي السلمي، ثم إلى أخيه وصديقه الراحل ناصر ثابت العولقي، ثم إلى زملائه الصحافيين الناحتين في صخرة الحقيقة.

علي سالم
علي سالم
الكتاب عبارة عن رصد دقيق لمحطات عديدة، شمالًا وجنوبًا، ولذلك فالكتاب مرجعي ولا غنى عنه، وأن المؤلف علي سالم بن يحيى صاحب قضية مقدسة، وهي الحقيقة التي تلاحقك وأنت تسبر أغوار الكتاب.
بن يحيى يشير إلى باحثين يرون أن اليمن عبر العصور لم يكن مشطورًا، في حين أن باحثين يشككون في حقيقة الوحدة اليمنية.

إن اليمن عرف في التاريخ ما هو عن يمين الكعبة، وأن الشام ما هو على شمال الكعبة، أي جنوب وشمال، أما تسمية اليمن كدولة، فظهرت عند قدوم الإمام يحيى بن حميد الدين.
ورد في الكتاب المرجعي المشار إليه، أن هناك "دوافع الطرف الشمالي للوحدة" ص 28، وهناك دوافع الطرف الجنوبي للوحدة ص 31، فالشمال الفقير ظل راصدًا لتحقيق هذا الحلم، طمعًا في ثروات الجنوب، أما الجنوب فقد وقف أمام أمرين: التخلي التدريجي للاتحاد السوفييتي عن دعم الجنوب، بسبب التغيير الذي طرأ على الجانب الأيديولوجي، ثم الخوف من تكرار دورة دموية، ولذلك اتجه الجنوب إلى الوحدة.

ورد في الكتاب براءة الجنوب من أي نوايا عدوانية تجاه الوحدة، بل أورد الكاتب عدة أدلة على أن الطرف الشمالي هو العدواني والطامع في أرض الجنوب إلى حد مصادرة ثرواته.
ورد في الكتاب تجربة الشمال مع الصحافة، وجلها جهد تركي عثماني، وتجربة الجنوب الخصبة في الصحافة وخاصة عدن، كما ورد في الكتاب إشارة مفصلة حول "الموقف من القضية الجنوبية وبدايته موقف الأحزاب والقوى السياسية اليمنية ص 115.
ورد في الكتاب الموقف العدائي في الجنوب، والفتوى الشيطانية التي أخذت طابعًا دينيًا من العداء للجنوب، ووردت تفاصيل شائقة عن الحراك الجنوبي السلمي بكل تفاصيله، وموقف أبناء الشمال من الجنوب، ووجهة نظر الرجل الكبير د. أبوبكر السقاف على قاعدة "يا أهل الجنوب اتحدوا ويا أهل الشمال تضامنوا".

كما ورد في الكتاب صحيفة "الأيام" أنموذجاً لقمع الصحافة المستقلة، وجاء في الجزئية:

صحيفة "الأيام" أنموذجاً لقمع الصحافة المستقلة
وهي صحيفة يومية، سياسية جامعة، أسسها محمد علي باشراحيل في عدن، صدر عددها الأول صباح الخميس 7 أغسطس 1958م، توقفت عن الصدور في أبريل 1967م، ثم عاودت الإصدار في 7 نوفمبر 1990م بعد إعلان الوحدة اليمنية، وصدور قانون الصحافة والمطبوعات، من أوائل الصحف اليمنية المستقلة التي فتحت صفحاتها للرأي والرأي الآخر، وجابهت الفساد، وتصدت لكثير من قضايا الاختلالات في الجنوب بعد حرب صيف 1994، وفي العام 1998م كانت أول صحيفة تطالب السلطة بمقاضاتها، وتبعت تلك القضية قضايا أخرى، ونالت نسبة 73 % من إجمالي عدد القضايا التي رفعتها وزارة الإعلام والحكومة اليمنية ضد الصحافة في اليمن بنهاية عام 2008م.

تعد صحيفة "الأيام" من أكثر الصحف اليمنية انتشاراً، لامتلاكها مؤسسة صحفية، وتعاملها بمعنية وحرفية عند طرحها للقضايا المختلفة، ولديها نخبة من المحررين والمراسلين، وشبكة توزيع واسعة، وساعد إصدارها اليومي على تكامل شعبيتها، لكونها صحيفة خبرية، فتعاطت مع مواضيع الحراك الجنوبي بإيجابية، ولهذا أقبل عليها المواطن الجنوبي بشغف، وصارت زاداً، ومعيناً لا ينضب ولا يمل من المتابعة.

وعندما اشتدت وطأة الاحتجاجات الجنوبية والمصادمات في أبريل 2009م غطت "الأيام" الأحداث بكل موسع، وكانت صور الدماء والإصابات تتصدر الصفحات الأولى من الصحيفة، وبدأ الرئيس علي عبد الله صالح في إرسال الوفود إلى الصحيفة، مطالباً إياهم بتخفيف وطأة تغطيتهم، وبدءاً من مطلع أبريل طلب ياسر اليماني -نائب محافظ لحج (السابق) ووسيط موثوق للرئيس- طلب من رؤساء التحرير الكف عن استخدام صور المصابين ونزيف الدماء ، قائلاً "إن الرئيس قلق من استخدام الصور كأدلة ضده في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي".

استمرت "الأيام" في نهجها بنقل الصور الحقيقية للفعاليات، ولم تعمل حساباً لسياسة العصا والجزرة، المستخدمة من قبل السلطة، لذا كانت على رأس الصحف المستهدفة لمضايقتها، وقمعها ومنعها وإيقافها، فبدأت بالتقطع لسيارات توزيعها وإحراق كميات من أعدادها غير مرة، قبل أن يصل الأمر إلى محاصرة قوات الأمن مبنى الصحيفة بعدن في محاولة لاقتحامها
وبدوره، أعلن وزير الإعلام حسن اللوزي يوم الأربعاء 6 مايو 2009م أن الوزارة والسلطات المحلية المختصة بمحافظة عدن قامت بالحجز الإداري على عدد من الصحف الأهلية ومن ضمنها صحيفة "الأيام"، وقال اللوزي: إن تلك الصحف قامت جميعها بالنشر ضد الوحدة الوطنية والمصلحة العليا للوطن، وقامت بالتحريض على الخروج على القانون والنظام وبث الكراهية والعداء بين أبناء الشعب اليمني الواحد.

لقد كان ذلك إعلاناً صريحاً من قبل السلطات بشن حرب ممنهجة على "الأيام" وأسرتها، بغية إسكاتها، وإدخالها نفق المطاردات والتهم الكيدية بحق ناشريها هشام وتمام باشراحيل وكتابها، والمحاكمات من أوسع أبوابها، كدرس قاس لها، لفضحها عجز السلطة عن القيام بدورها، ووقفوها مكتوفة الأيدي أمام احتقانات المحافظات الجنوبية، ومعالجته بطرق مؤيدة لمزيد من الاحتجاجات، فتم على التوالي التقطع لسيارة توزيع صحيفة "الأيام" في لحج، وفي اليوم الثاني من الشهر صادرت نقطتا تفتيش على مداخل مدينة عدن أكثر من خمسين ألف نسخة من عدد ذلك اليوم مخصصة لبعض المحافظات الجنوبية، ثم حاصرت قوات الأمن مقر الصحيفة، لمنع توزيع نسخ عدد الرابع من مايو والبالغة 70 ألف نسخة، ذلك الحصار، وتلك المضايقات جعلت الصحيفة تتوقف عن الإصدار.

ولم تكتف السلطات بإغلاق الصحيفة، ووجهت مزيداً من التهم لناشرها ونجليه، ثم على إثرها القبض عليهم جميعاً وإيداعهم السجن، قبل إحالتهم إلى المحاكم المختلفة بتهم متعددة، كما تعرض مقرها لهجوم في الخامس من يناير 2010م من قبل قوات الأمن استعملت فيه مختلف أنواع الأسلحة الرشاشة، بما فيها قذائف الـ RBG على خلفية اعتصام تضامني معها، لمرور ثمانية أشهر على إيقافها.

وحول الادعاءات التي روجت لها الحكومة اليمنية عند قيامها بشن هجوم مسلح على مبنى صحيفة "الأيام"  وناشريها هشام وتمام باشراحيل، فقد كشفت زيفها وثيقة أمريكية نشرها موقع "ويلكليكس"، وأوضحت الوثيقة -التي تضمن مراسلات بين السفارة الأمريكية بصنعاء ووزارة الخارجية الأمريكية- أن الحكومة اليمنية دبرت عملية اقتحام مقر صحيفة "الأيام"، وأن القتلى الذين سقطوا خلال عملية الاقتحام الأولى والثانية، وكانت الأولى بتاريخ 13 مايو من العام 2009م، والثانية بتاريخ 5 يناير 2010 م سقطا برصاص قوات الأمن المركزي، ولم يسقطا برصاص حراسة صحيفة "الأيام"، وهي ذريعة لإلقاء القبض على رئيس تحريرها، وهو ما تم فعلاً حين اقتادت قوات الأمن هشام باشراحيل ونجليه هاني ومحمد إلى السجن، ولم تكترث تلك القوات للحالة الصحية التي يعانيها هشام باشراحيل، ولا لكبر سنة وقد تجاوز السبعين عاماً، وبعد أن ساءت حالته في السجن، وتدخل شخصيات سياسية واجتماعية، ومناشدات، بضرورة الإفراج عنه، لاستكمال علاجه خارج الوطن، أفرجت عنه السلطة في 24 مارس، وبقي هاني ومحمد في السجن إلى أن تم الإفراج عنهما لاحقاً.

تعددت الدعاوى المرفوعة ضد الصحيفة أمام القضاء على ذمة قضايا جنائية إلى جانب قضايا تتعلق بمحظورات نشر، وتواصلت المضايقات والمطاردات والحرب النفسية والإيقاف، وأعلن عن وفاة رئيس تحرير الصحيفة هشام باشراحيل على فراش المرض في المانيال 16 يونيو 2012م، ولم يكن ذلك كافياً لاستبداد السلطات، وتواصلت محاكمة باشراحيل -وهو إلى جوار ربه- وأنصفه القضاء وهو هناك، فقد قضت المحكمة الجزائية المتخصصة بمدينة الشعب محافظة عدن يوم الأحد 10 مارس 2013م بإغلاق ملف الدعوى المرفوعة ضد أسرة صحيفة "الأيام"  وناشريها وعدد من العاملين فيها بشقيها الجنائي والمدني وبشكل نهائي، وقال القاضي محمد الأبيض "إن إغلاق ملف القضية هو تأكيد على براءة ساحة أسرة "الأيام" الصحفية.

وكان رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، قد أمر يوم 12 فبراير 2013 بإغلاق القضية بشقيها المدني والجنائي بشكل نهائي بعد قيام قوى بعرقلة إنهاء القضية لأكثر من عام، وأنهت المحكمة القضية وبقيت القضية الأهم، فالصحيفة مغلقة منذ 4 مايو 2009م، وسبق تشكيل لجنة لمعالجة مشكلتها وما ترتب عن إيقافها من خسائر في 2010 ما لبث أن تقوقعت في مكانها، لاستمرار الخناق حولها والتصعيد ضدها.

وعند انتصار ثورة الشباب على نظام الرئيس السابق، أعيد طرح المشكلة من جديد على طاولة رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، ورئيس حكومة الوفاق محمد سالم باسندوة، ويقول باشراحيل هشام باشراحيل حيال ذلك "إن الحكومة تسلمت من مؤسسة "الأيام" في 4 أغسطس 2012 ثلاثة ملفات الأول يتضمن القضايا المرفوعة من قبل الحكومة ضد "الأيام"، والثاني أعد من قبل قانونيين بالمخالفات القانونية والدستورية التي ارتكبتها الدولة في محاكمة حارس "الأيام" أحمد عمر العبادي المرقشي، والملف الثالث يختص بالخسائر التجارية للمؤسسة، أبلغتنا الحكومة بعد ثلاثة أشهر بقرارها بتعويضنا بثلاثة ملايين دولار، يتضمن شرط عدم مطالبة الحكومة مستقبلاً بأي حقوق، وهو يعني تخلينا عن قضية حارس مبنى "الأيام" أحمد المرقشي المحكوم عليه بالإعدام ظلماً، فرفضنا تلك المخالصة قطعياً".

ودون أن يتجاوز الحقيقة يستطيع الباحث القول: إن السلطة بتشكيلاتها المختلفة ابتداءً من رئيس الجمهورية السابق علي عبدالله صالح، مروراً بوزارة الإعلام وأجهزة الأمن، أعلنت عن حقدها الدفين، وصبت جام غضبها على صحيفة "الأيام" وأسرتها، وأنها انحازت -بشكل كبير- إلى صف المواطنين عامة في اليمن، والمحافظات الجنوبية خاصة، وتعاطت بشكل إيجابي مع ما يجري على أرض الواقع، فكل ما نشرته من أخبار وصور متعلقة باعتصامات ومسيرات جمعيات المتعاقدين المدنيين والعسكريين، وملتقيات التصالح والتسامح، ثم تطور مداها إلى (الحراك الجنوبي) هي موثقة، لم تختلقها من بناة أفكارها، للتهييج والإثارة، فتلك التغطية أغاضت الرئيس صالح ونظامه، وأعدوا الصحيفة صوت الحراك، ولسان حاله، وبدلاً من التفاعل مع أجراس الإنذار المنشورة، وتنامي حركات الاحتجاجات حتى غدت ديدن الجنوب، راحت السلطة وقوات أمنها للتحرش بالصحيفة، رغبة في تكميم أفواه أسرتها ومحرريها، دون اكتراث لما يحدث في الجنوب وكأن إيقاف الصحيفة وتعطيلها، هو الدواء الشافي لاحتقانات تتزايد يوماً عن يوم، تلك التصرفات، أكدت -بما لا يدع مجالاً للشك- أن السلطة هي من أشعلت فتيل احتقانات واحتجاجات الجنوب، وليست صحيفة "الأيام" التي يقول عنها سفير الاتحاد الأوروبي في اليمن ميكافيلا، إنها "الحامل لمظالم أهل الجنوب، ومسؤولية معاودة إصدارها يتحملها الجميع بما فيهم المجتمع الدولي، وينبغي معاودتها لجمهورها.

تناول الكتاب المرجعي المذكور تفاصيل القضية الجنوبية وتناولات الصحافة اليمنية كل أشكال العسف والإلقاء للإنسان الجنوبي بكل تفاصيلها.
أقول مرة أخرى: كتاب "القضية الجنوبية في الصحافة اليمنية" كتاب مرجعي لا غنى عنه، وأقول لزميلي علي سالم بن يحيى، يشكر لك هذا الكتاب المرجعي على مستويات القطرية والعربية والدولية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى