عاصفتهم التي ارتدت جنوبا

> * عصر ثالث العيد، كنت وصديقا عسكريا نفترش رمال ساحل كورنيش البريقة بعدن، وكان وجههُ منهكا ويتمزّق ألما، فهو لم يكسُ أولاده أو يجلب أضحيةً للعيد، وهو عقيد من جحافل المطرودين من جيشنا الجنوبي بعد حرب 94م. بدأ حديثه مشيرا إلى أنّ مكرمة الانتقالي للعسكريين حلّت شيئا من مشكلة الغذاء والديون المتراكمة، وأضاف متسائلا: "لكن بالله عليك كيف تتخيّل نفسيّة أطفالك عندما تعجزُ حتى عن توفير خِرقة رخيصة لهم للعيد ؟"، وتمتم بغضبٍ: "حتى متى نصبر على هؤلاء الأوغاد وحربهم الكاذبة هذه ومخطّطاتهم الجهنمية نحو جنوبنا ؟!".

* أتحسّسُ بمرارةٍ فحوى حديثه ومعاناته، وفي دواخلي أيضا يصخبُ نفس السؤال الذي أَقضّ مضاجعنا جميعا هنا في الجنوب، وهو: "فعلا حتى متى نظل صابرين مُتحملين لتبعات حربهم الكاذبة ومؤامراتهم الخبيثة نحونا ؟"، فهم لم يحرروا شبرا من كل الشّمال، والشرعيّة مجرّد أكذوبة فجّة، وجيشهم الكرتوني خيال مآته وحسب، وهو يستأسدُ بالإرهابيين في جنوبنا، والواقعي أنّ ما يدورُ ليست حربا، بل هي مسرحيّة لتهيئة رقعتنا لمآلات رسمها الكبار.

* الشارع هنا ليس ساذجا، أو يمكن أن تنطلي عليه حرب الوهم الدّائرة، ومن الجائز، أنهُ ابتلعها في البداية، لأنّ دُخول التحالف إلى جغرافيتنا في بداية الحرب كان بعنفوان مصحوبا بزهوٍ كالطاؤوس، ورويدا رويدا تضاءل العنفوان والزهو، حتى طلعات طيرانه لقصف الحوثي تلاشت تقريبا، واليوم هو لا يتحرّك إلّا فيما يخدمُ توجهات السيناريو إيّاه، والصورة اتضحت بكل جلاءٍ.

* إذا نحنُ هنا في الجنوب سنصبرُ حتى متى؟ أو كم نستطيعُ الصمود؟ والغلاء توحّشَ بجنونٍ، والدولار تجاوز الألف ريال، ومداخيل الناس هنا زهيدة، فهي عند أدنى حدود مداخيل أفقر دولة في العالم، والخدمات انهارت تماما وبتعمدٍ مقصود، ولا بارقة أملٍ في أداء حكومة الوهم التي خرجت من عباءة الاتفاق المسخ في الرّياض، فهي مجرّد بيدقٍ صغير محدود الخُطى والحركة، وممثلوا الإخوان فيها صورة صارخة لدُمَى تتحرّك بأوامر مُخرجهم إيّاه، بل مؤشّر بوصلة الحرب تحوّل جنوبا الآن، وتحت سمع وبصر الإقليم والعالم، وهذا هو المذهل في كل ما يدورُ اليوم.

* ما يجري في جنوبنا اليوم هو صورة لجحيمٍ خُرافي يفتكُ بشعبنا، وبعدهُ ما بعدهُ، وحيتان الفساد والنّهب في الشّرعية وجوههم جامدة كأصنامٍ مُصلّبة لا تهزها النّوائب التي تعصفُ بالناس في القاع، ولا ذرّة خجل أو تَململ بوازع ديني أو أخلاقي يتحرّك فيهم، بل هم أسهموا عمدا في تخريب البلاد، وهُم دمّروا مصفاة عدن، وعبثوا بالبنك المركزي، ونَهبوا النّفط، وعملوا على ترقيد معظم الممكنات الاقتصادية التي يمكن أن تحافظ على البلاد فوق هذا المستوى بمسافات، وكل هذا مُمنهج ومخطط له، ولاشك.

* طُفنا وجُلنا وصاحبي في محاور عدة، وأسعدني أنّه وأمثاله من عساكرنا المنكوبين يستوعبون ما يجري جيدا، بل ويتداولونهُ يوميا فيما بينهم ومع سواهم أيضا، لكن السؤال الأهم الآن هو: "كلنا ندرك حقيقة وكنه كل ما يدور، ونعرفُ جيدا مَن هم المُحركون الفعليون (داخليا وخارجيا) لكل العبث والإنهاك الذي يطحننا بعنفٍ، بل ونَتخيّل النهاية الكارثية التي تنتظرنا إذا ظللنا هكذا، فماذا بعد كل هذا ؟!"، وهذا هو المحوري حقا، أليس كذلك ؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى