معادلة سقوط الدولة فشل سياسي وحروب مستمرة

> ما زلت أتذكر عبارة ذكرها محمد البخيتي علنا في إحدى القنوات الفضائية أن جماعته عندما دخلت الحرب كمن ركب سيارة بلا فرامل وتعشيقة الوراء مفصولة، وأنهم إلى الأمام ماضون في الحرب.
لم يفكروا باثر الحرب على عامة الناس وأوضاعهم المعيشية واحتياجاتهم الإنسانية ليس الحوثي وحده في الساحة من يخوض حربا، وإن كان هو سببها الرئيس مع علي عبدالله صالح والمتخفين معه في قوام الشرعية اليمنية، المستثمرون معاناة الشعب في صنعاء اليمن وعدن الجنوب على السواء.

التحالف العربي سبب آخر في الأزمة، ولم يجد مخرجا لإيقافها وإنهاء مظاهرها، مثل جماعة الحوثي ماض بها إلى الأمام، فالسعودية نالها من أضرار الحرب ما نالته صنعاء وعدن، ولم تعد قادرة على حسم المعارك بعد تحسن الأداء العسكري البالستي والمسير الحوثي.
الجنوب أيضا رغم التحرير من سيطرة الحوثيين وخلو الساحة تماما من أي وجود عسكري يمني إلا ما كان حول القطاعات النفطية سابقا وحاليا، الحرب لا زالت مستمرة تزيد من معاناة الجنوب، وتدهور معيشته وتهدده بالانهيار الاقتصادي والمجاعة، في ظل تقييد صلاحياته باستثمار موارده وخيراته الوفيرة.

كلهم ماضون في الحرب بخيار واحد لا سواه. ليس هناك هدف بإمكانهم تحقيقه، فلن يفرض الحوثيون هيمنتهم على صنعاء إلى الأبد، ولن يتجرؤوا على غزو الجنوب مرة أخرى، ولا غزو الرياض وإسقاط الحكم في المملكة، فعبثا يحاربون، كما لن يتمكن هادي ومحسن وحزب الإصلاح من استعادة الشرعية وإسقاط الانقلاب الحوثي؛ فالحسم العسكري ليس لصالحهم على الإطلاق، فما يتم تحريره اليوم يستعيده الحوثي غدا، وما يطلق عليها مناطق يمنية محررة وتابعة للشرعية، غدا تحت سيطرة الحوثيين لتتقلص مساحة سيطرتها في اليمن.

المجلس الانتقالي الجنوبي المولود حديثا وحده من ينمو ويكبر يوما بعد يوم وتتوسع دائرته داخليا وخارجيا، ودخل في معادلة الدولة، وفوق ذلك تعثر في استمالة تيار جنوبيي الشرعية، ولم ينهِ خلافاته الشكلية مع مكونات التحرير والاستقلال الجنوبية الموجودة على الأرض.

إنه فشل سياسي لكل القوى في الأزمة اليمنية، عاصفة الحزم وإعادة الأمل، وشرعية الرئيس هادي وانقلابيي صنعاء الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي. لم يتمكن فصيل من فرض إرادته على الآخر، ولم يتسع الحوار بطاولاته المتعددة في الكويت والسويد ومسقط والرياض ومبنى الأمم المتحدة ولم تتمكن الخارجية الأمريكية وجهود المبعوث الأممي والتنسيق الروسي وسلطنة عمان، لم يتمكنوا جميعهم، بعد سبع سنوات، من وضع اللبنات الأولى لخارطة طريق الحل السياسي وإنهاء الأزمة بين المطالبين باستعادة الشرعية، أو المطالبين بتثبيت حكم حركة أنصار الله كأمر واقع، أو المطالبين باستعادة دولة الجنوب العربي. لم يتمكن أحدهم من التمثيل السياسي المطلق، مما ألزم في اتفاق الرياض أن يدخلوا جميعا فيما يتعلق بالجنوب مشاركة، وليس انفرادا بواقع ١٢ وزارة للجنوب، استحق الانتقالي منها أربع فقط وثمان وزارات قسمها اتفاق الرياض بين المكونات الجنوبية الأخرى وهذا ما أفشل الحل السياسي، وصعب تنفيذ بنود اتفاق الرياض.

وضع سياسي غاية في التعقيد ظهر أخيرا بقوة في شقين: أحدهما في الشمال ممثلا بالمجلس السياسي لأنصار الله، والآخر في الجنوب ممثلا بالمجلس الانتقالي الجنوبي، وكلاهما لا يتفق مع سياسة الشرعية ممثلة بالرئيس هادي، الذي يستحيل أن يسمح له باتخاذ موقع بديل عن العاصمة اليمنية صنعاء في عدن أو غيرها من مدن الجنوب، ويستحيل أن يسمح له بالعودة إلى صنعاء وممارسة العمل السياسي، ولهذا سيصر أطراف الاستثمار العسكري وتجار الحروب في الداخل والخارج على بقاء الوضع كما هو عليه ووضع العصي في الدولاب لمنع حركة التفاوض الندي والحاسم بين شقي الأزمة فتستمر الحرب وتزداد معاناة الناس، عصا غليظة بيد الحوثيين اخضعوا فيها كل رأي وفكر ومعارضة فوفروا بها نوعا من الاستقرار بتشغيل الحد الأدنى مما توفر على أيديهم مع المحافظة عليه باستخدام العصا الغليظة؛ فثبتوا العملة ووفروا الغذاء بأسعار محمية بالعصا الغليظة، والخدمات ألزموا بتوفيرها رأس المال المحلي بوعاء الجباية والخمس وغيره من موجبات دعم المجهود الحربي بألفاظه المتنوعة، التي أقنعت العمال والموظفين أن قطع الرواتب والصبر عليها مجهود حربي يؤجرون عليه، فتمكن الحوثيون بذلك من تعزيز الجبهة الداخلية، واستقرار الأمن العام في المناطق التي يسيطرون عليها، عكس المناطق المحررة والجنوبية بالذات التي تقاسم إدارتها ثلاثة شركاء متشاكسون، أيهما يريد أن ينفرد بقراره؟ السعودية من جهة عاجزة ومتورطة، وشرعية الرئيس هادي متبلدة ومتهمة بممارسة سادية التعذيب الذاتي للشعب نكاية بخصمها المدعوم إماراتيا، حسب الخطاب الموجه إعلاميا للراي العام، محاولا إقناعه بوجود معرقل لجهودها في خدمته ورفاهيته.

المجلس الانتقالي الباسط على الأرض المكشوفة بغير غطاء اقتصادي واجتماعي يكابد لتغطية كامل الجسد فيعجز، كلما غطى أعلاه انكشف أسفله، وكلما غطى أسفله انكشف أعلاه، خدمات مزرية، ورواتب مقطوعة، وأمن متذبذب تمكنت الشرعية الخبيرة بفن التعذيب الذاتي من عهد صالح وشركاؤه من ممارسة التقية الشيعية الاثني عشرية تمكن من إلباس الانتقالي ثوب المسؤولية عن معاناة الناس في عدن ومدن الجنوب، متهمة إياه بالمعرقل لجهود الحكومة في توفير الخدمات وإدارة شؤون المحافظات الجنوبية عبر التحكم عن بعد.

سبع سنوات من بعد التحرير وشركاء العمل السياسي في اليمن والجنوب من فشل إلى فشل أمام معادلة سقوط الدولة، عاجزون جميعهم في تثبيت أركان الدولة اليمنية أو الاتحادية أو الجنوبية أو الحوثية؛ فمعادلة سقوط الدولة تجسدت في فشل سياسي وحروب مستمرة بين كل الأطراف لن تتوقف، ولن تنتهي، وليس لها أهداف يمكن تحقيقها؛ لأن بتوقفها والبدئ بالعمل السياسي المشترك الباحث عن المصلحة العامة للدولة في اليمن والجنوب، وترتيب إجراءات التفاوض العقلاني فيما يخدم مصالح الشعبين، هو عين العقل، وهو النجاح في معادلة بناء الدولة بنجاح سياسي دون حروب وتدمير وخراب وانهيار للقيم والأخلاق والمبادئ، وحق العيش بكرامة.

إنه الفشل السياسي السبب في استمرار الحروب عند الباحثين عن استقرار السياسيين وليس الاستقرار السياسي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى