مآل الإنسان

> يولد الإنسان من بطن أمه، لا يفقه شيئًا، ولا يعي ما هي الدنيا وخباياها ومحتواها، ويولد على انتماء ذويه أو أهله، وربما مجتمعه، هذا على وجه العموم، مع أن هنالك اختلافًا شاذًا عن القاعدة أحيانًا، وتبدأ منذ أيامه الأولى معه عملية زرع آراء وأفكار وتصرفات وتربية، بأي شكل كانت، تستنبت في روحه وجسده وعقله وكيانه؛ لأنه مسلوب الإرادة، خاضع خاشع، يرضعه ذوه مما غرس فيهما من قبلُ من أبويهما مع بعض الاختلافات الطفيفة، هنا وهنالك، لينمو ويترعرع ويكبر على هذه الأفكار والمبادئ، ويدخل المدارس ويبدأ رحلة أخرى جديدة يتعلمها من معلمه الأول ويزرع به زرعًا جديدًا، وتمر السنون ويرتقي لمرحلة مدرسية وجامعية جديدة، فتجتمع عنده معلومات أخرى تضاف لما سبق من أبويه، وبعدها تبدأ مرحلة أخرى من الكسب المعرفي الإرادي الشخصي، حيث يبدأ عند البعض الجوع والعطش للمعرفة والثقافة عامة، فيشرع في تناول ما يلذ له من فواكه الأدب والفن والعلوم؛ فتسمو روحه ويسمو عقله فيما يقبل به ويسلم أو يرفض، وترافقها عادات وعبادات وتقاليد لن يستطيع منها فكاكًا ويتقدم به العمر، مع ما ينهله من ماء المعرفة والعلوم أو الآداب والفنون ولا يرى نفسه إلا وقارب عمره مغادر لهذا العالم الفاني، ليبدأ رحلة العوالم الإلهية الغيبية التي لا يعلمها إلا الله، والتي يكون زادها ما تعلّمَ الفرد في حياته وما زرع في روحه وذاته من إيمان ومن خير أو عدمه، أو أي علوم ستنفعه في حياته الأخرى، وماذا سيأخذ معه من أعمال طيبة وكلمة طيبة حقيقية غيرت ذاته وروحه ونفسه، وكان الغرض منها رضاء الله ومرضاته، وليس لجمع أعمال حسنة( حسب فهم الفرد) فـ((إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه))، وكل هذا يكون ضمن قانون الله العظيم ((إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورًا)) فهل كانت أعمالنا لوجهه الكريم فقط، وكما يريد الله تعالى ليبعدنا عن أن تكون أعمالنا شَرَكا لآمالنا، فهل نحن نعي بأن الأعمال لن تقبل إلا برضاء الله، وأن تكون نقية خالية مما سوى مرضاته، فالأعمال في ساحة وفناء المعبود، لن تكون مقبولة إلا بنقاء الأعمال وطهارتها عن الأنا، والثواب لن نناله إلا بعد رضا الله وقبول العمل الطاهر المقدس عن جمع النقاط، وبعد هذا سيرى الإنسان أنه أفنى عمره في جمع وطرح وقسمة بعيدة تمامًا عما كان يجب أن يعمله، فلو أن كل إنسان عمل هذا، ستكون حياتنا صعبة وغبية ونحن نعمل أعمالنا لجمع حسنات، كي ترفع درجاتنا عند ربنا في العالم العلوي الآخر، وستمسي إنسانيتنا غبية لئيمة سوداء، ليس فيها المحبة ولا التراحم الحق ولا الإنسانية التي نبتغيها، كوننا نفكر بهذه الطريقة التي نعمل فيها العمل، كي نقبض ثمنه فيما بعد مضاعفًا.

وهنا سنرى أن رحلة العمر بدأت وانتهت إلى عدم رقي أرواحنا وسموها عن الماديات والغنائم التي تتزاحم بها أفكارنا وعقولنا، فهنيئًا لمن كسب أعمالًا صالحة حقيقية بعيدة عن الأنا نقدمها بين يدي المعبود وكلامًا طيبًا منزه عمَّا سوى الله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى