الإنصاف والعدل..

> نُقر جميعًا ونعترف ونطلب العدل عند إحساسنا بالظلم، حتى لما نكون أغلبنا، ممن اقترف الذنب بشكل ما، فنحن خطاؤون وكلنا بشر، ننضوي تحت احتمالية ارتكاب الهفوات والأخطاء، وأحيانًا الجرائم، بمستوياتها المختلفة؛ نطالب أيضًا بالعدل والنصرة لأنفسنا من الآخرين، وقد تتسع هذه الدائرة لتشمل إخواننا أو أبناء أخوالنا أو عمومتنا، إذ نطالب لهم بالعدل كما نراه وليس كما هو هو، ونطالب بنصرته ظالمًا كان أم مظلومًا، وبمفهوم خاطئ وننسى ألا عدالة في الأرض، بل في السماء فقط، ولكن في الأرض هنالك قرب من العدالة، وقرب من الإنصاف، لكننا لا ننال أي منهما بالتمام والكمال، لكن عمومًا أن الاقتراب من الإنصاف مقدور عليه لحدٍ ما.

ولكي تكون منصفًا، لا بُدَّ من الالتزام ببضع مواصفات أو أمور، فأحب شيء إلى الله الإنصاف، وهو صفة ليست بالسهلة واليسيرة، فلكي نكون منصفين يلزم أن نرى ونعرف الأمور والمسائل بمعرفتنا ونشاهدها بأم أعيننا، لا أن نسمع من هذا وذلك، أو أن نسمع من طرف واحد، ونبدأ بالتخندق لجانبه ومحاباته لقرابتنا له أو لمدى تأثيره علينا، وأتذكر هنا قول أخ وصديق عزيز وغالٍ، بقوله (اللي يروح وحده للقاضي يرجع راضي)، وهي مقولة صادقة وصحيحةً إلى مدىً بعيد، فأنت لو تسمع لجانب واحد وليس هنالك غيره ممن يدحض أو يفند أقوال الطرف الثاني، سيكون النسبة العظمى من الحكم لصالح الحاضر، ويُخطّأ الغائب، ويقل حظه في كسب النسبة الأكبر من قرار الحكم.

وأتذكر هنا كل مشاكل الأهالي والجيران مع بعضهم، عند عراك أطفالهم مع بعضهم ومجيء أحدهم وهو ممزق القميص أو الثياب إلى أمه وهو يبكي ويقول ما يقوله، ممن فعل هذا به، فنرى أمه أو أبيه يخرج غائرًا صارخًا يولول ويلعن ويزبد ممن فعل هذا بابنه، ولا يخرج هادئًا متسائلًا متوجهًا بإنصاف إلى المشكلة، محاولًا فهم الموضوع قبل التدخل فيه والبت، وقبل كيل الشتائم والألفاظ النابية تجاه جاره أو خلاّنه.

فالإنصاف لم ولن يكون كل فرد كائنٍ من كان حائزًا لها، أن تسمع من الطرفين أولًا، ثم تحاول رؤية الأمور قريبًا للإنصاف والعدل، ومن ثم مداولة النفس وإعادة تقييم ادعاءات الطرفين، ليتسنى من بعد الحكم بالمسألة، بعين الإنصاف وقريبا من العدل، على الأقل لا العدل كله.

وهنالك البعض ممن يبعدوا ويتطرفوا في أخذ الجانب الواحد، والبدء بسيل من الردود والنصائح للغائب، والذي لم يسمع منه أي رأي أو دفاع، وإنما اُهمل الإنصاف هنا إلى غير رجعة، وقد يزيد بلة طين الغائب بخطأ سابق أو سوء تفاهم حصل من مدة مديدة أو حتى إن تكون قصة أخرى سمعها من طرف واحد سودت صفحة الغائب وزادت حظه العاثر، فيكون الحكم جائرًا ومجانبًا للحق والإنصاف؛ بل وظالمًا وبعيدًا عمَّا يحبه الله من الإنصاف أو حتى القرب منه.

لذا إن جاد علينا الزمن بمشكلة ما فالأقرب إلى التقوى هو أن نستمع لطرفي النزاع أو الخصام، ومن ثم ندلي بدلونا بالحل الأقرب إلى الإنصاف والتقوى ودمتم بخير وبركة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى