كرة النار.. ستحرق الجميع

>
​يقال إن السياسة هي فن تمرير الإرادات بين الأطراف المتصارعة بهدف الخروج بتسويات تحفظ الحقوق أو ما يمكن منها، بالطرق السلمية بين الأطراف المتصارعة. ويقال أيضاً: إن الحروب هي الوسيلة النهائية الأعنف لفرض إرادات على أخرى، وفي لغة الحرب يقولون: إن خسرت معركة ولم تُكسر ولم تخسر فيها إرادتك، فإنك لا تُحتسب مهزوماً، فمعركة أخرى تعاضدك فيها إرادة لا تلين كفيلة بجعلك في مربع المنتصر. تزداد الأمور سوءاً كلما تعددت الأطراف المشاركة في هذه الحرب أو تلك في هذا البلد أو ذاك، ما من شك أن الظروف التي يعيشها الجنوب خصوصاً، واليمن عموماً هي ظروف أسوأ من ظروف الحروب المباشرة، التي يتواجه فيها جيشان على مسرح عمليات جغرافي معين. وبغض النظر عن كبر وغنى هذا المسرح القتالي الذي تتقاتل عليه إرادات كثر كما هو حالنا اليوم، في هذه البلاد أصبح المشاركون في الحرب أكثر بكثير من الأطراف التي نراها، فمنها المحلي ومنها الإقليمي ومنها الدولي. عملياً اليوم تجري في هذه البلاد عدة حروب منها الجاد ومنها الهزلي وشبه الهزلي، لكن المؤكد أن كرة النار التي تتدحرج في طول وعرض البلاد قد التهمت الكثير من المقدرات الاقتصادية، حيث تنهب الثروات النفطية والغازية والسيادية جهاراً نهاراً أمام سمع وبصر المجتمع الدولي ومجلس الأمن والأمم المتحدة. من المؤكد أن في جوف كرة النار هذه تجري أكبر عمليات غسيل الأموال في المنطقة، وربما في العالم تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة. من المؤكد أن كرة النار هذه قد علق بها خلال فترة تدحرجها الذي دخل عامه السابع، الكثير من المنظمات الإرهابية العالمية كالقاعدة وداعش والنصرة، التي يتجول أعضائها بالزي الرسمي لما يسمى بالجيش الوطني وبدونه، يتجولون بكل أريحية وحرية. من المؤكد أن كرة النار قد التهمت كل شيء بما في ذلك رواتب الموظفين الرسميين والأمن والجيش، وأبسط أنواع الخدمات التي يحصل عليها أي مواطن، في أكثر البلاد فقراً.

من المؤكد أن كرة النار هذه قد مسحت من على سطح هذه الأرض كل عناوين ومسميات الحرب التي ابتدأت في العام 2015 وأحرقت كل قرارات مجلس الأمن الصادرة منذ ذلك الحين، وزد على ذلك أنها قد حولت كل جهود المبعوثين الأمميين السابقين -وربما أيضاً اللاحقين- إلى هباء منثور مخلوط بعواصف رمال الربع الخالي، وجعلت من تلك الجهود مادة موسومة بعبارة غير صالحة للاستخدام الإنساني. تغيرت مسميات هذه الحرب كماً ونوعاً، وما عاد هناك في صنعاء من ينتظر عودة الفارس العجوز، لكي يعيد شرعية نظام قد شبع موتاً، لدرجة أن تخلى عنه بضعة المنجمين في مكة، وأولئك الموجودون في إسطنبول، حيث يستقرؤون المواقف من بعد.

خلاصة القول، إن المدخلات الجديدة في المعادلة السياسية، لم تعد تلك التي ابتدأت بها. ومن المنطق بل ما يفرضه العقل أن يكون البحث عن الحلول خارج تلك الدائرة المهترئة، هو المخرج العقلاني لرؤية جديدة للبحث عن الحلول الجذرية والمستدامة.
الحديث هنا موجه لكل القوى المؤثرة في الداخل والخارج، بما فيهم المجلس الانتقالي الجنوبي الذي لم يتقن دوره بعد في تقديرنا المتواضع حتى مع ملامح الصحوة المتأخرة، التي تبدو على أدائه.
الشيء المؤكد الأخير الذي نشدد عليه دوماً، أن المدخل للحلول في الشمال والجنوب لن يكون عقلانياً دون الولوج من البوابة الجنوبية، وحل القضية الجنوبية بما يرتئيه الشعب الجنوبي. دون ذلك، ستبقى الأمور كما هي عليه وستحرق كرة النار، مناطق يفترض فيها الأمن والاستقرار.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى