أزمة وطن يعيش فينا

> بات وطننا مريضًا من الحروب والفتن والمؤامرات والانقسامات والاختلافات، إلى درجة يصعب تصورها أو احتمالها، نتيجة الإفراط في كل شيء، وتجنِّى أبنائه عليه، ومحاولة كل فصيل أو فريق أن يستأثر بكامل الكعكة، ليس مُهِمًّا عندهم أن يتعافى الوطن، أو حتى يشمَّ نَفَسَه، ليصبح وطننا بفعل تصرفات ونهج وأسلوب وهمجية هؤلاء في أزمة حقيقية.

عندما قامت الثورة استبشرنا خيرًا، وقلنا إن القادم أحسن، ولكن للأسف خاب ظننا؛ لأن تركيب النظام من البداية لم يكن على ما يرام، وكل المقدمات التي مررنا بها وشاهدناها سوف تؤدي بنا في نهاية المطاف إلى الأسوأ، ليس تشاؤمًا أو تجنيًا، ولكن هذه الحقيقة، (50) عامًا ونحن في ضياع وصراع على المصالح والمكاسب وكرسي الحكم، الذي بسببه ضاع الوطن والمواطن، ولننظر إلى ما نحن اليوم فيه من نكد وفقر وخراب وفوضى وصراع، أُحرق الأخضر واليابس، كنا نرغب بنشر بعض الأمثلة عن المآسي والمحن والمصائب التي مرت بها بلادنا، لكننا لم نذكر تلك المآسي مراعاة منا عدم نبش المواجع المخزية والمحزنة، فضّلنا السكوت (ما فينا يكفينا)، أضف إلى ذلك المرحلة دقيقة ومحرجة، وأن بلادنا موضوعة في أشد لحظات تاريخها حرجًا وصعوبة، لأنها اعتادت على التضحيات الضخمة (نكبة وراء نكبة) ولا تزال المحن محلّقة فوق رؤوسنا حتى كتابة هذه الأحرف؛ لأننا نعيش في أجواء الاستقرار في المجتمع، كلما زاد الإحساس بالأمن عند أفراده قلّت الفرص لظهور النزاعات العدوانية والعكس بالعكس.

ولا ريب أن ما يجري في بلادنا من اغتيالات واقتتال بين أبناء الوطن الواحد شيء منكر، ولابد من توقيف هدر الدماء والفوضى من قبل أشخاص خالية من القيم والمبادئ والأخلاق الإنسانية.

نرى أن إحساس المجتمع يعاني من الافتقار إلى الأمن، زادت من شعور الوطن بعجز السلطات الأمنية في الكثير من المحافظات عن توفير الحد الأدنى من الطمأنينة والسلامة للمواطن وممتلكاته، على الرغم من بذل السلطات المحلية من جهد وتضحية من أجل توفير متطلبات الأمن، التي من الواجب توافرها من أجل مصلحة الدولة والمواطن من آن واحد.

لا ننكر من أن التطورات المتلاحقة في الأجواء الأمنية على تفكير كل مواطن في بلادنا، نتيجة التخوف من تكرار تلك الحوادث مستقبلًا، وأدى عدم توافر الاستقرار والأمن إلى بروز العديد من المشاكل التي ارتبطت منذ بداية يوم الاستقلال الوطني في العام 1967م وحتى الآن، ويأتي التضخم والعجز الاقتصادي الناتج عن عدم الاستقرار بعد فترة وجيزة تحدث أزمة وراء أزمة، حرب أخرجت وهدّمت الاستثمار ورجال المال من البلاد، كما تحطمت لدى غالبية المواطنين في الجنوب الكثير من المبادئ الخلقية التقليدية، كالأمانة وصدق المعاملة؛ لأنهم لم يجدوا عزاءً لهم، نتيجة هذه الأوضاع، أو حتى ترضية محدودة، ومن هنا نشأت لديهم خيبة الأمل.

الجنوبيون يريدون الأمن والطمأنينة، وضمان مستقبلهم ومستقبل أولادهم في الحياة، وهذا لن يتأتَّى إلا بقيام الدولة بتوفير كل متطلباتها من خلال وجود دولة متماسكة ذات رأي وكلمة واحدة، أما والبلاد تمشي على كف عفريت، الحكومة في وادي والدولة في وادي آخر.. تذكرني بأغنية للفنان عطروش (أنا ساكن في الرميلة وحبيبي في الفيوش) وهذه حوشة!

لكن جماعة الصراع على المصالح والمكاسب لم يتركوا للوطن والمواطن حاله، بعد كل زفة تأتي زفة أخرى، وهكذا الحال منذ 50 عامًا، والبلاد خربانة، لا كهرباء ولا أمن بالصورة المطلوبة ولا مرتبات، مجرد نهب الأموال والأراضي، وهات (يا قاح قاح)، لا هناك استقرار لضرب الفاسدين بيد من حديد على كل من يحاول تقطيع أواصر البلاد والعباد، وهناك أناس طيبون يريدون زيادة.. الارتباط للمواطن بأمنه لأنهم يحملون إخلاصًا ومشاعر غنية من الحب لوطنهم، عكس هؤلاء الذين فقدوا الحب والانتماء لوطنهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى