​الحرب وانحراف المسارات إلى أين؟

>
​العالم أجمع شهد فشل التحالف الحاكم في صنعاء (المؤتمر الشعبي العام وحزب التجمع اليمني للإصلاح)، فهذا التحالف هو من صنع البدايات وهو من يريد صنع النهايات بطريقه هزلية، وهو لا يهمه وطن ولا غير ذلك، الأهم عنده تقديم خدمات لمن يدعمهم من الخارج، ليكون حارسا أمينا لمصالحهم، فهو من عطل مسار التسوية السياسية بعد مؤتمر الحوار بتعمد، وهو من قدم السلطة للحوثي على طبق من ذهب، وهو يعرف ارتباطه بإيران، وخطورة ذلك التصرف على اليمن والإقليم والعالم، وكل منهم يريد استخدام جماعة أنصار الله ليضرب خصمه، وكان اعتقادهم بأن تلك الجماعة غير قادرة ولا مؤهلة لقيادة الدولة، ويحلم كل منهم استعادة سلطته منها بعدما  تتخلص الجماعة  من أعدائه... فإذا بتلك الجماعة قد أظهرت أنها أذكى من كل دهاء ذلك التحالف الذي حكم اليمن لأكثر من ثلاثة عقود، فقد تحالفت تلك الجماعة مع فريق  منهما الذي  بيده مفاصل الدولة والجيش، وانصرفت لضرب الفريق الآخر حتى اضطرته للخروج من صنعاء متنكرًا، وبعد أن استوت الجماعة على الحكم ذهبت لضرب الفريق الذي تحالفت معه، وتم القضاء على الزعيم الذي فتح لها الأبواب، وسلمها مفاتيح خزائنه من المال والسلاح والبشر، وأصبحت الجماعة متحكمة بمسارات الحرب، وتفرض شروطها على الجميع طبعا بتواطؤ دولي ودعم إقليمي من ايران وغيرها.

  بعد سبع سنوات حرب نستطيع أن نستنتج أن هناك خلل استراتيجي كبير في إدارة الحرب من قبل فريق تحالف صنعاء المهزوم المسمى شرعية، الذي تموضع في الرياض، نشاهد الجبهات التي يقودها لم تصمد أمام الحوثي بينما الجنوب نهض عبر مقاومته في تحرير الجنوب والمساهمة في تحرير أجزاء من الشمال حتى الحديدة وفي نفس الوقت المساهمة في جبهات أخرى ولا نزال نلاحظ أن الشرعية وقواتها قد تعثرت في كثير من الجبهات، بل إن كثيرا من تلك الجبهات مثل المنطقة العسكرية السابعة والسادسة قد سلمت للحوثي بما فيها من سلاح وعتاد ومعسكرات، وبهذا اكتمل تسليم جيش الجمهورية اليمنية كاملة مع الأسلحة التي استلمت حديثًا من التحالف، ولم يتبقى معها غير مدينة ونصف مدينة في جغرافية الجمهورية العربية اليمنية، وذهبت تبحث لها عن وطن بديل في الجنوب، واختلقت معارك جانبية عبثية لا تخدم هدف عودتها  إلى صنعاء.

ففي عدن فشلت الشرعية في إدارتها، بل رمت كل ثقلها باستخدام أوراق ضغط على مواطني الجنوب المحرر عبر حرب الخدمات والمرتبات وتركها دون وضع خطط لإعمار ما خلفته الحرب وعطلت أهم المرافق الاقتصادية عمدا، وركزت على تشكيل  ألوية إضافية في عدن تحت مسمى الحراسة الرئاسية، وهي خليط من العسكريين وظهر فيها عناصر تنتمي إلى المنظمات الإرهابية، وتم تشكيلها، على غرار الفرقة الأولى مدرع والهدف منها السيطرة على عدن لصالح حزب الإصلاح تنظيم الإخوان المسلمين، حيث، ظهر أن الخلايا الإرهابية التي كانت تقوم بالتفجيرات أو الاغتيالات تحتمي بتلك المعسكرات، وهي تكرار لنفس الأساليب التي كانت تجري أيام حكم عفاش عندما كانت تلك الخلايا تخرج من معسكرات الجيش الشمالي المتمركز في المناطق الجنوبية للقيام بالاغتيالات والتفجيرات وحتى الاستيلاء على مناطق، كما حصل في أبين عندما سيطر عليه جماعة أنصار الشريعة، وحسب تصريح اللواء قطن بعد المعارك التي قادها لتصفيتهم في أبين بأن تلك الجماعات عادت إلى معسكراتها.

هناك صراع مشاريع مختلفة على أرض الجنوب منها ما يناضل من أجله الجنوبيون، الذين ينادون باستعادة الدولة الجنوبية، وهناك مشروع  تقسيم الجنوب على أسس ومصالح اقتصادية تخص شركات عالمية وإقليمية وتقوده الشرعية، والهدف إقناع العالم بأنها قادرة على تقديم نفسها لعرض خدماتها كحارس أمين على المصالح العالمية، والاستحواذ على مستقبل صناعة النفط والغاز في الجنوب، ولهذا تم إخراج النخبة الشبوانية من محافظة شبوة وتهميش النخبة الحضرمية وحجزها في منطقة الساحل، وعدم السماح لها بالتمدد نحو الصحراء والوادي والإبقاء على قوات ليست لها أي علاقة بالوادي والصحراء بمهمة السيطرة على منابع النفط هناك، وبهذا تم التحكم بكل جغرافية محافظة شبوة وجزء من أبين ومحافظة حضرموت والمهرة، وهي المناطق المستهدفة من أصحاب تلك المشاريع السياسية، التي يراد فرضها على الجنوب في أية حلول قادمة، ويتم إقناع المجتمع الدولي الذي لا يهمه إلا ضمان سيطرة شركاته العاملة لعقود قادمة.

ومن أوجه الصراع الأخرى أنه يدور حول الاستحواذ على مناطق استراتيجية تطل على بحر العرب ومدخل باب المندب، ويبدو أن هناك تفاهمات على مستوى كبير بين الأطراف المتعددة بأنه فيما إذا تمت السيطرة على تلك المناطق، وخاصة محافظات النفط فسيكون السيطرة على عدن تحصيل حاصل، ويخيل للمراقب بأن تحويل بوصلة الحرب باتجاه الجنوب قد كان ذلك من أحد أهدافها الرئيسية، فالعودة لمسار الحرب منذ انطلاقتها نجد أن هناك تركيز على بقاء قوات ضخمة تابعة ( للشرعية!) وهي مزدوجة، وفي نفس الوقت تابعة لصنعاء حسب تصريح سابق للزعيم علي عبدالله صالح، ومتواجدة في مناطق النفط، تستلم مرتباتها أيضا من صنعاء ويقضي أفرادها إجازاتهم السنوية في مناطق سيطرة الحوثي، وهذا يثير كثيرا من التساؤلات كونها لم تستخدم في المعارك، ولو تم توظيفها لصالح المجهود الحربي نحو هدف إسقاط صنعاء كان يمكن تعديل ميزان القوى لصالح العودة إلى صنعاء، ويمكن كان القضاء أو حتى تحجيم المد الفارسي التي تدعي الشرعية بأنها تحاربه لكن في الواقع كان يجري العكس، بحيث تمكن المد الفارسي من ترسيخ جذوره على جغرافية الجمهورية العربية اليمنية، ولديه الإمكانية بالتمدد جنوبًا إن توافقت الشرعية معه على مستقبل الاستثمارات الكبيرة في مناطق النفط التي تسيطر عليها.

ما نراه أمامنا من مشهد تراجيدي ينفذ منذ بداية الحرب الضاغط على مواطني عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى بحروب متعددة تهدف إلى تركيع الناس لكي يستسلموا للأمر الواقع والتخلي عن طموحهم باستعادة دولتهم الجنوبية الفدرالية.
تجاهل معاناة الجنوبيين وعدم النظر بواقعية لما يجري في المحافظات الجنوبية المحررة والسماح للشرعية بمعاقبة شعب الجنوب أمر يخالف القانون والمواثيق الدولية لأن تلك الممارسات تدخل ضمن الجرائم التي يحاكم مرتكبيها دوليًا وهذا الموقف يثير كثيرا من التساؤلات، وكأن سكان الجنوب ينتمون إلى كوكب آخر بينما لو نملة تعثرت في صنعاء أو تعز أو الحديدة يهرع العالم كله للضغط والاحتجاج والمطالبة بسلامة النملة، وهناك شواهد كثيرة خلال حرب السنوات السبع الجارية، ومنها تشجيعهم للنازحين للبقاء في عدن والمناطق المجاورة، لها وفي المحافظات الأخرى مثل شبوة وحضرموت والمهرة، بل ويتم الصرف عليهم من الشرعية ومن منظمات دولية أخرى لكي يبقوا ويستوطنون في تلك المناطق بينما الجنوبيون   يتضورون جوعا، ولم يلتفت إلى معاناتهم أحد حتى حقهم الشرعي في المرتب لم يسلم من الأذى، لماذا كل ذلك؟ وما الهدف من وراء ذلك؟ ولماذا تشجيع الشرعية على إذلال شعب الجنوب؟ وهل كل ما يجري تحت يافطة الوحدة يبرر ما تقوم به الشرعية من أفعال؟ وما دخل العالم بوحدة اليمن؟  أم أن هناك تفاهمات لا أحد يعرف مضامينها بين الشرعية والعالم، تخص أرض الجنوب دون علم شعب الجنوب وموافقته؟ السؤال ماذا تبقى من الوحدة التي لم يستطيعوا أن يدافعوا عنها في عقر دارهم، وتركوا خلفهم ترسانة من السلاح والذخائر ومعسكرات تعج بالجنود والآليات المدرعة والصواريخ بمختلف الأنواع، ولم يطلقوا رصاصة واحدة، وماذا تبقى من الشرعية التي لم تستطع أن تحافظ على وجودها في جغرافية الجمهورية العربية اليمنية التي تم انتخابها فيها، بل يشاهد العالم تسليم معسكراتها وجبهاتها لانصار الله في معارك هزلية لم يشهد لها مثيل في تاريخ الحروب، ماذا يعني ترك عدوهم خلفهم وذهبوا لاحتلال الجنوب المحرر مرة أخرى على ماذا يراهنوا؟ هل أحد من الخارج يستطيع أن يعطيهم صك امتلاك الجنوب المحرر؟ أسئلة كثيرة مطروحة على الطاولة اليوم وخاصة بعد أن انتفض مواطني محافظات شبوة وحضرموت والمهرة خلال الأيام الماضية وإعلان موقف شعبي رافض للاحتلال أيا كان نوعه وتحت أي يافطة كانت كما بدأ إعلان العصيان المدني في محافظة حضرموت للمطالبة بحقهم في الحياة على أرضهم ... وهل كل ذلك ما يكفي لكي يقتنع العالم بأن من حق الشعوب تحديد مصيرها من أي قوات احتلال؟ أعتقد جازمًا بأنه لا تبرير لأي سلطة خارجية أن ترغم شعب الجنوب للخضوع لأي قوة احتلال، وأن تصفية الاستعمار، وفي ذلك الاستعمار الداخلي، ستظل على رأس أولويات الدول المتحضرة التي ساندت منذ خمسينات القرن الماضي شعوب العالم بالتخلص من الاستعمار، ومنح الشعوب حقها في الاستقلال.
كما لا أعتقد بأن الجنوب سيقبل بأن يستغفل بمعارك جانبية وحجزه في عدن بينما  يجري فرض حلول استباقية بالسيطرة على محافظات واسعة من أرضه لشرعية أضاعت ملكها في صنعاء.
2/8/2021

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى